الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إصلاح سياسة اللاجئين.. فرصة أوروبا الأخيرة

إصلاح سياسة اللاجئين.. فرصة أوروبا الأخيرة
8 سبتمبر 2016 21:40
جورج سوروس* ترجمة: سعيد كامل كانت أزمة اللاجئين، قد بدأت تقود الاتحاد الأوروبي نحو التفكك البطيء، وبعد ذلك، وفي 23 يونيو الماضي، ساهمت تلك الأزمة في حدوث مصيبة أكبر، وهي الخروج البريطاني«بريكست» من الاتحاد. والأزمتان عززتا من موقف الحركات القومية، الكارهة للأجانب، المنتشرة في مختلف أرجاء القارة، والتي ستبذل قصارى جهدها للفوز بسلسلة من الانتخابات والاستفتاءات الرئيسة خلال السنة القادمة في هولندا، وألمانيا، والمجر والنمسا، وإيطاليا. وبدلاً من توحيد صفوفها لمقاومة هذا التهديد، باتت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي غير راغبة في التعاون مع بعضها بعضاً، ومالت إلى اتباع سياسات هجرة غير منسجمة، تهدف لخدمة مصالحها الذاتية في المقام الأول. وفي مثل هذه الظروف، يغدو من المستحيل التوصل لسياسة لجوء أوروبية عامة ومتماسكة في الأجل القصير، على الرغم من جهود المفوضية الأوروبية في هذا الشأن. هذا أمر يدعو للأسف في الحقيقة، لأن سياسة اللجوء الأوروبية العامة، يجب أن تظل دوماً على رأس قائمة أولويات القادة الأوروبيين، لأن الاتحاد ذاته لن يستطيع الاستمرار من دونها. ولكن كيف سيكون شكل المقاربة الشاملة لهذه الأزمة؟ بموجب تلك المقاربة، سيتم تحديد هدف يتمثل في استقبال 300 ألف لاجئ كل عام على الأقل، سيتم تأمين نقلهم بشكل آمن من الشرق الأوسط إلى أوروبا مباشرة. والرقم المستهدف، يجب أن يكون كبيراً، بدرجة تكفي لإقناع طلاب اللجوء الحقيقيين بعدم المخاطرة بحياتهم من خلال عبور البحر الأبيض المتوسط في قوارب متهالكة، خصوصاً إذا كان الوصول لأوروبا بوسائل غير قانونية، يعني الحرمان من اعتبارهم طلاب لجوء حقيقيين. يمكن لهذه المقاربة، أن تمثل أساساً تستند إليه أوروبا في توفير مساعدات مالية كافية، للدول الرئيسة المستضيفة للمهاجرين، الواقعة خارج أوروبا، وتأسيس مراكز لإتمام المعاملات وإجراءات الهجرة في تلك الدول، وتأسيس قوات حرس سواحل وحرس حدود أوروبية قوية، ووضع معايير موحدة لمعالجة أوراق وملفات طالبي اللجوء، وإدماجهم في مجتمعات الدول المستقبلة لهم، وإعادة التفاوض بشأن اتفاقية دبلن- 3 الخاصة بالتقاسم العادل لأعباء اللجوء، بين مختلف دول الاتحاد الأوروبي. عيوب جوهرية والاستجابة الراهنة لأزمة اللاجئين، والتي تتم بأسلوب القطعة قطعة، والتي توجت بتوقيع اتفاقية بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، للحد من تدفقات اللاجئين القادمين من شرق المتوسط، تعاني عيوباً جوهرية يمكن بيانها على النحو التالي: الأول، أنها ليست أوروبية في الحقيقة، فالاتفاقية الموقعة مع تركيا، جرى التفاوض بشأنها، وفرضها على أوروبا بوساطة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركيل، ولم تكن نتاجاً لعمل أوروبي موحد. ثانياً، إن الاستجابة الشاملة لتلك الأزمة تعاني نقصاً حاداً في المخصصات المالية اللازمة. ثالثاً: إنها حولت اليونان إلى حظيرة فعلية، يتم فيها احتجاز اللاجئين مؤقتاً، من دون أن يتوافر فيها التسهيلات الكافية لذلك. رابعاً وأخيراً، إنها ليست طوعية، وإنما تحاول فرض حصص، تعارضها الكثير من الدول الأعضاء معارضة شديدة. والاتفاقية الموقعة