الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

صناعــة النشــر.. القــوة الناعمــة

صناعــة النشــر.. القــوة الناعمــة
8 سبتمبر 2016 12:23
عدتُ مؤخراً من زيارتي إلى البرازيل، بعد المشاركة للمرة الأولى في معرض ساو باولو الدولي للكتاب، وكانت فرصة مثالية لاكتشاف ما تحفل به هذه الدولة النابضة بالحياة، وما جاورها من بلدان تتقاسم معها الأرض والتاريخ والمصير، من نقاط تواصل والتقاء مع العالم العربي، خصوصاً في ظل التحول الاقتصادي والاجتماعي الكبير الذي شهدته دول أمريكا اللاتينية على مدار العقد الماضي، والتراجع في معدلات الفقر والأمية، التي حرمت في السابق الكثيرين من سكان تلك المنطقة من متعة القراءة واقتناء الكتب. لقد أتاحت لي هذه الزيارة فرصة التواصل والنقاش مع ناشرين، ومفكرين، ومؤلفين من جميع بلدان أميركا اللاتينية، حيث استنتجتُ أن أميركا اللاتينية، على الرغم من بُعد المسافة الجغرافية، تتشارك معنا تجربةً حديثةً من التطور الاقتصادي والاجتماعي التي أوجدت جيلاً مثقفاً في العالم العربي وأميركا اللاتينية يتخذ من القراءة وسيلة لدخول المستقبل، وهذا ما يؤكد لي أن القواسم المشتركة التي تجمعنا مع هذه المنطقة من العالم يمكن أن تسهم في تطوير وتنشيط العلاقات مع دول أمريكا اللاتينية على مستويات عديدة. وفي مثل هذا التطور السريع والنمو الاقتصادي، ارتفعت معدلات الاستثمارات الحكومية في مجال التعليم والمعرفة والصحة والبنية التحتية، ما عزز الاهتمام نحو التحول للاستثمار برأس المال البشري، ونظراً إلى أن دور النشر لها دور رئيس في نشر المعرفة في أميركا اللاتينية والعالم العربي وجميع أنحاء العالم، فقد لعبت دوراً محورياً في تعزيز تلك التحولات. فجوة وجدت في أميركا اللاتينية، كما هي الحال في العالم العربي، مجتمعاً شاباً، وهو ما أكدته إحصاءات الأمم المتحدة التي أشارت إلى أن الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً يمثلون ما يقارب من 20% من سكان المنطقتين، وهذا القطاع السكاني المتنامي والمليء بالحيوية، يرتبط بالتكنولوجيا الرقمية، وتتزايد فيه معدلات التعليم والثقافة، ويرغب في الحصول على مزيد من تنوع المحتوى، وهو ما يتيح للناشرين الدوليين، في كلتا المنطقتين، فرص نمو ضخمة ويعزز التجارة البينية الإقليمية مع الأسواق الناشئة في قطاع النشر. ولكن رغم هذا التقارب بين العالمين، هناك فجوة كبيرة في العلاقات التجارية بين دور النشر في أميركا اللاتينية ونظيراتها في العالم العربي، حيث توضح أحدث الإحصاءات التجارية الصادرة من الأمم المتحدة أن حجم تجارة الكتب بين العالم العربي وأميركا اللاتينية يبلغ قرابة مليون دولار سنوياً فقط، وأن 94% من تلك التجارة هي صادرات الكتب من العالم العربي إلى أميركا اللاتينية، وهذا يعني أن الناشرين في هذه القارة، القريبة منا في مجتمعها الشاب، وصاحبة الأسماء العالمية الشهيرة في الرواية والأدب، لم يكتشفوا بعد جميع الفرص التي يمكن من خلالها الدخول إلى أسواقنا، وتعزيز تجارة الكتاب بين منطقتينا. وتوضح نفس الدراسة نشاط صناعة النشر والكتب في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث إن دولتنا تُصَدِّر ما نسبته 83% من إجمالي الكتب العربية إلى أميركا اللاتينية سنوياً، وهذا ما يُحفزنا على مزيد من التطوير لصناعة النشر في دولة الإمارات وجميع الدول العربية ومشاركة ثقافتنا وفكرنا مع جميع أنحاء المعمورة. وفي المقابل، تقدر قيمة صادرات الكتب من أميركا اللاتينية إلى الدول العربية بـ 59,314 دولاراً أميركياً فقط، حيث إن 80% من إجمالي هذه الصادرات يتوجه إلى كل من الإمارات، والسعودية، والكويت، والجزائر، ولبنان، والأردن. وفي السياق نفسه، فإن تجارة الكتب المترجمة بين المنطقتين لا تزال ضئيلة على الرغم من زيادة الطلب العالمي على الأدب القصصي المترجم ومقارنةً بعدد المغتربين العرب الكبير في أميركا اللاتينية، ووفقاً لفهرس الترجمات في منظمة اليونسكو، فقد تُرجم 97 كتاباً من اللغة العربية إلى البرتغالية، وهي اللغة الرسمية في البرازيل، بينما تُرجم أكثر من 1000 كتاب من اللغة العربية إلى اللغة الإسبانية المنتشرة في معظم بلدان أميركا اللاتينية، في حين تمت ترجمة 373 كتاباً بالإسبانية و36 كتاباً بالبرتغالية إلى اللغة العربية. وهذه الأرقام تؤكد وجود فرص كبيرة لتطوير وتعزيز