السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نهر متجمد يصور معاناة المرأة في عالم قاسِ

نهر متجمد يصور معاناة المرأة في عالم قاسِ
17 أكتوبر 2008 23:26
''راي'' و ''ليلا'' هما الشخصيتان اللتان أدتا دوريهما الرئيسيين بإتقان واضح وبحرفية عالية· امرأة وطفلان يحكي الفيلم قصة امرأة هي ''راي'' أميركية تعيش في شمال ولاية نيويورك مع طفليها اللذين يبلغان 12 و6 أعوام يعيشون جميعاً في بيت يبدو ضيقاً، وفي عالم تضيق فيه العلاقات الاجتماعية المحكومة بالخوف من الآخر· الزوج غادر عائلته مخلفاً معاناة امرأته ''راي'' في تربية هذين الولدين· عالم مغرب ينسحق فيه الفرد بسهولة فيسقط في حبال البحث عن النقود باستمرار· ولأن حلم المرأة أن تستبدل بيتها فإن شركة صناعة البيوت لم تستطع أن تقدم لها بيتاً إلا بأسعار عالية· تبحث راي عن سيارة زوجها التي وجدتها أخيراً عند امرأة هندية اسمها ''ليلا'' والأخيرة من قبائل الموهوك، حيث تعيش في مستعمرة للأميركيين الأصليين على الحدود الأميركية الكندية، والتي تعتبر منطقة تهريب حقيقية بين ولايتي نيويورك وكوبيك· تتجمع ظروف راي بإفلاسها ومغادرة زوجها ونفاد كل شيء تملكه من قبل، فتقودها المصادفة إلى اكتشاف سيارة زوجها لتطالب المرأة الهندية باسترجاعها وتتسلسل الحوادث بين الامرأتين المختلفتين عرقاً وسلوكاً ورؤية للذات والآخر إلى اعتراف ''ليلا'' بأنها وجدت هذه السيارة فاستخدمتها· وبعد أن تشرح لها احتياجها إلى هذه السيارة في مهمة بسيطة تقود ''راي'' سيارة زوجها مع ''ليلا'' إلى خارج أميركا، حيث كندا وسط طبيعة قاسية من الثلوج التي بدأت تسد الطرقات عند اقتراب احتفالات رأس السنة الميلادية· ثمن الإنسان كانت المهمة تهريب المهاجرين غير القانونيين الصينيين والباكستانيين داخل صندوق السيارة الخلفية الدودج، تذهبان معاً لتعبرا نهر سانت لورانس المتجمد وهكذا تتم الصفقة الأولى بنقل صينيين اثنين فتتقاضى راي مبلغاً معقولاً من الدولارات إزاء عمل بسيط ولأن ليلا ترفض التعامل مطلقاً مع البيض - في إشارة دلالية للعلاقة بين مجتمعين يختلفان في الأعراق داخل أميركا - فإن هذا العمل يبدو أنه أصبح مغرياً لراي من جهة ولليلا من جهة أخرى، على اعتبار ان وجود راي سيسهل من مهمة التهريب التي ستأتي· تشترك الشخصيتان في هموم الضياع والإفلاس· راي فقدت زوجها وليلا فقدت ابنها الذي استحوذت عليه حماتها التي سرقته عنوة· تتنامى عمليات التهريب التي تقودها راي، وتتقاسمان المبالغ التي تتحصلان عليها، تبدو القصة ساذجة لحد هذه اللحظة، ولكن لأن النص أراد أن يبث شفراته وينقذ الحبكة من عاديتها إلى آفاق أوسع نرى حساً إنسانياً في عملية التهريب الرابعة حين تم نقل زوج وزوجة باكستانيين في صندوق السيارة وبصحبتهما حقيبة وضعت في الكراسي خلف راي· ولسبب ما ترمي راي الحقيبة وسط الطريق الثلجي وتصل العملية إلى نهايتها وللغرابة الصادمة تصرخ الباكستانية الزوجة بأن حقيبتها فقدت في بكاء مرير لنكتشف ان في داخل الحقيبة طفل الزوجين الشابين الباكستانيين· من أجل تلميع صورة الشخصية الإنسانية الأميركية تسارع راي وليلا بالذهاب - مخاطرتين - الى موقع الحقيبة لتجدا الطفل قد مات برداً ولكن بعد دقائق تكتشفان ولدفء السيارة ان الطفل كان نائماً لتشعرا بالسعادة· ذلك هو الإنسان الأميركي الحنون الخلاب صاحب المشاعر الدفاقة الذي لا يتوانى عن إنقاذ أرواح الآخرين من مختلف الأعراق والأجناس· في العملية الخامسة تهرب فتاتان صينيتان وتلاحق الشرطة راي وليلا وبعد مطاردة فوق النهر المتجمد تمسك راي وتهرب ليلا والصينيتان وتنتهي راي سجينة لتقوم ليلا بالاعتناء بطفلي راي وتستعيد طفلها الذي أخذته حماتها، انها شراكة مفترضة تؤدي إلى فعل غير متصور، حتى ان فتى صينياً أثناء عملية