مع تركيا، كانت تعاني مشكلات عديدة، حتى قبل وقوع المحاولة الانقلابية في ذلك البلد في الخامس عشر من يوليو الجاري، والتي دفعت بالمستقبل الأوروبي، نحو المزيد من عدم اليقين. على مستوى من المستويات، تبدو الاتفاقية ناجحة، حيث تم إغلاق طريق البلقان، كما تضاءل طوفان المهاجرين على اليونان، واصبح شحيحاً للغاية، وإن كانت تدفقات اللاجئين ازدادت زيادة كبيرة على الطرق الأخرى الاكثر خطورة عبر البحر الأبيض المتوسط. وفي الوقت ذاته، فإن الفرضية الرئيسة، التي بنيت عليها الاتفاقية، وهي أن طالبي اللجوء يمكن إعادتهم بشكل قانوني لتركيا- تظل معيبة من حيث الجوهر. فالمحاكم اليونانية، ولجان اللجوء، تقضي بشكل مستمر بأن تركيا لا ينطبق عليها وصف«دولة ثالثة آمنة»، بالنسبة لمعظم طالبي اللجوء السوريين، وهو ما يمثل منظوراً يتوقع أن يترسخ بعد المحاولة الانقلابية الأخيرة في هذا البلد. الصفقة الكبرى في الوقت نفسه، فإن الاتفاقية الأوروبية- التركية القائمة على فرضية مؤداها، أن حقوق اللاجئين يمكن مقايضتها بخدمات مالية وسياسية، يجري استخدامها في الوقت الراهن، بشكل آخذ في التنامي، كنموذج يمكن تقليده. ففي يوليو الماضي، دعت المفوضية الأوروبية للربط بين الأموال التي تقدمها صناديق التنمية للشركاء الأفارقة، وبين التزام هؤلاء بتنفيذ ضوابط الهجرة المحددة من قبل الاتحاد الأرووبي في هذا الشأن، وهو ما ينتهك القيم والمبادئ التي يجب أن تشكل دليلاً هادياً للاتحاد الأوروبي، وتقطع مع عقود من الممارسات التي كانت متبعة في تمويل التنمية في الدول الأفريقية، وتحط من قدر مسألة معاملة المهاجرين واللاجئين. فهذه المقاربة تلحق ضرراً فادحاً بالجميع، من الناحيتين السياسية والاقتصادية. فالصفقة الكبرى الحقيقية، من وجهة نظري، هي تلك التي تركز على التنمية في افريقيا، وأقصد بها التنمية الحقيقة التي يمكن لها على مدى جيل، أن تعالج الأسباب الجذرية للهجرة. والبديل الفاعل للمقاربة الحالية للاتحاد الأوروبي لأزمة اللاجئين ستكون مبنية على سبعة أعمدة: الأول: إن الاتحاد الأوروبي، ومعه بقية دول العالم، يجب عليهم استيعاب عدد ضخم من اللاجئين القادمين مباشرة من دول «الخط الأمامي» للهجرة، على أن يكون ذلك بطريقة آمنة ومنظمة، ومقبولة للجمهور، بدرجة أكبر بكثير، من الطريقة الحالية التي يغلب عليها الفوضى. الثاني: إن الاتحاد الأوروبي، يجب أن يستعيد السيطرة على حدوده، فليس هناك ما يمكن أن يتسبب في تنفير، وإخافة الجمهور في أي بلد من البلدان، أكثر من مشاهد الفوضى، التي طالعها الأوروبيون على شاشات التلفزة في دولهم، والتي كانت تدفعهم للتساؤل كيف لم تتمكن دولهم القوية من توفير الاحتياجات الأساسية للنساء والأطفال الفارين من مناطق القتال. الأكثر من ذلك، أن الأسلحة البحرية الأوروبية الأكثر تطوراً من غيرها على مستوى العالم، تبدو عاجزة عن حماية هؤلاء الذين يغامرون بعبور البحر الأبيض المتوسط، وهو ما أدى إلى زيادة عدد غرق السفن المتهالكة التي تحملهم على نحو دراماتيكي خلال العام الماضي. العلاج المباشر لذلك ميسور، ويتمثل في تزويد اليونان وإيطاليا بالموارد المالية الكافية للعناية بطالبي اللجوء، وتوجيه الأوامر للأسلحة البحرية للدول الأوروبية، لتنفيذ مهام بحث وإنقاذ(وليس الاكتفاء بحماية الحدود البحرية فقط)، وتنفيذ الوعد الخاص بإعادة توطين 60 ألف طالب لجوء من اليونان