الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أسرار الأنثى وهمومها في خلطة فوزية

أسرار الأنثى وهمومها في خلطة فوزية
19 أكتوبر 2008 02:30
من سيناريو وحوار هناء عطية البسيط، وبإمكانيات الممثلة إلهام شاهين وعدد من نجوم السينما المصرية، يصنع المخرج مجدي أحمد علي فيلما هو خلطة من الجد والهزل، ومن البؤس والسعادة، مقدما لجمهوره وجبة من السينما التي تراوح بين المأساة والملهاة، في عمل تجتمع فيه عدة عناصر بصرية ولونية وصوتية مهمة، ليرى المشاهد عرضا ينطوي على لمحات ولمسات فنية دافئة وحميمة، رغم ما يبدو من قسوة تحكم المناخ العام للفيلم، فهو ينقل صورا من البؤس البشري شديدة القسوة، وعلى غير صعيد، لكن مستوى هذه الصور يتفاوت بين العمق حينا والتسطيح الميلودرامي في بعض الأحيان· الفيلم يعرض ضمن مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، ويشارك فيه فتحي عبدالوهاب وغادة عبدالرازق وعزت أبو عوف وعبدالعظيم حجاج ولطفي لبيب ومجدي فكري وعايدة عبدالعزيز ونجوى فؤاد· ففي حي شعبي فقير، وضمن ما يعرف بالمساكن العشوائية البائسة والمهددة بهجمات البوليس، تعيش الست فوزية التي مرت بعدد من تجارب الزواج، وكانت لا تكاد تتزوج حتى تكتشف أن زوجها ليس هو النموذج الذي تبحث عنه، فتطلب الطلاق بعد أن تكون قد أنجبت منه، ويتم لها ما تريد، ثم سرعان ما تتعلق برجل آخر وتعرض عليه الزواج، لتجد نفسها بين عدد من الأزواج الذين طلقتهم (سيد وعبد العظيم وغيرهما)، وتنتهي مع (حودة) الذي تستمر معه حتى النهاية لما يبدو عليه من ملامح ''الجدع'' المصري كما تصوره الكثير من الأفلام، ومن حولها يبقى أزواجها السابقون في ما يشبه عائلة واحدة تقوم بينها علاقة ود وتعايش، حيث عدد من الأبناء والبنات يحيطون بفوزية بقدر من الحب، بوصفها تجسد شخصية ''بنت البلد''· خلطة الأزواج والأبناء مشكلات عدة يعالجها الفيلم على نحو مركزي، هي الخلطة السرية أو السحرية التي تقوم فوزية بتركيبها بنجاح، خلطة من الأزواج والأبناء، وخلطة الشارع المصري بكل معاناته وآلامه وشقائه، وخلطة من الموروث المصري يستحضره المخرج عبر صور من الأعراس والجنازات وبيوت العزاء، وخلطة نساء تعاني كل منهن مأساة ما، أنثوية أو إنسانية، وتبرز هنا أشكال من معاناة الأنثى المقموعة والمقهورة والراغبة في الزواج و''السترة'' مع أي رجل مهما كانت مواصفاته· والفيلم الذي يبدأ بعبارة ''العشق زين بس الهموم سباقة''، يطرح مسألة العلاقة بين الرجل والمرأة بوصفها علاقة تغيب عنها العواطف في الكثير من الحالات التي يصورها الفيلم، أو أنها علاقات تستند إلى الغريزة والشهوة بصورة أساسية، خصوصا في هذه الأجواء البائسة التي يتكوم فيها الناس فوق بعضهم بعضا، وتبدو علاقاتهم وعوالمهم مكشوفة لبعضهم، حيث يسهل التلصص على ما يجري خلف الجدران، كما هو الحال في المشاهد التي تصور تلصص الأطفال على فوزية وزوجها أثناء الاستحمام· وهنا يحضر مشهد الختام المتمثل في الحمام الجديد الذي يقدمه أزواج فوزية السابقون لها ولزوجها، والاحتفال الذي يتم كما لو كان عرسا· بين الواقعية والرومانسية ورغم الواقعية الشديدة التي يعمل عليها المخرج، واقعية تبلغ أحيانا حدود السذاجة في التناول، كما هو الحال في بعض المشاهد العاطفية، إلا أن هناك مشاهد رومانسية مهمة في الفيلم، تبرز ما تنطوي عليه بعض شخوص الفيلم من قدرة على الحب، ومن عواطف نبيلة تجاه الآخرين، خصوصا علاقة فوزية والراقصة التي تؤديها نجوى فؤاد، حيث يقدم الفيلم مقاطع من البوح الأنثوي تعبر بعمق عما تؤول إليه حال الأنثى في سن متقدمة، حتى أنها تحجز قبرها بنفسها، رغم كل ما تشعر به من اعتداد بالذات· وهناك المشهد الحميم والدافئ الذي يجمع فوزية بوالدتها في الحمام، إذ ينجح المخرج في توجيه الممثلتين لتقديم مشهد من العلاقة الحميمة بين أم وابنتها، علاقة تنفتح على الهمس والبوح والضحك المجوني المعبر عن مدى عمق العلاقة المتقطعة إلى حد ما· وربما كان أهم ما في الفيلم هو الصراع الداخلي الذي