الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الفن يلتقط الفن في فيلمين من ألمانيا وأميركا

الفن يلتقط الفن في فيلمين من ألمانيا وأميركا
19 أكتوبر 2008 02:29
عند الحديث عن عروض مهرجان الشرق الأوسط السينمائي في دورته الثانية يلفت الانتباه حقاً عروض الأفلام القصيرة·· لماذا؟ من الطبيعي والعادي أن يكون هناك فرق بين الرواية والقصة القصيرة بل حتى القصة القصيرة جداً لعدة أسباب تكاد تكون معروفة للجميع وهذا ما ينطبق تماماً على بنية الفيلم الروائي، الطويل والفيلم القصير والفيلم الأقصر·· أما الفيلم القصير فكما يبدو أن المساحة والزمن المستغرق لعرضه هو ما يتحكم في هذا التصنيف كما درج عليه النقاد والسينمائيون أنفسهم· عندما يقصر زمن الشريط السينمائي تبدأ لعبة التكثيف تأخذ دلالاتها حتى لا تبقى لقطة واحدة خارجة عن معنى السياق الذي وضعت فيه إذ هي جزء دلالي في بنية كلية· عرضت الأفلام القصيرة بالتتابع فأثارت الإعجاب ومن الغرابة أن رواد هذه الأفلام هم الفنانون والأدباء والمتذوقون لفن الإيحاء والرمز والتكثيف وإشعاع المعنى المضغوط· في سينما ''سيني ستار'' في المارينا مول عرضت مجموعة من هذه الأفلام وهي من مسابقة أفلام الطلبة ومنها ''المتمسك'' من إخراج جوليان نازاريو فارجاس النرويجي، تحريك لعشر دقائق ومن إنتاج 2007 و''أخي يا أخي'' من اخراج لارس كريبيج الألماني لمدة 11 دقيقة و''بيتستوب'' من اخراج ميلاني ماجرو الأميركي بطول 14 دقيقة و''اقتصاديات عائلية'' من اخراج لي سونجري من كوريا الجنوبية وهو روائي بطول 22 دقيقة و''النهار بعيون أخرى'' من اخراج فيليب يوريسيف من روسيا أيضاً بطول 8 دقائق·· واللافت حقاً هما فيلما ''أخي يا أخي'' الألماني و''بيتستوب'' من أميركا بسبب اقتراب مساحتهما الزمنية 11 دقيقة للأول و14 دقيقة للثاني، هذا من جانب· أما الجانب الآخر فهو قدرة المخرجين أن يكثفا الحالة إلى حد التأزم عند شخصيتي الفيلمين وهما في عمر واحد تقريباً· هذا بالإضافة إلى أن بطلي الفيلمين يشتغلان على التصوير ضمن اهتماماتهما· أخي يا أخي يروي فيلم ''أخي يا أخي'' قصة عائلة مكونة من زوج وزوجة ولهما ابنان أحدهما يبلغ 13 عاماً والآخر 9 أعوام والابن الأكبر مولع بالتصوير يريد أن يرصد كل شيء· كل جزئيات البيت فنحن لا نشاهد البيت من عين كاميرا المخرج فقط بل نشاهده أيضاً من عين كاميرا الابن، هناك حالة من التركيب العفوية عند بؤرة عدسة الابن والقصدية عند بؤرة عدسة المخرج الذي يكون أيضاً عيناً على كاميرا الابن، أي يولد المخرج ثلاث عدسات هي ''عدسة المخرج وعدسة الابن وعدسة المخرج راصداً عدسة الابن''· ينشغل الزوج بمتابعة التليفزيون وترافقه زوجته ويذهب اليكس ذو التسعة أعوام للاستحمام في البانيو ولأن الابن الأكبر مهووس برصد كل جزء في عالمه البيتي، يدخل إلى الحمام ليصور أخاه في الحمام فتدور الأحداث بل يدور حدث واحد لا غير هو محاولة أو لنقل رغبة الابن الاكبر أن يصور أخاه غاطساً في الماء ولأن اليكس لا يحتمل أن يبقى حتى تومض عدسة التصوير وتكتمل الصورة فإن الأخ الأكبر يساهم في اغراق أخيه لفترة أطول بيده اليمنى بينما كان يمسك كاميرته باليد اليسرى ويطول بقاء اليكس تحت الماء ويختنق فيبدو جثة هامدة بعد أن حاول الخروج مراراً وهو يطلق الصرخات التي لم يسمعها الزوج ''الأب'' والزوجة ''الأم'' وبين نداءات اخيه بأن يخرج من الماء وبين صوت التليفزيون يهرع الابن الاكبر الى أمه صارخاً ويتسابق الجميع الى الحمام حيث جثة اليكس· صراع قوي بين أخوين ورغبات الابن الأكبر المجنونة وصراخ اليكس مدافعاً عن حياته بكل قوة، ومحاولة لكسر أفق توقع المشاهد بعد ان أوصله المخرج لارس كريبيج الى ذروة التألم والتمزق بأن أشعل ذات المشاهد في منظر مأساوي متوجع بموت أليكس· هنا يبدأ فجأة صراخ اليكس منتفضاً من تحت الماء في فزع مريع· الهدوء عند الموت، الفزع عند الحياة·· هي معادلة المخرج واستخدامه لنظرية كسر أفق توقع المتلقي· كل ذلك لخصتة الكاميرا في 11 دقيقة بينما كان