الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإغداق المادي مفسدة في معظم الأحيان

الإغداق المادي مفسدة في معظم الأحيان
19 أكتوبر 2008 23:36
من أثقل وأهم المسؤوليات على المربين، تدريب الصغار على معرفة الأهمية الحقيقية للنقود في حياتنا، وكيفية إنفاقها بحكمة دون إسراف أو تقتير، وعلى الرغم من أن مصروف الجيب الذي تعود الآباء والأمهّات على مرّ الأجيال منحه للأبناء، عادة جيدة استطاع آباؤنا أن يغرسوا فينا من خلالها قيماً حميدة مثل الادخار والتصدق على الفقراء والإقراض الحسن، خاصةً أنّ المصروف كان ولايزال مرتبطاً في الأذهان بالحصّالة رمز الادخار والملكية الخاصة عند الصغار· إلا أن التدليل بالنقود يفسد الحكمة من المصروف ويؤثر بالسلب على بناء الشخصية· يستطيع الآباء والأمهات اليوم أيضاً، ورغم التغير الكبير في شكل الحياة، وكثرة المغريات التي يتعرض لها الصغار في عالمهم من اللعب وأصناف الحلوى التي تكاد لا تحصى، إضافة إلى الشكل الاستهلاكي الجذّاب الذي تُعرض فيه السلع عبر الإعلانات والدعاية، أن يَنْفُذُوا من خلال مصروف الطفل المنضبط بين الإسراف والتقتير إلى تأسيس أخلاقيات راقية لدى أطفالهم تجاه المال· تقول سامية عبد الواحد الخبيرة بمنظمة الأمومة والطفولة بالجامعة العربية: ''إنّ مصروف الجيب في واقع الأمر درس في السلوك يتلقاه الطفل، له أهداف تربوية واضحة ومحددة مثل: - يعتبر مصروف الطفل مجال جيد لتدريبه عملياً على أخلاقيات البذل والعطاء، يقول ابن القيم-رحمه الله- ضمن كلام له عن مهام المربى: ''ويعوّده البذل والعطاء، وإذا أراد الولي- المربي- أن يعطى شيئاً-أي للفقير- أعطاه إياه على يده ليذوق حلاوة الإعطاء''، ومن سير الصحابة والصالحين نرى الصحابي الجليل ابن عمر رضى الله عنهما، وهو يعوّد ابنه من خلال هذا الموقف العملي البسيط على أخلاقيات البذل وسخاء النفس بالعطاء في موقف يجمع فيه بين القدوة العملية والتدريب العملي أيضاً للصغير على تلك الفضيلة، وهذه هي الطريقة التربوية المثلى لكي يتعامل الطفل مع القيم التي نريد له أن يتخلق بها، على أنها سلوك عملي وليست مجرد أفكار نظرية، خاصةً إذا كان الإنفاق من مصروفه الشخصي، ولا بأس أن يسأل الأب أبناءه بين الحين والآخر: من تصدّق منكم اليوم بصدقة؟ وربما في المرة الأولى لن يجيبه أحد، ولكنهم سيحاولون بالتأكيد تطبيق الخلق الجيد (الصدقة) الذي يتوقعون أن يسألهم الأب عنه مرة أخرى· وتشير سامية عبد الواحد إلى نقاط هامة يجب الإنتباه لها، وهي ضرورة أن يتدرب الطفل من خلال الصلاحيات التي يمنحها له الوالدان تجاه مصروفه على حسن استخدام النقود، والقدرة على المفاضلة بين اختيارات متعددة للإنفاق، وعلى أن يرتب الأوليات في إنفاقها· كما يجب أن نلقن الطفل دائماً أنّ النقود التي في أيدينا هي وسيلة نهيئ بها لأنفسنا حياة كريمة، ونستغني بها عن الحاجة للآخرين، ونتعفف بها عمّا في أيدي الناس، ونتقرب بإنفاقها في وجوه الخير إلى الله تعالى، وليست غاية في ذاتها، وإن هناك الكثير من الأشياء العظيمة لا تستطيع النقود أن تشتريها، وهناك أشياء لا تباع ولا تقدّر بمال، مثل الفضيلة والشرف والصدق· وتتيح ملكية الطفل لمصروفه، وإحساسه بإمتلاك مال خاص مستقل، أن يتدرب عملياً- بتوجيه من الوالدين- على الاقتصاد في النفقة، وعلى أن يحفظ قول الله تعالى: ''وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذّر تبذيراً، إنّ المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفوراً''، وكذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ''ما عال من اقتصد''، مع توصيل المعنى إليه ببساطة، فإذا اشتهى الطفل شيئاً فيه سرف أو أراد أن ينفق مصروفه كله ساعة حصوله عليه، ذكّرناه بالآيات أو الحديث الشريف وشجعناه على التطبيق حتى يحبه الله تعالى ولا يتشبه بالشياطين التي عصت الله تعالى، وحتى لا يقعد فقيرا بلا مصروف بعد أن أنفقه كله في لحظة! وتضيف: ''إنّ توفير حاجات الطفل، وتلبية طلباته المعقولة والتي من ضمنها منحه مصروفا خاصا به، له حرية التصرف في إنفاقه، يساعد الوالدين في تنشئته على عزة النفس ومناعة الطبع والاستغناء عن الناس، وهذا الخلق لا يمكن أن يترسخ في نفس الطفل وهو يعاني الحرمان ويشعر بالنقص تجاه الآخرين· ومن ثم يتاح للطفل استخدام مصروفه في استكمال بعض أغراضه الشخصية من أدوات مدرسية أو حلوى أو اشتراكات مالية تطلبها المدرسة لتزيين الفصل أو إقامة احتفال رياضي أو معرض مدرسي، ومراقبة استخدامه لنقوده الخاصة مع ترشيد ذلك الاستخدام برفق، ودون أن يشعر بعبء التدخل الدائم في شؤونه الخاصة، فإن ذلك من شأنه أن ينمي فيه الشخصية المستقلة والشعور الجيد بأنه شخص فعّال وإيجابي في دائرة مجتمعه الصغير، ولا مانع من استخدام الزيادة فى المصروف كوسيلة جيدة من وسائل الحفز والتشجيع على السلوك الجيد أو المكافأة على الإنجاز، وكذلك يستخدم أسلوب الحرمان من المصروف أو الخصم منه كوسيلة من وسائل العقاب التي تجدي كثيراً مع الأبناء· كما أن الإفراط في العطاء المادي له، قد يدفعه إلى السرقة إذا لم تتحقق رغباته عندما يكبر، ويرتفع ثمن ما يرغب فيه من أشياء، ويجد الوالدان صعوبة في الاستجابة لها مادياً· مبررات سلبية! زيادة مصروف الطفل بلا ضابط تكون وبالاً عليه خاصة في كبره، على الرغم من أن الآباء والأمهات، وأحيانا الأجداد والجدات قد يقعون في هذا الأمر بدافع من الحب الجارف للطفل، أو لسبب مؤلم يتعلق به مثل اليتم أو المرض أو الإعاقة، ولكن الإغداق المادي على الطفل وتلبية جميع رغباته ليس هو المرادف الصحيح لحبنا الصادق له ولرغبتنا الحقيقية في إسعاده، فهذا الأسلوب فى التعبير عن الحب، لا يبني شخصية الطفل بطريقة إيجابية، إذ يضعف التدليل إحساسه بالمسئولية، ويدفعه إلى التفكير في ذاته فقط، أي ينتج طفلاً أنانياً، لا يعرف سوى أنّ طلباته واجبة النفاذ
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©