الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

انهيار الأحلام

انهيار الأحلام
15 مايو 2014 21:47
كنت مصرا على أن ارتبط بفتاة نصف متعلمة، بمعنى أنها تجيد القراءة والكتابة بشكل جيد ووصلت في التعليم إلى مراحله المتوسطة، والمهم ألا تكون قد حصلت على أي شهادة دراسية، والأهم أن لا تكون وصلت إلى المرحلة الجامعية، والهدف عندي واضح لكن لم أبح به لأحد، وهو ببساطة أنني لا أريد زوجة موظفة، وارتباطي بفتاة غير حاصلة على أي مؤهل لا يجعلها تفكر في العمل وبذلك أكون قد قطعت التفكير أمامها نهائيا. وجهة نظر رغم أنني حاصل على مؤهل عال لكن كان هذا تفكيري الذي اقتنعت به وسرت وراءه ونفذته، فكنت أبحث عن عروس بتلك المواصفات حتى وجدتها، وبالطبع رحب أهلها بي أيما ترحيب، لأنني أفكر على عكس الشباب الذين يريدون فتيات حاصلات على مؤهلات عالية ويا حبذا لو كن موظفات ليساعدن على ظروف المعيشة والحياة الصعبة. كنت أرى نفسي على حق وأكثر سعادة من زملائي ومعارفي الذين تزوجوا من موظفات، فهم يشكون مر الشكوى من انشغال زوجاتهم بالعمل وعدم تفرغهن لبيوتهن، وكنت أسمع قصصا مؤلمة توحي بالمعاناة في البيت الذي تكون ربته موظفة أو عاملة، فهذا ابن عمي عاني الأمرين لأنه يستيقظ في الخامسة صباحا ويخرج من بيته هو وزوجته وطفلتاه، يتوجه بالأولى إلى المدرسة، ثم بالطفلة الثانية إلى بيت حماته ليتركها عندها، ثم يقوم بتوصيل زوجته إلى عملها، وأخيرا يتوجه إلى عمله، ورغم أنه يستيقظ في الفجر لكن كل هذا الوقت يضيع يوميا في هذه «التوصيلات» وكأنه يعمل سائقا، وكثيرا ما يصل إلى عمله متأخرا بسببها حيث إن كل تحركاته تكون في وسط المدينة ووقت الذروة في الزحام والتكدس المروري، وعندما يشكو هذا الوضع تكون العقدة والسبب أن زوجته موظفة، ولو أنها كانت ربة منزل لجلست في بيتها واكتفى بتوصيل ابنته الكبرى إلى مدرستها، وليس هذا فقط بل تتكرر المأساة نفسها مرتين كل يوم، فيقوم بها في المساء عندما يتوجه إلى زوجته ليحضرها من عملها ثم إلى ابنته في المدرسة ثم إلى حماته لاستعادة الصغيرة، وأخيرا يعود منهكا إلى البيت والمؤكد انهم سيتناولون طعاما قامت الزوجة بإعداده من الأمس فلا يستمتعون أبدا بطعام طازج حتى يوم الجمعة لأن الزوجة تقضيه في غسل الملابس. ليست هذه هي التجربة الوحيدة الماثلة أمامي، بل هناك حالة ابن خالتي حاضرة دائما أمام عيني، فهو الذي لا تبرح الخلافات بيته لأن زوجته موظفه، كثيرا ما تغضب وتذهب إلى بيت أهلها لأنها لا تساهم في مصروفات البيت وتحتفظ براتبها كله لنفسها بل وتزيد الطين بلة بأنها تطالب زوجها بالإنفاق عليها، وفوق هذا وذاك لا وقت عندها لإعداد الطعام ولا تنظيف البيت إلا في يوم العطلة الأسبوعية الذي تحوله إلى يوم عمل وتقلب فيه البيت رأسا على عقب وقد جاءت بخادمة تفعل هذا كله فتجعل زوجها يتذمر لأنه يريد أن ينام في هذا اليوم ويستريح فلا تمنحه الفرصة، وعندما يخيرها بأن توفق بين عملها وبيتها أو تبقى في البيت ترفض الاختيار وتصر على بقاء الوضع على ما هو عليه، وبالتالي تستمر المشاكل وتظل على ما هي عليه حتى بعد أن أنجبا ثلاثة أطفال. نماذج