الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

محاكم «طالبان»... فقهاء ومسلحون!

13 يوليو 2010 22:49
دان مورفي قندهار مباشرة بعد توليه زمام قيادة الحرب في أفغانستان، وترؤسه للقوات الأميركية ومعها قوات حلف شمال الأطلسي، وجه الجنرال ديفيد بترايوس، رسالة إلى "الناتو" يقول فيها: "علينا بناء مستقبل مشرق لبلد جديد في أرض قديمة". لكن يبدو أن ما يجري في قندهار، التي تعتبر المعقل الرئيسي لحركة "طالبان" و"مفتاح النجاح أو الفشل"، وفقاً لعبارة السيناتور جون ماكين، لا يبشر بالمستقبل المشرق الذي تحدث عنه بترايوس في ظل نفور عدد متزايد من المواطنين من النظام القضائي الذي ينخره الفساد ولجوئهم إلى "طالبان" لتسوية خصوماتهم والبت في النزاعات الناشئة بينهم. والحقيقة أن ذهاب البعض إلى "طالبان" من أجل الاستعانة بخدماتها لا يرجع إلى انتماء الأفغان إلى حركة التمرد، وإن كان البعض منهم يتعاطف معها، بقدر ما يرجع إلى ما تقدمه "طالبان" في المجال القضائي وتعجز عنه الحكومة متمثلا في سرعة المحاكمات، والبت الآني في المنازعات القانونية دون الحاجة إلى دفع الرشاوى، أو الانتظار طويلا أمام مكاتب المسؤولين. ولئن كان جزء من هذه الظاهرة حيث أن البعض يفضل اللجوء إلى "طالبان"، يفسرها المراقبون بالتقاليد الأفغانية التي تعطي رجال الدين الحق في حل القضايا العالقة والتوسط لإصلاح ذات البين، لاسيما فيما يتعلق بالصراعات حول الأرض، فإن الظاهرة تشير أيضاً إلى مدى عجز الحكومة في كابول عن الوفاء بالتزاماتها تجاه الشعب والاضطلاع بدورها في ضمان محاكمات عادلة وبناء نظام قضائي مستقل يحظى بالمصداقية لدى الفئات العريضة من الأفغان، لاسيما وأن بناء نظام قضائي فعال يعد ضرورياً لإنجاح الاستراتيجية الأميركية في أفغانستان. ويعتقد العديد من المراقبين أن سيناريو التسعينيات ربما يعيد نفسه اليوم، حيث فضل وقتها الأفغان "طالبان" لما كانت توفره من خدمات رغم تشددها، ومع أن أفغانستان اليوم بعيدة عن الأوضاع المتردية التي كانت عليها خلال التسعينيات عندما كانت السلطة منعدمة والمؤسسات غير موجودة، فإن توجه المواطنين طوعاً إلى محاكم "طالبان" الموازية في مدينة خاضعة لمراقبة القوات الأميركية وتستعد لاستقبال حشودها، دليل آخر على محدودية القوة العسكرية لوحدها في دحر التمرد والقضاء على فلوله. وعن هذا الموضوع يقول "رحمة الله" الذي يشرف على موقع للبناء في السهول المحيطة بقندهار التي كانت في السابق مركزاً للتدريب تابع لتنظيم "القاعدة": "لا تعجبني الحكومة الحالية، وفي نفس الوقت لست معجباً بطالبان، لكني لا أستطيع إضاعة شهور من الوقت في المحاكم التابعة للحكومة ودفع مبالغ كبيرة من الرشاوى إلى مسؤوليها الفاسدين في حين أستطيع الذهاب إلى طالبان وقضاء أموري في يوم واحد". ثم يقول هذا المواطن الأفغاني: "الخيار بالنسبة لي محسوم وسهل"، ويذكر أنه عاد إلى وطنه في عام 2004 بعد عشرين عاماً قضاها في باكستان، آملا أن يكون الوضع قد تحسن تحت حكم الرئيس كرزاي، لكن وبعد مرور الوقت فقد الأمل: "لا تجد في الهيئات الحكومية المختلفة سوى أمراء الحرب السابقين، كما أن الشرطة نفضت يديها من حماية الناس". وفي هذا السياق يرى أحد المسؤولين في منظمة كندية لإعادة الإعمار في قندهار أن الجميع يعي التدهور الحاصل في الخدمات الحكومية وتوجه المواطنين إلى "طالبان"، معتبراً أنه فيما يتعلق بنظام العدالة تكمن المشكلة الأساسية في عدم توفر قضاة أكفاء، مشيراً أن منظمته تدير حالياً برنامجاً لتدريب القضاة للعمل في محاكم قندهار خلال الشهور المقبلة. غير أن مشكلة القضاة تكمن، حسب "قاسم لودين"، نائب مدير الوكالة الأفغانية لمكافحة الفساد، في تدني مستواهم الدراسي، إذ إن أغلبهم لم يحصل على أية شهادة عليا فوق الثانوية العامة، معترفاً أن بعض القضاة يستلمون رشاوى من الناس فيما يرضخ البعض الآخر لاستفزازات الطرف القوي ويحكم لصالحه، قائلا: "نحن نعمل حالياً على تلافي هذه العيوب ببناء نظام قضائي فعال، لكن ذلك سيستغرق وقتاً طويلا ولن يتم بين ليلة وضحاها". ولمعرفة المشاكل التي يتخبط فيها النظام القضائي بأفغانستان نعود مجدداً إلى "رحمة الله" الذي طلب عدم الإفصاح عن اسمه الكامل، فهو يقارن تجربته مع المحاكم الحكومية التي عرض عليها قضيته المتعلقة بنزاع عائلي حول ملكية أرض مع فعالية "طالبان" في تسويتها السريعة، فمعروف أن النزاعات حول ملكية الأراضي منتشرة على نطاق واسع في أفغانستان التي اختلطت فيها الأمور بعد ثلاثين عاماً من الحرب ضاعت فيها الأوراق والمستندات التي تثبت ملكية تلك الأراضي، وهو ما أدى في حالة "رحمة الله" إلى نشوء صراع بين أطراف العائلة الممتدة حول ملكية إحدى الأراضي ليتطور الأمر إلى عراك بالأيدي، ليقرر إلى جانب ابن عمه، وهما طرفا النزاع، اللجوء إلى محكمة تابعة لـ"طالبان" حيث راجعت هيئة مكونة من خمسة رجال دين يحرسهم رجلان مسلحان الوثائق المعروضة، وبتصفح حزمة الكتب الدينية الموضوعة جانباً حكم القضاة لصالح "رحمة الله" لتنتهي القضية وتُطوى صفحتها، قائلا: "لم يكن ابن عمي راضياً في البداية بالحكم، لكن قضاة طالبان نجحوا في إقناعه بأن الأرض ليست له وبأنه سيتعرض للعقاب في الآخرة إن هو أصر على امتلاكها". وفي حالة أخرى اضطر أحد المتقاضين الذي فضل عرض قضيته على المحاكم الرسمية دفع رشاوى وصلت إلى 1400 دولار دون أن ينجح في دفع القضاة إلى الفصل في قضيته بعدما ظلت عالقة في ردهات المحاكم لشهور طويلة. ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©