الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

من العمل في الكيبوتس إلى انتفاضة التحرر

من العمل في الكيبوتس إلى انتفاضة التحرر
17 أكتوبر 2008 23:27
في إطار المحور الذي يحمل عنوان ''60 عاماً على تقسيم فلسطين''، جرى تقديم فيلمين وثائقيين مرتبطين بهذه المناسبة، الأول يتعلق باضطرار الفلسطيني للعمل في دولة إسرائيل بعد أن ضاقت به سبل العيش، والثاني عن ظروف وتفاصيل الحياة في ظل الانتفاضة الأولى ،1987 التي انطلقت من غزة وامتدت إلى الضفة الغربية، وفي الفيلمين ثمة نقل لمعاناة الفلسطينيين من الاحتلال وممارساته القمعية، وحتى من العقلية الإسرائيلية في تعاملها مع الفلسطيني الذي قد تعترف بحقه في الوجود، ولكنها تبرر ممارسات جيش الاحتلال بأنها تأتي ضمن سياسة الدفاع عن النفس، كما هي الحال بالنسبة للكثير من الشباب الإسرائيليين· في البداية، نلتقي بشاب فلسطيني يجد نفسه مضطراً للعمل في دولة يعتبرها عدواً، لكنه مضطر لذلك لأسباب تتعلق بظروفه العائلية، ويتحمل كل أشكال المعاناة وصورها العنصرية، وفي هذا الفيلم الذي يحمل عنواناً يعبر عن سلوك الشخصية الإسرائيلية ''أطلق ثم ابكِ'' سوُُُّ ف كْ؟ للمخرجة الكندية هيلين كلودافسكي، نجد صوراً من تلك المعاناة في التعاطي مع دولة الاحتلال وشعبها، سواء على صعيد طبيعة العمل المسموح به للعرب، أو على مستوى التعامل مع هذا العربي من قبل جمهرة الإسرائيليين، الأمر الذي تصوره المخرجة في صور تبدو من خلال الغرفة الحقيرة التي يسكنها الشاب الفلسطيني، ومعاناته مع الشباب الإسرائيليين الذين يجدون أنفسهم مضطرين للعلاقة معه، ويعترفون بحقه في الحياة والوجود ولكنهم يبررون القمع الإسرائيلي بكونه دفاعاً عن الدولة والإنسان· في تفاصيل هذا الفيلم، تناول للعلاقة اليومية بين الشاب الفلسطيني والشباب الإسرائيليين الذين يلتقون به، حيث تذهب المخرجة إلى الأماكن التي تشكل الوعي الصهيوني من مدارس ومعاهد تتكفل بتشكيل هذا الوعي، فتبرز في الفيلم وجهة النظر المعبرة عن القبول القسري بالفلسطيني، والرفض التام لحقوقه الأساسية متمثلة في حقه في دولة مستقلة، فضلاً عن حقه في العودة إلى بيته ووطنه، ما يفسر طبيعة الشخصية الإسرائيلية المتناقضة وغير القادرة على تحديد موقف من دولة الاحتلال وممارسات جيشها ومؤسسات أمنها تجاه ذلك الفلسطيني· الشاب الفلسطيني الذي يعمل في مطعم أو مقهى يضطر إلى معايشة الإسرائيليين، بل هو يستقبلهم في بيته البائس، ويخوض معهم نقاشات مطولة ومعقدة، تتابعها المخرجة بعقل مفتوح يتيح الفرصة لكل من الطرفين كي يبدي وجهة نظره، فكلاهما من جيل الشباب الذي يرغب في نسيان الماضي والذهاب باتجاه مستقبل يتسم بسيادة السلام والتعايش، حيث الفلسطيني يطالب بحقه في العيش بكرامة وحرية، فيما الإسرائيلي مهجوس بهاجس الأمن والأمان بسبب ما يراه في عمليات يعتبرها إرهابية تهدد حياته ودولته عموماً· ولا تغفل المخرجة في فيلمها الوثائقي هذا عن التقاط أجمل المشاهد من المكان الفلسطيني، فتلتقط مشاهد الطبيعة الجميلة والريف الفلسطيني والقرى المدمرة والبساتين التي يستغلها الإسرائيليون بوصفهم أصحاب المكان الأصليين، فيما الفلسطيني ينظر من بعد إلى ما هو بيته وحقله وأراضيه المفقودة، ولا يستطيع الاقتراب منها· كما أنها تستعرض مشاهد من الطبيعة الفلسطينية وعلاقتها بالإنسان· ولكن الأهم في حالة الشاب الفلسطيني المضطر للعمل في إسرائيل أنه يتحول إلى شخص بلا أمل في الحياة، فهو يعيش وحيد، وقد اعتاد هذه الوحدة، ومصيره مرتبط بما يحصل عليه من عمل، حتى أن عمله هذا لا يوفر له سوى الأساسيات، ما يجعله يلغي أحلامه بالزواج والإنجاب وبناء البيت، لأنه لا يضمن مستقبله، فكيف يضمن مستقبل أسرة وأطفال وبيت قد تهدمه قوات الاحتلال في أي لحظة؟ وتنجح المخرجة في إبراز مشاعر السلام لدى الطرفين، لكنها تبرز شروط كل طرف وظروفه التي يبني عليها شروطه، ومع استعراض عناصر الطبيعة من مياه وجبال وحقول وحياة صاخبة تبرز أغنية السلام على الآلة الموسيقية للشاب الإسرائيلي وهو يغني للسلام والمرور عبر الأزهار وعدم النظر إلى الخلف ومآسيه، والكف عن الغناء للحرب، وهو ما يطمح إليه كثيرون من طرفي الصراع دون القدرة للوصول إليه· في الانتفاضة كثيرة هي الأفلام التي تناولت الانتفاضة الفلسطينية الأولى في ،1987 ولكنها قليلة هي الأفلام التي استطاعت فهم الانتفاضة وأسبابها والظروف التي فجرتها، ولكن فيلم ''الانتفاضة'' الذي تم عرضه في المهرجان، كان واضحاً في وضع السبب الأول للانتفاضة متمثلاً في حجر ضخم يلقيه جنود الاحتلال الإسرائيلي من فوق بناية في مدينة فلسطينية محتلة ليشكل ما يشبه انفجاراً يؤذن بانفجار الانتفاضة· هنا تبدو انتفاضة الفلسطيني رداً على الفعل الإسرائيلي، ويبدو القمع مصدراً من مصادر هذا الفعل الفلسطيني في مواجهته لأشكال القهر، حيث تدخل الكاميرا بيوت الناس وتنقل الكثير من تفاصيل حياتهم اليومية، في أفراحهم وأتراحهم، وتبرز الكثير من تفاصيل حياتهم، في داخل بيوتهم وخارجها، في المواجهة مع جنود الاحتلال، وفي أحاديث المعتقلين الخارجين من سجون الاحتلال وهم يتحدثون عن تجاربهم في السجن ومعاناتهم فيه· وتتنقل بنا الكاميرا في مناطق تبرز الطبيعة الفلسطينية التي يبدو أن الغربيين ينبهرون بها، حيث البيوت الطينية وسط الحقول والمزارع حيناً، والبيوت الحجرية القديمة والأزقة والحواري حيناً آخر، ضمن سياقات تظهر هذا الجمال في مواجهة المعاناة التي يتعرض لها الفلسطيني في مواجهة قوات الاحتلال التي تتخذ مواقعها في بنايات تعتلي أسطحها وتجعل منها مراكز للمراقبة والهيمنة على المحيط الذي تحتله· هنا تهتم الكاميرا بإبراز مدى الضرر الجسدي الناجم عن المواجهات، حيث يخضع شاب ملثم لعملية جراحية في ساقه تستدعي علاجاً يومياً، وإلى ذلك تكشف الكاميرا في الشوارع عن اعتقالات تتم بلا سبب، وأمهات يلاحقن أبناءهن المطلوبين بلا سبب أيضاً، كما تتجول الكاميرا في أمكنة تبرز تراجع الصناعات والأعمال التي يمارسها الفلسطينيون ويعيشون منه، كالصناعات الخشبية، وينتقل إلى ما خلقت الانتفاضة من ضرورة انتقال الناس إلى الحياة البسيطة والمعتمدة على المتوافر من الحاجيات، وأسلوب تخزين المواد الضرورية التي يتم تبادلها بين الجيران والأهل على نحو شديد البساطة، كي يكمل الفلسطيني مشوار الصمود في وجه الهجمة الصهيونية· ويتناول الفيلم هجرة العقول والكفاءات الفلسطينية إلى أقطار عربية وأجنبية، من الخليج إلى الدول الأوروبية وأمريكا، ليظهر مدى البؤس الذي وصلت إليه الحال الفلسطينية، كما يبرز في أحد مشاهده عميقة الدلالة قدر التجاور والتفاهم بين المسيحية والإسلام في ضرورة التصدي للاحتلال وقوته الغاشمة، حيث تنطلق أجراس الكنيسة متوحدة مع نداء الأذان في المسجد· وينتهي الفيلم بأغنية للفلسطيني مصطفى الكرد تعلن استمرار الانتفاضة وتباشير الجيل الجديد الذي سيشكل المستقبل
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©