العلاقات التجارية في مجال صناعة الكتب والنشر والترجمة بين المنطقتين. عرب أميركا اللاتينيةتعيش في أميركا اللاتينية جالية عربية كبرى، يقدر عدد أفرادها بما يتراوح بين 17 و30 مليون نسمة، وهذا يجعلها أكبر قارة تستأثر بالعرب خارج حدود بلدانهم الأصلية، وتتراوح أعداد المغتربين العرب في أميركا اللاتينية بين 1400 شخص يعيشون في غويانا الفرنسية، التي يقيم فيها العدد الأقل من العرب في القارة، فيما يصل عدد الجالية العربية في البرازيل إلى 12 مليون نسمة، أي أكثر من عدد السكان في العديد من الدول العربية. وتشير التقديرات إلى أن عدد المغتربين من أصول لبنانية في البرازيل وحدها أكثر من عدد اللبنانيين الموجودين في لبنان نفسها. ورغم أن المغتربين العرب في أميركا الجنوبية أكثر اندماجًا سياسياً واجتماعياً من نظرائهم في أوروبا، على سبيل المثال، فإنهم ما زالوا يحتفظون بالانتماء الثقافي لأوطانهم. فمثلاً تحظى كتب الطهو الخاصة بالمأكولات العربية بشعبية كبيرة في أميركا اللاتينية، إضافة إلى الكتب التي تتناول تاريخ العالم العربي، وعاداته، وتقاليده، والأعمال الأدبية، وخاصة الرواية، وبالتالي هناك فرصة كبيرة للناشرين العرب لزيادة حجم الكتب العربية المترجمة في أسواق أميركا اللاتينية، وتتضح فرص نمو هذه المنتجات الثقافية من خلال الصادرات الإماراتية إلى أميركا اللاتينية والتي ارتفعت نسبتها إلى 186% في الفترة من العام 2009 إلى آخر عام توافرت فيه الإحصاءات. قرأتُ ذات مرة مقالاً في مجلة «Publishing Perspective» تحت عنوان «نعمة الترجمة: هل يمكن للقراء بأميركا اللاتينية أن يتفوقوا على القراء الإنجليز؟»، اعتبر كاتبه أن نجاح الناشرين من أميركا اللاتينية يتمثل في اجتياحهم لسوق الترجمة بالمملكة المتحدة من خلال مجموعة من الكتب المترجمة. بينما لم يحققوا نفس النجاح في الحصول على فرص متاحة لدخول سوق العالم العربي، رغم وجود اهتمام كبير من قبل القراء العرب بالحصول على الأعمال المترجمة، التي تحمل أسماء كتّاب لاتينيين، وخصوصاً في مجال الرواية. وعلى الرغم من أن وجود نهج مماثل للوصول للقُرّاء الناطقين باللغة الإنجليزية في دول مجلس التعاون الخليجي قد يكون فعالاً، فإن النهج الذي قد يكون أكثر نجاحاً لدخول السوق العربية هو التركيز على الكتب العربية المترجمة لتلبية الطلب على التنوع الأدبي الذي لم يستطع الناشرون العرب تلبيته حتى الآن. من جانب آخر، أظهرت العديد من الدراسات أن التركيز التقليدي لدور النشر العربية على موضوعات محددة مثل الثقافة، والتاريخ، لم يتطور ليواكب اختلاف أذواق القراء وتفضيلاتهم للموضوعات الأكثر تنوعاً. وباعتبارها واحدة من أكثر المناطق ارتباطاً بالتكنولوجيا الرقمية على مستوى العالم، فإن سكان المنطقة العربية، والذين يشكل الشباب نسبة كبيرة منهم ويتبنون وسائل التكنولوجيا الحديثة والتقنية الرقمية، يوفرون فرصة كبيرة لدور النشر في أميركا اللاتينية لتلبية الطلب المتزايد على المحتوى العربي المتمثل في الكتب الإلكترونية، والتطبيقات، والفيديو، والتسجيلات الصوتية، والأجهزة المعلوماتية، والألعاب، والتعليم الإلكتروني. لقد حصل شبه إجماع بين زملائي العرب واللاتينيين خلال معرض ساو باولو للكتاب على ضرورة المشاركة الفعالة للناشرين الإماراتيين والعرب في معارض الكتب الرئيسية بأميركا اللاتينية، مثل معرض بوينس آيرس ومعرض غوادالاخارا الدوليين للكتاب، إضافة إلى مشاركة الناشرين اللاتينيين في معارض الكتب العربية، إلى جانب الاستفادة من الدعم الحكومي، ومنح الترجمة، والجوائز الأدبية، لتعزيز العلاقات الثقافية بين الجانبين، والتي ستثري قطاع النشر وتفيد القراء في مختلف أنحاء العالم. إن ترسيخ العلاقات الثنائية بين المنطقتين لا يتحقق بالتبادل الدبلوماسي والتجاري في السلع فحسب، بل أيضاً بتعزيز التبادل التجاري في قطاع النشر والثقافة بين العالم العربي وأميركا اللاتينية مما سيؤدي حتماً إلى تمتين روابط التعاون والتفاهم بين شعوب المنطقتين، ونحن في جمعية الناشرين الإماراتيين عازمون على المضي قدماً في تطوير العلاقات الثنائية مع أميركا اللاتينية وعلى تطوير صناعة النشر وفتح قنوات جديدة مع جميع شعوب العالم والاستفادة من فرص كثيرة ومتنوعة في صناعة آفاق أوسع بكثير مما هي عليه الآن!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©