تعيشه فوزية، صراع بين ما تريد وما هو واقع، بين رغبتها في تحقيق السعادة والفرح لكل من حولها وبين ما تتعرض له من صدمات، الأمر الذي يجعل منها هي نفسها ''خلطة'' خرافية عجيبة لشدة قدرتها على التحمل والمتابعة، ولاستمرارها في التمسك بالحب بوصفه الحل السحري لمشكلاتها· هذا الحب الموجه إلى الآخرين أكثر من كونه حبا لها هي من هؤلاء الآخرين· وضمن خلطته السرية التي تجمع عناصر متناقضة، حيث يجمع بين الواقع والأحلام أو الأوهام، يقدم المخرج مشاهد تنتمي إلى عالم الحلم وتنتهي في عالم الكابوس، حيث نرى في مشهد فانتازي الطفل المقعد علي (ابن فوزية) يطير بعربته في أجواء من الخضرة الباهرة، لينتهي هذا المشهد الذي هو من أحلام فوزية بحادث مروع يودي بحياة الطفل· غير أن المشهد- على أهميته بالنسبة إلى بناء شخصية فوزية- لم يكن مقنعا في التنفيذ· شهوة العطاء وكما تعمل فوزية على لملمة أفراد أسرتها تحت سقف واحد، فهي تتمكن كذلك من جمع أبناء حارتها في علاقة يظهر فيها الناس العاديون وهم يحاولون خلق السعادة من رحم البؤس، ففوزية تمتلك باستمرار ما تقدمه لكل من حولها، وهي على قلة حيلتها وإمكانياتها تصر على إقامة موائد رمضانية للفقراء، وهي تقدم الحلوى للجميع وتنهمك مع نساء الحي في التحضير لكعك العيد ضمن طقوس يعم فيها التعاون والمرح· ومن المشاهد التي تعبر عن رغبة فوزية في العطاء موقفها في المقبرة وهي تحمل سلة الحلويات وتنتظر من توزعها عليهم، وتغضب حين لا يأتي أحد، ولكنها تشعر بالفرح حين تطل جنازة من بعيد يحيط بها أولاد يندفعون للحصول على حلويات فوزية· شخصيات كثيرة تدخل وتخرج، في علاقات متشابكة تحكي سيرة هذا الحي وأمثاله من الأحياء، سيرة تنطوي على تفاصيل حياة يومية تمضي سريعا وبصورة آلية حيث لا ندري كيف تمضي، في فيلم طويل نسبيا، مدته تزيد على ساعتين، وهو يمكن أن يظل مفتوحا على المزيد من المشاهد، إذ أنه من الأفلام التي لا تلتزم بحكاية واحدة من بداية وعقدة وخاتمة، لذا كان المخرج يترك بعض مشاهد الفيلم تطول حتى يعتقد المتفرج أنه أمام النهاية· هو فيلم يطرح خليطا من الأسئلة والأفكار في إطار مغامر، حيث يصعب في مجتمعاتنا أن تنجح امرأة في الجمع بين أكثر من رجل، حتى لو كان لها زوج واحد من بينهم، فالفكرة في الأساس خيالية أو افتراضية، وتأتي معالجتها من باب منح المرأة دفة القيادة في مجتمع ذكوري معقد، والكشف عن الإمكانيات القيادية التي تتمتع بها في حال اضطرارها لذلك، وفي ظل الظروف القاهرة التي تعيشها· الدور القيادي يحدث هذا في ظل صورة الرجل الكاريكاتورية المضحكة المبكية في آن واحد، ما يجعله يتراجع عن دور القيادة، ويسلمه لفوزية راضيا أو مضطرا ومكرها· لكن هذه الصورة من العلاقة المقلوبة وتسليم زمام القيادة للمرأة يمكن لها أن تحضر في أشكال أخرى، منها المرأة المسترجلة والرجل ضعيف الشخصية، وفي كثير من الأفلام نرى الرجل وقد غرق في حياة كحولية مأزومة، فيما المرأة تسعى لتحصيل رزقها ورزق عيالها، أما ما يحدث هنا فهو مسألة أخرى تقوم على أسئلة الأنثى وعالمها وأسرارها· وبسبب الفكرة الغريبة التي يتناولها الفيلم، جاءت المعالجة الغرائبية في بناء الشخوص والحوادث، واستطاع المخرج أن يضفي عليها لمسة فكاهية مرحة حينا وسوداء حينا آخر، لكن بعض المشاهد بدت ضعيفة ومهزوزة، خصوصا في أداء عدد من الشخصيات، وفي بنية الشخصية وتركيبها، الأمر الذي جعل العبء الأكبر من الفيلم تتحمله الممثلة الأولى إلهام شاهين بحركيتها وديناميتها وقدرتها على صناعة الحدث وتوجيهه والتحكم به· كان يمكن لهذا الفيلم أن يكون أعمق مما جاء عليه لو تعامل ببساطة وصدق مع المشاهد العاطفية، فكثير من هذه المشاهد بدت مفتعلة ومنفذة على عجل، وفي المقابل نجح المخرج في تصوير البيئة الشعبية الرثة من زوايا جديدة في بعض الأحيان، وقديمة مستهلكة في أحيان أخرى، موظفا الكاميرا لالتقاط صور المكان بتفاصيله وعلاقاته وتأثيره على البشر وتكوينهم
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©