الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
ألوان

«الحـج» أكبر مؤتمر إسلامـي وتجمع منظم في العالم

«الحـج» أكبر مؤتمر إسلامـي وتجمع منظم في العالم
9 سبتمبر 2016 14:29
القاهرة (الاتحاد) الحج فريضة عظيمة، وهو الركن الخامس من أركان الإسلام وشعيرة مقدسة لها أهمية كبرى ومقاصد شرعية كثيرة تعود بالنفع على الفرد والأمة في الحياة الدنيا والآخرة، فهو أكبر مؤتمر إسلامي وأكبر تجمع بشري ديني منظم في العالم على الإطلاق، موسم يلتقي فيه كل عام في نفس المكان والزمان العديد من التجمعات البشرية باختلاف جنسياتها وثقافاتها، ومؤتمر عام يجمع المسلمين فيربيهم ويغرس في نفوسهم أنهم أمة واحدة مهما تعددت أفكارهم، ووحدة الأمة تجلب منافع عدة اجتماعية واقتصادية، تتحقق من خلاله عدة فوائد كالعبادة والذكر والصبر والانضباط والأخوة والتواصل وتبادل الخبرات والتعارف وغيرها من المقاصد. أضخم مؤتمر يؤكد الدكتور صبري عبدالرؤوف أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أن الحج أضخم مؤتمر إسلامي وتظاهرة إيمانية رائعة يشترك فيها صنوف العباد من مختلف الأجناس والطبقات والقوميات على موعد واحد، وفي أرض واحدة يرددون هتافاً واحداً ويمارسون شعاراً واحداً ويتجهون إلى غاية واحدة وهي الإعلان عن العبودية والولاء لله وحده والتحرر من كل آثار الشرك والجاهلية بطريقة جماعية تؤثر في النفس وتشبع المشاعر. وقال إن الحج كما ذكر القرآن الكريم والأحاديث الشريفة إلى جانب كونه عبادة وقربة إلى الله سبحانه وتعالى، فإن فيه منافع اجتماعية وفوائد ثقافية واقتصادية وسياسية وتربوية تساهم في بناء المجتمع الإسلامي وتزيد في وعيه وتوجيهه وتساهم في حل مشاكله وتنشيط مسيرته، كما قال تعالى: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)، «سورة الحج: الآيات 27 - 28». وأشار إلى أنه الحج يشهد المسلمون أروع مظاهر المساواة والتواضع والأخوة الإنسانية بإلغاء الفوارق وخلع أسباب الظهور الاجتماعي والظهور باللباس العبادي الموحد «لباس الإحرام»، حيث يحس الجميع بوحدة النوع الإنساني بالمساواة، ويستشعر المسلمون وحدة الأرض ووحدة البشر، فهم يقطعون آلاف الأميال، استجابة لنداء العقيدة وتلبية لهتاف الإيمان. وأوضح أنه يلتقي المسلمون بمؤتمرهم الكبير فيتذاكرون شؤونهم ويتشاورون في أمور حياتهم وعقيدتهم ويتبادلون الخبرات والتجارب والآراء والعادات الحسنة ويتعرف بعضهم إلى أخبار البعض الآخر، فيزداد الوعي وتنمو المعرفة وتشحذ الهمم من أجل الإصلاح والتغيير والاهتمام بشؤون الأمة والعقيدة. وبين: الحج بما أنه تجمع بشري ضخم ينتج حركة بشرية هائلة يتبعها تحرك اقتصادي ومالي واسع عن طريق النقل والاستهلاك، فينتفع العديد من المسلمين ويشهد مجتمعهم حركة اقتصادية ومالية نشطة، وفيه إعداد وتربية لسلوك الفرد ونوازعه، ففي الحج يعوّد الحاج نفسه على الصبر وتحمل المشاق وحسن الخلق من التلطف والتواضع واللين وحسن المحادثة، وهكذا شاء الله أن يكون الحج محراباً للعبادة وموسماً للتربية والتوجيه ومجالاً للمنفعة وتحقيق المصالح الاجتماعية للإنسان. ويؤكد العلماء أن القرآن الكريم أوضح أن الحج كله منافع منها الظاهرة ومنها الباطنة، حيث يقول تعالى: (... لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ...)، موضحاً أن الإسلام ليس دين عبادات وطقوس لتهذيب الضمير وتطهير الوجدان فقط، إنما أيضاً دين معاملات ومنهج أخلاقي، وأن الحج فرصة كبرى لعقد المؤتمرات والندوات لدراسة مشكلات المسلمين الاقتصادية ولا سيما مشكلة التكامل والتنسيق الاقتصادي بين الدول الإسلامية. رمز وحدة الأمة ويقول الداعية الدكتور سالم عبدالجليل، وكيل وزارة الأوقاف المصرية سابقاً: إن الحج معلم من معالم وحدة الأمة الإسلامية ومظهر من مظاهر ترابطها وتكاتفها وتآلفها، من حيث الزمان والمكان والغاية والهدف، حيث يؤدي الحج إلى تعارف أبناء الأمة على اختلاف ألوانهم ولغاتهم وأوطانهم وإمكان تبادل المنافع الاقتصادية بينهم والمذاكرة في شؤون المسلمين العامة وتعاونهم صفاً واحداً أمام أعدائهم وغير ذلك مما يدخل في قوله تعالى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ). ولفت إلى أن الحج فرصة جامعة حيث يحتشد المسلمون