الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الانتخابات الفرنسية... الكل يخطب ود «لوبن»!

الانتخابات الفرنسية... الكل يخطب ود «لوبن»!
2 مايو 2012
الطريق إلى هذه القرية الخلابة المناظر الواقعة على بعد 200 ميل جنوب شرقي العاصمة باريس يمر متعرجاً عبر غابات ومزارع تحرسها الصقور المتوثبة على الأسوار الممتدة على جانبيه، في حين تحلق طيور "البلشون" فوق المروج الخضراء المحيطة بتلك القرية التي يقول سكانها وتعدادهم لا يزيد عن 60 نسمة عن أنفسهم إنهم "منسيون". ولكنّ هناك شخصاً واحداً يتذكرهم جيداً ألا وهو مارين لوبن مرشحة حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف. ونتيجة لذلك، شكرتها القرية بنسبة أصوات قياسية لصالحها بلغت 72 في المئة خلال الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي جرت الأحد الماضي. وفي هذا اليوم فاجأت لوبن، 43 عاماً، فرنسا كلها بالحلول في المركز الثالث وراء المرشحين الرئيسيين ساركوزي، ومتحديه الاشتراكي فرانسوا هولاند. والنسبة غير المتوقعة التي حققتها لوبن وقد بلغت 18 في المئة من إجمالي عدد الناخبين حولت قائدة الحزب القومي المتطرف المناوئ للمهاجرين من مجرد مشاركة عادية في الانتخابات إلى لاعب رئيسي في الدور الثاني المقرر في يوم السادس من مايو. ومع حلول ساركوزي ثانياً وراء هولاند بفارق عشرة في المئة في استطلاعات الرأي التي أجريت بعد انتهاء الجولة الأولى من الانتخابات، يجد الرئيس نفسه بحاجة ماسّة لمغازلة أنصار لوبن لإنقاذ مستقبله السياسي. ومن ثم فإن الموضوعات المفضلة للجبهة الوطنية -الهجرة، والأمن، والهوية الوطنية وغيرها- كان من الطبيعي أن تقفز لتصدر أجندته خلال الأيام المتبقية على انطلاق الجولة الثانية المقررة في السادس من مايو. وفي الوقت الراهن تركت لوبن الجميع يخمنون الكيفية التي ستنصح ناخبيها بالتصويت بها خلال تلك الجولة -إذا ما كانت ستفعل ذلك أصلاً. ومن المتوقع، كما يقول المراقبون، أن تستخدم لوبن مناسبة الاحتفال باليوم العالمي للعمال في الأول من مايو (أي اليوم) للالتفاف حول تمثال "جان دارك" المناضلة الفرنسية الأسطورية المنصوب في قلب باريس كي تقول شيئاً عن مسألة العنصر العرقي، وإن كان ما ستقوله بالضبط أمراً يصعب تخمينه. ولدى لوبن مصلحة ضئيلة في بقاء ساركوزي، الذي تمقته، في سدة الرئاسة وتأمل في حالة خسارة حزبه "الاتحاد من أجل حركة شعبية" (يمين الوسط) أن ينفجر الحزب من الداخل. ومع تطلع الجبهة الوطنية لحصد مقاعد في الانتخابات البرلمانية التي ستجري في يونيو المقبل فإن حزبها يأمل في موضعة نفسه كحزب معارض موثوق به. إذ لا يوجد ود بينها وبين "هولاند" كذلك. وفي قرية براشاي، حيث تتناثر الأكواخ الحجرية حول كنيسة ذات برج، وينهض ميدان مركزي معتنى به جيداً، وتعلق ملصقات الدعاية لحزب الجبهة الوطنية على الجدران، شعر السكان بسعادة غامرة عندما زارت لوبن القرية في بدايات شهر مايو الماضي حيث أدركوا أنهم لم يعودوا "منسيين" كما كانوا يطلقون على أنفسهم من قبل، بل إنهم جزء من شيء أكبر كثيراً. "إن الشيء الذي أدهشني هو مدى الفرحة التي استقبل الناخبون بها لوبن... هل تذكر كيف كان يتم استقبال فرقة البيتلز في ستينيات القرن الماضي عندما كانت تزور مكاناً معيناً". كان هذا ما قاله عمدة القرية "جيرار مارشان" ( 54 عاماً). وأضافت زوجته "بريجييت": لم يكن هناك أحد يصدق أن مارين لوبن ستأتي إلى مثل هذه القرية الصغيرة... كانوا يضحكون فيما بينهم قبل زيارتها ويقولون: من نحن؟ نحن لسنا شيئاً على الإطلاق... هل تعتقدون أن مارين لوبن تكلف نفسها عناء قطع 200 ميل من باريس لتزور قرية لا يزيد عدد سكانها عن 60 نسمة فقط". ولكن ما حدث هو أن لوبن جاءت بالفعل، واجتذب مجيئها سكان القرى المجاورة واكتسبت معجبين جدداً بما وصفه العمدة بـ"أسلوبها السلس الودود الذي لا يقيم حواجز بينها وبين الناس ورغبتها في الابتعاد عن منصة خطابتها والحديث مع الجميع". وعلى رغم أن سكان القرية ليست لهم علاقات تذكر بسكان فرنسا من المهاجرين إلا أنهم، مثلهم في ذلك مثل معظم سكان القرى الفرنسية، يتوجسون من "الأجانب" ويعتقدون أنهم يجتاحون البلاد ويرهقون نموذج فرنسا الاجتماعي السخي. وقوة تصويت الجبهة الوطنية مكنت العمدة وزوجته من التهوين من شأن الاتهامات التي يمكن أن توجه إليهما بأنهما يكرهان الأجانب، ويعبران عن هذا الخوف، بعبارات كانت تعتبر في السابق من قبيل "التابو". لقد قال العمدة "مارشان": "إن المهاجرين يمثلون مشكلة، ما في ذلك شك، وخصوصاً أنهم يزدادون عدداً باستمرار"! وقال الزوجان أيضاً إنهما يحبان لوبن لأنها تقاتل من أجل "أن تظل فرنسا للفرنسيين". وانزلاق فرنسا نحو اليمين ليس بالشيء الجديد من نوعه في أوروبا. فمع الشلل الذي تجد القارة نفسها فيه بسبب المخاوف الاقتصادية بات العديد من السياسيين يعزفون على الوتر الشعبوي، ويوجهون اللوم دوماً للأجانب على المشكلات التي تعاني منها بلادهم. وقد انتقد "هرمان فان رومبي" رئيس الاتحاد الأوروبي ما أطلق عليه "رياح الشعبوية" التي تهب عبر أوروبا، وتنفخ في ريحها الحركات المتطرفة". وفي تقرير حديث لمنظمة "العفو الدولية" جاء أن هناك تمييزاً واسع النطاق في أوروبا حيث يقوم القادة السياسيون بدلاً من مقاومة الخوف من الإسلام بالتغاضي عن التمييز ضد المسلمين بحثاً عن أصوات الناخبين. وحذرت صحيفة لوموند في افتتاحية لها ظهرت في صفحتها الأولى من ذلك قائلة إن "الغاية لا تبرر الوسيلة" واتهمت الصحيفة الرئيس الفرنسي المنتهية ولايته بارتكاب "خطيئة أخلاقية" بسماحه بتبني "لغة وخطاب وأفكار وتهويمات مدام لوبن". ديفورا لاوتر وكيم ويلشر براشاي - باريس ينشر بترتيب خاص مع خدمة «أم. سي. تي إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©