وإيطاليا، في دول أخرى من دول الاتحاد الأوروبي. الثالث: يحتاج الاتحاد الأوروبي أيضاً، لتطوير الأدوات المالية التي تستطيع تقديم موارد مالية كافية، لمواجهة التحديات الطويلة الأجل التي تواجهها، وتجنب التعثر في التنفيذ من مرحلة لمرحلة، فضلاً عن ذلك يلزم القول، إن الاتحاد الأوروبي، لا يستطيع الاستمرار بميزانيته الضئيلة الحالية، في تنفيذ المهام المتعددة الخاصة، بالتعامل مع ظاهرة الهجرة واللجوء. وتشير التقديرات إلى أنه ستكون هناك حاجة لـ30 مليار يورو سنوياً، على الأقل، كي يتمكن الاتحاد الأوروبي من تنفيذ خطة لجوء شاملة. وهذه الأموال مطلوبة سواء داخل الاتحاد، وخارج حدوده أيضا من أجل دعم الدول المستضيفة للاجئين، وتحفيز عملية خلق الوظائف عبر أفريقيا والشرق الأوسط. وعلى الرغم من أن مبلغ الـ30 مليار يورو يبدو مهولاً، إلا أنه يتضاءل في الحقيقة عند مقارنته بالأكلاف السياسية، والإنسانية، والاقتصادية الهائلة لهذه الأزمة الممتدة. نظام «النوايا الحسنة». ولكن العيب الأساسي في النظام المتبع حالياً في توفير تلك الموارد المالية يتمثل في أنه يظل معتمداً لحد كبير على النوايا الحسنة للدول الأعضاء في كل خطوة من خطواته، ولكي يتم جمع الأموال اللازمة في المدى القصير، سيحتاج الاتحاد الأوروبي، إلى الانخراط فيما أسميه أنا «التمويل المستفيض»، والذي يعني تخصيص مقادير كبيرة من الأموال بمساعدة ميزانية الاتحاد الأوروبي- المحدودة نسبياً، بدلاً من المعاناة في جمع أموال غير كافية عاماً بعد عام، فإنفاق مبلغ كبير منذ البداية- باتباع هذه الطريقة في التمويل- سيتيح الفرصة للاتحاد الأوروبي للاستجابة بشكل أكثر كفاءة لبعض التداعيات الخطيرة لأزمة اللاجئين، ومنع بعض أسوأ النتائج المترتبة عليها، وتوجيه الأموال نحو تحقيق نتائج بناءة، تفيد اللاجئين والدول المضيفة على حد سواء، في المدى الطويل. للحصول على مثل هذه المبالغ الطائلة، ستضطر الدول الأوروبية إنْ عاجلاً أم آجلاً، إلى جباية ضرائب، بيد أنه يمكن الوفاء باحتياجات التعامل مع الأزمة – على نحو جزئي- من خلال الاستفادة من الاعتمادات المالية غير المستخدمة المتمثلة في الأدوات المالية للاتحاد الأوروبي، مثل «مساعدة ميزانية المدفوعات»، وما يعرف بـ«المساعدة المالية المكبرة، و«ميكانيزم الاستقرار المالي الأوروبي»، فتلك الأدوات وحدها، يتوافر من أجلها أرصدة دائنة تربو على 50 مليار دولار، يمكن إعادة توجيها لأغراض جديدة، وتوسيع نطاق تفويض صرفها، وهو ما سيجابه، كما هو متوقع، بمعارضة كبيرة، وهي معارضة لا تبرر، مع ذلك، الإحجام عن استخدام هذه القدرات المالية غير المستخدمة المتوافرة للاتحاد الأوروبي. الطريقة الوحيدة لمواجهة هذه المعارضة المتوقعة هو تكوين« تحالف راغبين»، لا يتطلب موافقة إجماعية، عند تخصيص هذه المبالغ لأغراض التعامل مع الأزمة. آليات لحماية الحدود وهذه المبادرات يمكن أن تمثل إلهاماً لإجراء إصلاحات أعمق في ميزانية الاتحاد الأوروبي، ويلزم التأكيد في هذا السياق، على أن وجود الاتحاد الأوروبي ذاته بات معرضاً للخطر. ومن هنا، فإن قمة عدم المسؤولية والإهمال في أداء الواجب، تتجسد في ترك الاتحاد الأوروبي يتفكك من دون استخدام كافة موارده المالية. الرابع: يجب استخدام الأزمة لبناء آليات أوروبية موحدة لحماية الحدود، والبت في طلبات اللجوء، وإعادة توطين اللاجئين، فاتباع أسلوب أوروبي