السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عبقري الكمبيوتر

عبقري الكمبيوتر
6 مايو 2011 20:59
قرر أشقائي خوض تجارة الكمبيوترات في منتصف تسعينيات القرن الماضي، وخلبوا لبّي بحديثهم عن السيطرة على السوق وإغراقه بكمبيوترات «إكس مايند» المسجلة باسم شركتهم، لكن بقيت آلاف الأجهزة في المخازن يعلوها الغبار وتعشش فيها العناكب، فأخذ أشقائي يهبون أفراد العائلة تلك الكمبيوترات قبل أن تحجز عليها البنوك. وصلني جهاز منها وفرحت به كثيراً ووضعته على طاولة غرفتي، ونظرت إلى الدفتر الذي كنت أكتب فيه مقالاتي آنذاك، وبجانبه القلم، وقلت لها: هذا آخر عهدي بكما، الآن ستشرق عليّ شمس الحضارة وسأدخل القرن الواحد والعشرين وعلى ظهري جهاز كمبيوتر. قلت أمام شاشة الكمبيوتر الأول في حياتي: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. كنت منبهراً بهذا العالم وقررت أن أكتب مقالاً بمناسبة تدشيني هذه المرحلة. لكن أين يمكن أن أكتب؟ نقرت على جميع الفصوص بلا طائل. وفجأة تذكرت شيئاً يتحدث عنه أصدقائي كثيراً يسمى «إنترنت». قررت تأجيل الكتابة ومضت أكثر من ساعة وأنا أعيد جميع الخطوات والنقرات ولا شيء يستجيب. اتصلت بصديق وأخبرته بكل شيء، فضحك مني وقال: لا يمكن الكتابة من دون برنامج «ويندوز»، والإنترنت يحتاج إلى خط وجهاز توصيل وأمور أخرى لم أفهمها. أطفأت الجهاز ونظرت إلى الورقة والقلم وشعرت بأنها أكثر وفاءً من هذا الجهاز اللعين الذي بقي على طاولتي سنوات مثل جثة عزيزة على صاحبها، لا هي حية، ولا هو قادر على دفنها. وبعد خمس سنوات أشفق عليّ ذلك الصديق وقرر أن يتبناني إلكترونياً، ففعل كل شيء بنفسه وقال لي: الآن أنت موصول بالإنترنت وتستطيع الكتابة. وبدأت أشق طريقي ثم اكتشفت أنني عبقري في الكمبيوتر، فلم يحدث طوال عقد من الاستعمال اليومي للكمبيوتر أن اخترقه فيروس أو تعرض لعطب. لكن هناك ملايين الأشخاص في العالم الذين لم تخترق الفيروسات كمبيوتراتهم ولم تتعرض للأعطال أبداً، فلم أنا العبقري الوحيد بينهم؟ الجواب في هذا السؤال: وهل هناك بين هؤلاء الملايين شخص لا يعرف كلمة واحدة من الإشارات التحذيرية، أو الإرشادية، التي تظهر في كل الأجهزة في العالم بين الحين والآخر؟ فأنا لا أعرف أي شيء منها، ولا أحاول قراءة ما تقول، وكل الذي أفعله هو أنني أنقر على (×)، فإذا لم تذهب الإشارة، فإنني أختار (No)، فإذا أصرت على الظهور من جديد، فإنني أختار (Yes). وفي هذه الحالة فإن إشارة أخرى تظهر، فأفعل بها ما فعلت في أختها، فإن بقيت، فإنني أطفئ الجهاز وأعيد تشغيله، فإن شغلته ورأيت الإشارة من جديد، فإنني أتجاهل وجودها أسبوع وأسبوعين، وأحياناً تبقى لشهور طويلة، ثم تختفي بعد أن تملّ مني. لكن، كل هذا قد يفعله آخرون مثلي، لكن كل الذين نجحوا في المحافظة على أجهزتهم اختاروا منذ البداية اللغة التي يتقنونها كلغة كمبيوتر، لكنني دائماً أختار اللغة الإنجليزية التي لا أتقنها، وحين تظهر الومضات والرسائل فإنني أتعامل معها كما يتعامل الخروف مع الطبيب البيطري الذي يسعى إلى علاجه بينما الخروف لا يعرف ما هي القضية، فهو لا يعرف أنه مريض، ولا يعرف من هو الطبيب، ولا يعرف ما الذي يريده بالضبط، بل إن الخروف لا يعرف أنه خروف من الأساس، لكنه برغم ذلك، يجري ويلعب ويأكل ويشرب. والغريب أنني أتعامل مع الكمبيوتر كما يتعامل معه المهندس الذي صممه، فأنا أكتب فيه، ولدي موقع إلكتروني خاص بي، وأستعمل أغلب برامجه، كما أنني أحمل جهازي معي في المقاهي، وأشبك بالإنترنت، وكله «أي كلام»، أي بالدخول في جميع الملفات وتجربة كل الفرضيات. وأقضي كل يوم ساعات أمام شاشة الكمبيوتر، وبسبب انهماكي الشديد فإن بعض الشباب في المقاهي التي أتردد عليها يأتوني وهم يحملون أجهزتهم لأحلّ المعضلات التي يواجهونها، وأقعد أنقر برشاقة على كمبيوتراتهم وأدخل في مئة ألف مكان، فإن نجحت شكروني على أدائي وهززت رأسي بتواضع، وإذا لم أنجح، قلت جملتي المفضّلة التي لا أعرف معناها: يحتاج الكمبيوتر إلى «فورمات». أحمد أميري me@ahmedamiri.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©