من المعاناة على الجانب الآخر هناك نماذج مختلفة، كثيرون تزوجوا من موظفات وبينهم تعاون وألفة ويتشاركون في كل أعباء الحياة، وقد حققوا الكثير من أحلامهم، وليسوا مثل ابن عمي ولا ابن خالتي، وعلى سبيل المثال زميلي في العمل تزوج من فتاة موظفة دخلها أكبر من دخله، وهي التي تقود إدارة البيت، لكنها حكيمة مدبرة تعرف كيف تتصرف في شؤون البيت، ولديها خبرة في الادخار وشراء ما يلزم فقط، حتى أنني أشعر بالفارق الكبير بين المستوى الذي يعيشان فيه وحالتي، فأنا حياتي تسير بالكاد براتبي المحدود وليس لي أي دخل آخر، ولا أجيد أي عمل غير وظيفتي الإدارية التي لا تحتاج إلى موهبة ولا قدرات خاصة، فظلت حياتي بلا تقدم يذكر وكلما تقدمت وترقيت وزاد راتبي كانت الأعباء تتضاعف على كاهلي عدة مرات، ولا يحدث أي تحسن في المستوى المعيشي رغم أن زوجتي سيدة قنوع ولا تسرف ولا تبالغ في المطالب بل لا مطالب لها، بينما سبقني زميلي هذا وكانت حياته ميسورة، ففي الوقت الذي لاتزال فيه أسكن شقة بالإيجار كان هو يقيم في شقة تمليك في حي راق، ولديه شقة مصيفية وسيارة حديثة، ولا أقول هذا لأنني أنظر إلى ما في يديه ولكن للاستدلال على ما كنت أفكر فيه ونتائجه والنظر بطرف العين إلى بعض الأمور. المهم بعد أن مرت سنون طويلة تغير الفكر والنظرة إلى الأمور بما يلائم ظروف الحياة، فقد كنت في البداية مقتنعا وأرى أنني كنت على صواب وفي راحة بال، بينما جاءت لحظات مراجعة للنفس ووجدت أنه لا يجب أن يقتنع الإنسان أنه على الصواب لمجرد قناعته الشخصية، بل يجب ألا يجزم بذلك وليس كل تجربة مثل الأخرى ولا كل شخص مثل الآخر وأيضا ليست النساء سواء، فلا يجوز التعميم، وبعد الخبرات والتجارب الكثيرة في الحياة، تراجعت عما كنت عليه منذ سنين طويلة، وجدت أنني كنت مخطئا نسبيا في أفكاري رغم أن زوجتي لا غبار عليها، لكن لو كانت بنفس مواصفاتها وأيضا موظفة ولها دخل يساعد بجانب راتبي لكان مستوى معيشتنا أفضل، ولا نعيش في معاناة وشظف باستمرار، ولكن في النهاية جاهدت وتحملت فوق طاقتي حتى يتعلم أبنائي الثلاثة ويحصلون على شهادات جامعية، لكن أجدني عاجزا عن مساعدة أي منهم بأي شكل فكل منهم يحتاج إلى شقة ومصروفات الزواج وتكاليفه الباهظة التي أصبحت لا تطاق. مشكلة حياتي تحول أبنائي إلى مشكلة حياتي الكبرى، لأنني عاجز عن تلبية متطلباتهم، أفكر فيهم ليل نهار، ولا أجد إلى الحلول سبيلا، حتى لو كانوا لا يطلبون شيئاً، ويحاول كل منهم أن يعتمد على نفسه، لكنني أرى أنهم لن يستطيعوا ذلك، فمهما كان الدخل الوظيفي فإنه لا يسمن ولا يغني من جوع، كثرة التفكير أصابتني بصداع مزمن ومستمر جعلني أتردد على عيادات الأطباء، وتطور إلى الإصابة بضغط الدم المرتفع، وأصبحت زائرا دائما للمشافي والعيادات، وذات مرة وجدت من بجواري يتجاذب معي أطراف الحديث عن الأمراض الغريبة التي ظهرت وانتشرت ولم تكن موجودة في الماضي، وإنما هي بما كسبت أيدي الناس والفساد الذي ظهر في البر والبحر، وشاءت الأقدار أن نلتقي مرة ثانية وتنشأ بيننا علاقة صداقة كان المرض هو العامل المشترك فيها، وتبادلنا الزيارات، وتعرف الأبناء على