مشهد الحمام يقترب من 8 دقائق من التوتر والتأزم الذي يحيل المشاهد الى حالة من التشنج المرتقب، المتحفز لهذا الموت المجاني الذي لم يتحقق· مثل الأدوار فينيسنت كروجر وريتش كوينج وتوم يان وآنا بويتشر أما المخرج لارس كريبيج فهو من مواليد 1981 في ليتبزبج في ألمانيا ودرس السينما في الكلية الأوروبية في الدنمارك بين عامي 2001 و2002 وفي أكاديمية الفيلم في بادين ثم تخرج من أكاديمية فنون الإعلام في كولون عام 2007 وقام باخراج عدة أفلام قصيرة ووثائقية ويعمل كذلك كمصور ورسام، أما فيلم ''أخي يا أخي'' فهو مشروع تخرجه الذي أتصور أنه من المشاريع الناجحة حقاً· بيتستوب أما الفيلم الثاني فهو ''بيتستوب'' والذي أخرجته ميلاني ماجرو الذي يروي قصة فتاة أميركية صغيرة كانت في رحلة مع أفراد عائلتها، وعندما يصل الجميع بسياراتهم العائلية الكبيرة يتوقفون في محطة على الطريق، هذه المحطة ما هي إلا عبارة عن بيت قديم على طريق مبلط وسط صحراء قاحلة· كانت الفتاة تحب تصوير الأشياء وجزئياتها· أقبح الأشياء وأقدمها وأجمل الأشياء بصناعتها وخاصة عندما تلتقط فيها شيئاً يحيلها الى تاريخ قديم· البيت وضع لخدمة الوقود على الطريق، بالإضافة إلى ما يقدم من خدمات بسيطة وعندما تدخل الفتاة الحمام وبرفقتها كاميرتها الشخصية يسترعي انتباهها الصدأ على أنابيب مياه الحمام، وجدران الحمام المتآكلة ووساخة الأشياء التي أصبحت مادة لصورة فوتغرافية مهمة تقرأ من خلالها ما تأول إليه المكونات التي حولنا· تخرج الفتاة وتدخل البيت، ترى أشياء جميلة من مصنوعات جلدية ساحرة، سرج حصان بني، ناعم الملمس وبصناعة محكمة، أيقونات مذهبة وكراسي ابنوسية محكمة التكوين، انها تاريخ يتوهج بين يديها ومع كل هذه الأشياء والاكسسوارات الأخاذة كانت ثمة امرأة، هادئة ذات ملامح أربعينية تتمتع بمسحة من الجمال والذكاء الذي بدا واضحاً في سلوكها مع الفتاة· الوحدة والعزلة تبدو جلية في سلوكها الهادئ تدخل عليها الفتاة وتفاجأ بالمرأة داخل البيت وليس هناك أحد بينهما· تتحرك سيارة العائلة وتنطلق باتجاه بعيد· تقف الفتاة في دهشة وصراخ حاد لا تعرف كيف تتصرف بعد أن غادرها الجميع· تعود ثانية إلى البيت وكأنها لم تصرخ قبل لحظات، تعيد هدوء ذاتها وتستعد لاستقبال حدث لاكتشاف كينونة هذه المرأة، تتحول الفتاة إلى امرأة ناضجة سلوكاً، تتقمص شخصية متزنة تجاوزت عمرها بسنوات وكأن ثمة صراعاً بين الفتاة والمرأة صاحبة البيت قد بدأ، صراع ليس ككل الصراعات انه صراع اثبات الذات، في محاولة الفتاة ان تثبت عدم خوفها وفي محاولة المرأة صاحبة البيت أن تثبت شخصيتها الإنسانية في حوار الآخر· ويدور حوار بينهما ومع اقتراب سيارات مجهولة لم تلتفت الفتاة نحوها كأن هذا شيء لا يعنيها، انها تثق بشخصيتها تتلمس الأشياء وتتحدث عن جماليتها، تسألها عما تضع فإذا بها تضع إطاراً لزجاجات النبيذ مرسوم عليها سيارة وفتاة ، انها قصة الرسمة وقصة الفيلم، قصتان متوازيتان وشخصيتان متوازيتان أيضاً، وترقب مزدوج لكليهما· تعبر الفتاة الأزمة بصلابة عندما تشاهد ان سيارة العائلة راجعة الى الكوخ على الطريق بعد أن تذكر من فيها أن الفتاة غير موجودة بينهم وبكل هدوء أيضاً تلتقط الفتاة صورة للأم التي رأت من خلالها دهشتها·· انها في حالة حلم· ماذا رأت في الكوخ؟· هل رأت في المرأة الأخرى وجهها الحقيقي عندما يستمر بها العمر حتى الأربعين عاماً؟· هل تحسست الأخرى طفولتها في الفتاة؟، انها قصة الدهشة والتواصل والترقب والمستقبل والماضي· مثل الأدوار شوانا يونجكيست واندريا هيليني وبليك اوزوالد وليندساي بيك وايان فيجيل· وأخرجت الفيلم ميلاني ماجرو وهي فنانة درست الكتابة الإبداعية في جامعة بريجهام للشباب وعملت كمصممة واستشارية تدريبية قبل ان تحقق حلمها في صنع الأفلام، وعمرها ثلاثون عاماً وهي تحمل درجة الماجستير في الفنون من معهد يو إس سي للفنون السينمائية بتخصص في التأليف والاخراج وتصميم الصوت وقد حصلت على عدة جوائز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©