موحد في التعامل مع طلبات اللجوء، سيحول بين طالبي اللجوء وبين تفضيل دول معينة على غيرها في طلب اللجوء، سواء لارتفاع مستوى معيشتها، أولغير ذلك من أسباب، ويعيد، في نهاية المطاف، بناء الثقة بين الدول الأعضاء. الخامس: بمجرد تحديد الأشخاص المستحقين للجوء، ستكون هناك حاجة لآلية معينة لإعادة توطينهم داخل أوروبا بطريقة متفق عليها. وسيكون من المهم في هذا السياق، بالنسبة للاتحاد الأوروبي، إجراء عملية إعادة نظر جوهرية في تنفيذ برامج إعادة التوطين، التي ولدت ميتة، فالمشكلة التي انطوت عليها تلك البرامج، تمثلت في أنه ليس بمقدور الاتحاد الأوروبي إجبار الدول الأعضاء، أوحتى اللاجئين أنفسهم، على المساهمة في هذه البرامج، ولذلك يجب أن تكون هذه البرامج اختيارية، بحيث ينتهي المطاف باللاجئين في الدول التي يريدون التواجد فيها، والتي ترحب بوجودهم. السادس: يجب على الاتحاد الأوروبي، بالتعاون مع المجتمع الدولي، دعم الدول الأجنبية المستضيفة للاجئين بطريقة أكثر سخاء، مما تفعل في الوقت الراهن. وهذا الدعم يمكن أن يتم- جزئياً- بصورة مالية، بحيث تتمكن دول مثل الأردن مثلاً من توفير التعليم الكافي، والإسكان، والتدريب، والرعاية الصحية للاجئين، كما يمكن أن يتم – جزئياً أيضاً- في صورة تفضيلات تجارية تمنح لمثل تلك الدول، بحيث تصبح قادرة على توفير فرص العمل للاجئين ولسكانها أيضاً. على نفس المنوال، يجب أن يكون الاتحاد الأوروبي أكثر سخاء تجاه أفريقيا، وألا يكتفي بتوفير المساعدات المالية، مقابل قيام تلك الدول بتشديد القيود على الهجرة، كما اقترحت المفوضية الأوروبية الشهر الماضي. تنمية أفريقيا هي الحل ويجب على دول الاتحاد الأوروبي، في هذا المضمار، أن تركز على التنمية الحقيقية في افريقيا، وهو ما يعني التجارة الحرة، والاستثمارات الضخمة، والالتزام باستئصال شأفة الفساد المتفشي في تلك الدول. السابع والأخير، هو أننا إذا ما أخذنا في اعتبارنا سكان أوروبا الذين يزدادون شيخوخة على نحو مطرد، فإننا سندرك أن القارة يجب عليها في نهاية المطاف، أن تخلق البيئة المناسبة للترحيب بالمهاجرين الاقتصاديين فالفوائد التي يجلبها معهم هؤلاء المهاجرون تفوق بدرجة كبيرة أكلاف إدماجهم في المجتمع، فالمهاجرون الاقتصاديون المهرة، يحسنون الإنتاجية، ويولدون النمو، ويرفعون من القدرة الاستيعابية للبلاد المستقبلة لهم، بالإضافة بالطبع إلى مساهمة هؤلاء اللاجئين بإبداعهم وابتكاراتهم في تنمية وتطوير البلاد المستقبلة، إذا ما منحوا الفرصة لذلك. إن السعي لترسيخ قواعد هذه الأعمدة السبعة، يعتبر أمراً ضرورية لتهدئة مخاوف الجمهور الأوروبي، وتقليص التدفق غير المنظم والفوضوي لطلاب اللجوء، وضمان أن القادمين الجدد سيتم استيعابهم بالكامل، وتأسيس علاقات متبادلة ومفيدة مع دول الشرق الأوسط وأفريقيا، والوفاء بالتزامات أوروبا الإنسانية في الوقت ذاته. أزمة لامناص من حلها أزمة اللاجئين ليست هي الأزمة الوحيدة التي يجب على أوروبا مواجهتها، ولكنها الأكثر إلحاحاً، وإذا ما تحقق تقدم ملموس بشأن موضوع اللاجئين، فإن ذلك في حد ذاته، سيجعل معالجة الموضوعات الأخرى- من أزمة الدين المستمرة في اليونان، إلى تداعيات الخروج البريطاني إلى التحديات التي تمثلها روسيا، أكثر يسراً. *رئيس مجلس إدارة صندوق سوروس ومؤسسة المجتمع المفتوح ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©