بعضهم. الرجل يبدو عليه الثراء وهناك فارق كبير بيننا في المستوى المالي، ولكن بشكل أو بآخر وصلت الأمور إلى التفكير في المصاهرة، وقبلت الآن ما كنت أرفضه في الماضي، فلم اكن أقبل هدية إلا إذا كان لها مبرر وكنت قادرا على الرد بمثلها أو افضل منها، لا أتعامل إلا مع من هم مثلي ولا أنظر إلى من هم في مستوى أعلى مني، المهم تحدث الرجل صراحة وبجرأة غير معتادة وبمدخل مثير، عندما قال إن المثل يقول «أخطب لابنتك ولا تخطب لابنك» ولذلك فإنه يرغب في مصاهرتنا وتزويج ابنته لابني الأكبر، وجدت في الرفض إحراجا للرجل، ثم لماذا الرفض؟، ولم يكن لدينا تحفظ غير الفارق المادي بيننا وهو لا يجعلنا نشعر به ولا يتحدث عنه ولا يلقي له بالا، كل ما في الأمر أن ابني يفكر مثلما كنت افكر عندما كنت في مثل عمره ولا يريد زوجة عاملة، لكن هذه الفتاة رغم أنها ليست موظفة لكنه يرى أنها قد تتعالى عليه بمال أبيها. عندما فكرت مع أسرتي في الموضوع وجدنا أنها فرصة لا يجب أن نضيعها، وإن لم يفتني أن أتحدث مع الرجل صراحة فيما أتخوف منه وهو الفارق المالي وليس بمقدورنا مجاراته في الإعداد لبيت الزوجية، فما كان منه إلا أن استنكر ما أقول وقال « نحن نشتري رجلا» المال ليس كل شيء والرجال لا يمكن وزنهم بكنوز الدنيا، وكانت كلماته كالبلسم على قلبي جعلتني أطمئن، ولا اخفي أنني كدت أطير فرحا وأنا أجد ابني يسير نحو مستقبل افضل، وأتمنى أن يكون حظ أخويه الآخرين مثله، فقد كانت المفاجآت اكبر من أن نصدقها فقد رفض الرجل أن نشاركه في شراء الشبكة الذهبية للعروس، وتحمل كل مصروفات حفل الخطوبة، بل ووعد العروسين بشقة فاخرة في أفخم منطقة في وسط المدينة. وكان الرجل عند وعوده بل زاد عليها وتحمل كل التكاليف إلا قليلا، وحتى حفل الزفاف الذي كان يجب أن نتحمل نفقاته، قال إنه هدية منه للعروسين، وإقامة في فندق خمسة نجوم ودعا إليه علية القوم الذين نشاهد صورهم في الصحف والتلفاز، وجاء بعدد من مشاهير المطربين، حتى كان ابني موضع حسد كل أقرانه، كل منهم يسأل هل للرجل ابنة أخرى ليتزوجها بهذا الأسلوب، بعضهم يقولها مازحا ومعظمهم يقولها جادا، وآخرون يقولونها استهزاء واستنكارا، أنا نفسي تغيرت وفكرت أن أزوج الابنين الآخرين من اثنتين من بنات الرجل ليكون لهما نصيب من هذا «العز» مثل أخيهما، وكانت تلك أمنية زوجتي أيضا التي صرحت بذلك ولم تكتمه، بينما قلت لها لكل حادث حديث. لم يمض أكثر من ثلاثة أشهر حتى وقعت الواقعة، وتم التحقيق مع صهرنا بتهمة الكسب غير المشروع، وصدر قرار بالتحفظ على كل أمواله وأموال أبنائه البالغين والقصر، وأسقط في يدنا فقد انهارت أحلامنا ووقعنا في فخ كنا في غنى عنه، تكشفت الخفايا والخبايا، تبين أن ثراء الرجل لم يكن من الحلال الخالص وأنه يستولي على المال العام وله أنشطة مشبوهة، قلبت هذه الأحداث كل شيء رأسا على عقب، لقد فقد ابني وزوجته كل ما بين أيديهما حتى الشقة التي يقيمان فيها كانت من الأموال التي تم التحفظ عليها وجاءا ليقيما معنا في شقتنا القديمة الضيقة، لنعود جميعا إلى الماضي. نورا محمد (القاهرة)
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©