التهريب الأولى قد رفض ان تهربه امرأة لأنه لم يسمح بذلك· تستخدم المخرجة كورتني هانت اشارات دلالية في مجملها لعقد مماثلة بين الواقع والفن، ففي الوقت الذي كان طفلها الصغير يشاهد فيلماً لرسوم متحركة ينقل مشهد حشرات تدخل وتخرج من بيتها الذي كان ''تفاحة'' حينها نرى بيت العائلة التي تحلم به قد رفض تسليمه الى راي لأنها لا تملك كامل نقوده· يعرض التليفزيون أيضاً قتالا بين سيارتين من الأفلام المتحركة حين كان طفل راي الصغير يشاهده وفي الوقت ذاته كانت سيارة أمه ملاحقة من قبل سيارة شرطة البلدة· عند تهريب الفتاتين الصينتين يرفض المهرب أن يعطي راي سوى 600 دولار فترد عليه بأن هذا المبلغ لقطعة واحدة ''هكذا يتعامل المهربون مع الإنسان''· الإنسان المشيأ· حيث الشيئية أصبحت علامة فارقة في سمات الحضارة التي اعتبرت الإنسان سلعة· تتنازل المرأتان عن المال لبعضهما البعض في دلالة على الامتزاج والتقارب وهما في أوج الحاجة، وعلى افتراض أن المال هذا سوف يحل أزمتهما معاً· تحاول المخرجة هانت ان تلعب على المشاعر من خلال الصورة وليس من خلال حركة وانفعالات الممثل، عبر تقريب الكاميرا إلى الوجوه خاصة وكأن التجاعيد في انكماشها ووضوحها في مجمل مساحة الشاشة قادرة على أن تعطي المشاهد حالة الأسى والخوف والرعب التي تعاني منها الشخصية· يبتدئ الفيلم بلقطة بعيدة تلخص كل دلالات العنوان· انها صورة للنهر المتجمد ''لنهر سانت لورانس'' الموحش ببياض طاغٍ والذي لم يبن منه شيء سوى امتداد لا متناه بينما تبدو الأشجار عارية والجسر يظهر منه كتفاه ليس إلا· أحداث متكررة كل الأحداث تبدو متكررة، عمليات تهريب عادية وعلاقات صادمة لا إنسانية في عالم اميركي يبدو محكوماً بالمال الذي صار شحيحاً، تقول راي لصديقتها ليلا ''انها أميركا'' كل شيء يبدو مستباحاً بها· الجشع، وانسحاق الإنسان، والتمتع بالحرية والانضباط في مراعاة القانون وخرقه أيضاً· مشاهد سريعة واستغلال أمثل لفترة قاسية من السنة تزيد ألم الشخوص وأزماتهم تأزماً· انه عالم كئيب يمتلئ بالمشاكل الإنسانية مع صعوبات واضحة في تنقل الشخوص· وكأن الدوافع تقمع من خلال أداتين، الشرطة والطبيعة مع افتراض الفقر· تقود حالات العوز شخصية راي الى البكاء مراراً وكأن المخرجة كورتني هانت أرادت ان تصور انسحاق المرأة بسبب عبء الحياة عليها، تلك المرأة الوحيدة، المستوحدة، الخائفة، إلا أنها وفي حالات كثيرة تفجر طاقتها بقوة لتتحدى كل تلك الآلام في إصرار - سواء كان قانونياً أو غير ذلك - من أجل مواجهة مستقبل مجهول· البنية العميقة المشاهد قصيرة في أكثر الأحيان، فتبدو غير مملة مع استشعار حالة التقرب لما سيأتي، بجانب حبكة تعرض وضعاً أو حالة يمكن قراءتها بسهولة، حتى الترميز تحس بدلالته من دون أن تضع المخرجة المعنى في أقصى قعر البنية العميقة ولا في أعلى البنية السطحية فلا إغراق في الدلالة ولا وضوح مستهلكا، مع افتراضنا أن محاولة بناء الشخصية الأميركية الإنسانية المفعمة بالشعور الشفيف تبدو مقحمة إلا أن الفيلم نجح فيما أراد· كتب سيناريو الفيلم المخرجة كورتني هانت نفسها وصوره ريد مورانو ووضع موسيقاه بيتر جولوب وشاهزاد اسماعيلي ومثل ادواره مايكل أوكيف ومارك بون وتشارلي ماكديرموت، أما كورتني هانت المخرجة الأميركية فقد ولدت ونشأت في ممفيس بولاية تينيسي وحصلت على البكالوريوس من كلية سان لورانس المدينة التي مثل فيها الفيلم، وهي حاصلة أيضاً على ماجستير فنون رفيعة من قسم الفيلم بجامعة كولومبيا، وكان لفيلم تخرجها صدى واسع في مهرجانات مثل ادنبرج الدولي وحصل على جائزة الاخراج الأولى من شركة نيولاين سينما، كما حصل فيلمها هذا ''نهر متجمد'' على جائزة النقاد الكبرى من مهرجان ساندانس عام ·2008
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©