من كل بقاع الأرض، ومن ضمنهم الرؤساء والعلماء والفقهاء وأصحاب الرأي والعلم، فإذا كان الحج فرصة لعامة الناس للتعارف والتواد وتبادل المنافع، فإنه فرصة لقادة المسلمين والعلماء والفقهاء وأصحاب الرأي للاجتماع وتدارس مشكلات الأمة وما يواجهها من معضلات، وما يفت في عضدها من مشكلات، ومحاولة إيجاد الحلول لتلك المشكلات، والبحث عن طرق لإعادة الأمة إلى ما كانت عليه من تكاتف ووحدة، وإزالة كل أسباب البغضاء والشحناء، يتوافد ملايين المسلمين من كل بقاع العالم في فرصة حقيقية ليتدارسوا أمور دينهم وهموم أمتهم، وقضايا الأقليات الإسلامية في الدول الأخرى، وهكذا فإن الحج رمز لوحدة هذه الأمة، وتأكيد أن هذه الأمة لا يفرق بين أفرادها لون أو مذهب أو طائفة أو عرق فكلهم يتجهون إلى قبلة واحدة، يطوفون حول كعبة واحدة في اتجاه واحد، يسعون في مسار مسعى واحد، يقفون بعرفة، يبيتون في مزدلفة، يرمون الجمار تجاه مرمى واحد، وهم يلبسون لباساً واحداً في رمزية عميقة لتلك الوحدة. وقال إن الحج مؤتمر سنوي عام للمسلمين يتدارسون فيه شؤونهم وتجتمع فيه كلمتهم ويحنو فيه غنيهم على فقيرهم وتظهر فيه الوحدة الكبرى للمسلمين وتؤكد أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته، أنه اتخذ من الحج منبراً لتوجيه الأمة، وأنه رأى في الحج المكان الأنسب لإعلان كل الأمور والقرارات المهمة في الإسلام. وأشار إلى أن الحج إلى بيت الله الحرام عبادة جليلة فرضها الله تعالى فقال: (... وَلِلهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)، من العبادات التي قد يظهر للناظر أن فيها مشقة وكلفة، مشقة السفر وفراق الأهل والأحبة والأوطان، وأن الله عز وجل علق القلوب بحب هذا البيت وجعل الأفئدة تهوي إليه استجابة لدعاء إبراهيم عليه السلام: «رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ»، وعلل الله عز وجل الأمر بقصد هذا البيت بحصول المنافع للقاصد، قال ابن عباس رضي الله عنهما، هي منافع الدنيا والآخرة أما منافع الآخرة فرضوان الله، وأما منافع الدنيا فما يصيبون من منافع البدن والتجارات. وقال الطبري، ليشهدوا منافع لهم من العمل الذي يرضي الله والتجارة، وذلك أن الله عم لهم منافع جميع ما يشهد له الموسم ويأتي له مكة أيام الموسم من منافع الدنيا والآخرة ولم يخصص من ذلك شيئاً من منافعهم بخبر ولا عقل، فذلك على العموم في المنافع التي وصفت، وقال الزمخشري، نكر المنافع، لأنه أراد منافع مختصة بهذه العبادة دينية ودنيوية لا توجد في غيرها من العبادات. موسم تجارة وحصاد وتضيف الباحثة الإسلامية خديجة النبراوي: الحج موسم تجارة وحصاد عالمي، حيث المكان الذي تجبى إليه ثمرات كل شيء كما في قوله تعالى: (... أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ...)، «سورة القصص: الآية 57»، حيث تجتمع فيه خيرات الأرض كلها ويتبادل الحجيج فيه منافع التجارة ويعقدون الصفقات المربحة، وقال ابن عباس، إن الناس في أول الحج كانوا يتبايعون بمنى وعرفة وسوق ذي المجاز ومواسم الحج فخافوا البيع وهم حرم فأنزل الله سبحانه: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ...)، «سورة البقرة: الآية 198»، أي في مواسم الحج. والحج مؤتمر ديني كبير فيه يجتمع المسلمون من كل بقاع الأرض لتأدية هذه العبادة العظيمة فتمتلئ بهم الجبال والسهول، وتسيل بهم البطاح والأودية في موكب مهيب هتافهم واحد رغم اختلاف الأجناس والألسنة فالكل يردد «لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك»، فتظهر بذلك مقومات وحدة هذه الأمة في تلاحمها وتآزرها وعبادتها ولغتها، وهي العناصر الأساس التي تحفظ للأمة قوتها وسيادتها وهيبتها بين الأمم. والحج موسم دعوي كبير فيه يتوافد المسلمون من كل أقطار الأرض فيجتمعون في أفضل الأيام وأطهر البقاع في جو من الرقة واللين والانكسار بين يدي الله تعالى، ليغفر الذنوب ويصفح عن الزلات ويحقق الآمال ويقيل العثرات، في مؤتمر اجتماعي فريد يربي في النفوس كل المعاني الاجتماعية التربوية، ففيه التعاون والمواساة وحنو الغني على الفقير ورحمة القوي بالضعيف والكبير بالصغير، والتجرد الكامل من مظاهر الفوارق الطبقية الدنيوية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©