الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نزيف الأدمغة يكبِّد الجزائر 40 مليار دولار في 12 سنة

نزيف الأدمغة يكبِّد الجزائر 40 مليار دولار في 12 سنة
6 مايو 2011 21:11
وضعت الجزائر في الآونة الأخيرة مخططاً للاستفادة عن بُعد من باحثيها وكفاءاتها العلمية المتواجدة بعددٍ من الدول المتقدمة، لاقتناعها بتعذر عودتها إلى البلد للإسهام في تنميته وتطويره لأسباب عديدة، كما قررت منذ بضع سنوات تقليص عدد المنح التي تقدمها لطلبتها المتفوقين لإتمام دراستهم في الخارج إلى أدنى حد، بعد أن اتضح أن أغلبهم لا يعودون إلى البلد ويفضلون الاستجابة لإغراء الدول المتقدمة التي يتكونون فيها بأموال الجزائر. يعدّ «نزيف الأدمغة» أحد المواضيع التي تشغل الجزائريين، قيادة وشعباً، منذ سنوات طويلة، وقد قيل الكثيرُ في الموضوع وتحدث المواطنون كثيراً عن كفاءات جزائرية في اختصاصات شتى، أرسلتها الدولة الجزائرية على نفقتها لمتابعة تخصصاتها في كبرى جامعات العالم، أملاً بأن تكون قاطرتها للتنمية الشاملة والتطور التكنولوجي، لكنها فضلت البقاء في الغرب بعد إتمام دراستها لإفادته بكفاءتها ومواهبها، كما تحدثوا عن كفاءات في شتى الاختصاصات عملت في البلد بعض الوقت ثم هاجرت إلى الخارج بدورها. وتراوحت ردود الفعل بين النقمة على نكران الجميل وبين تلمّس الأعذار لهؤلاء في ظل تفشي البيروقراطية المنفّرة للباحثين وتدهور الظروف الاجتماعية والمهنية للأساتذة والباحثين الجزائريين ببلدهم، ما دفعهم إلى تنظيم الكثير من الإضرابات في السنوات الأخيرة للمطالبة بتحسين أوضاعهم جذرياً وفي مقدمتها مضاعفة الأجور وتوفير السكن لكل أستاذ وباحث. أرقام «مرعبة» إلى ذلك، كشف تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي بالجزائر أعدّه سنة 2005 حول هجرة الأدمغة، عن أرقام «مرعبة» حول الظاهرة، إذ أحصى هجرة 71500 جزائري إلى الخارج بين سنوات 1994 و2006، أي خلال 12 سنة فقط، واعتبر التقرير أنها «أكبر موجة هجرة للكوادر منذ استقلال الجزائر في 1962 إلى الآن»، وهو ما كبّد البلد خسارة فادحة قدّرها بـ 40 مليار دولار، باحتساب 100 ألف دولار كمتوسط تكوين الكفاءة الواحدة. وقال الدكتور أحمد قسُّوم، أستاذ بجامعة العلوم والتكنولوجيا بالجزائر، وهو يعيد فتح الموضوع منذ أيام، إن الكثير من الجامعات والمستشفيات وكذا الشركة الجزائرية للبترول وغيرها خسرت أساتذتَها وأطباءها وكوادرها لصالح مؤسسات دولية كبيرة، وهذه خسارة كبرى لنا». وأوعز قسُّوم خسارة كل هذه الإطارات في هذا الوقت القصير لعاملين اثنين وهما «تفاقم الإرهاب في التسعينيات، وعدم توفر بيئة مثالية للعمل والبحث بالبلد». موجة رعب وكان الإرهاب الذي اندلع في يناير 1992، قد استهدف اغتيال المئات من الأساتذة الجامعيين والمثقفين والإطارات في اختصاصات شتى والصحفيين وكل من رفض الوقوف معه، وخلف ذلك موجة رعب كبيرة دفعت آلاف الإطارات الجزائرية إلى المغادرة نحو بلدان مختلفة وفي مقدمتها فرنسا وبريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة وكندا.. وهو ما شكّل نزيفاً كبيراً لبعض الجامعات والمؤسسات، حتى أن الجامعات فقدت نحو 2600 من خيرة أساتذتها وباحثيها، ما أجبرها على الاستنجاد ببعض طلبة الماجستير لسدّ النقص في مجال التدريس. واستقبلت ألمانيا وكندا المئات من المتخصصين بالمعلوماتية، بينما كشف الدكتور مصطفى خياطي رئيس هيئة ترقية البحث عن «استقبال المستشفيات الفرنسية نحو 7 آلاف طبيب وجرّاح جزائري كفؤ في مختلف الاختصاصات الطبية». ذهابٌ بلا عودة لم يقتصر الأمرُ على الباحثين والكفاءات التي كانت تشتغل بالجزائر لسنوات قبل أن تقرر الهجرة بدافع الإرهاب أو بحثاً عن رغد العيش، بل يمتدّ النزيفُ ليشمل أيضاً عشرات الآلاف من الذين أرسلتهم الدولة على نفقتها إلى مختلف الجامعات المتقدمة لإكمال دراساتهم العليا بها، ورفضوا العودة بعد ذلك. ويكشف حفيظ أوراج، المدير العام للبحث العلمي بوزارة التعليم العالي، عن أن 25 ألف طالب مبتعَث من مجموع 50 ألفاً، رفضوا العودة بعد إكمال دراستهم بالخارج، ما كبّد الجزائر خسارة 700 مليون دولار، وهو قيمة تكاليف تكوينهم في الجامعات الغربية طيلة 40 سنة، ما جعل الدولة تعيد النظر في سياسة إرسال طلبتها المتفوقين إلى الجامعات الغربية لإكمال دراساتهم العليا. إلى ذلك، تتم إعادة النظر في الظاهرة، خاصة وأن الجزائر باتت تزوِّد الدول المتقدمة مجاناً بالمدرسين الجامعيين والباحثين والأطباء الاختصاصيين والكفاءات التي كوّنتها بأموالها.. ولا يُعقل أن تزرع ليحصد الآخرون». وقف المنح ويبدو أن الجزائر تسير تماماً في اتجاه وقف تقديم منح لطلبتها المتفوِّقين لإكمال دراستهم بالخارج ما دامت هذه السياسة قد أثبتت عدم نجاعتها، وأن البديل سيكون تفعيل التعليم المحلي لتكوين كفاءات عالية في شتى الاختصاصات، لاسيما وأن الجامعة الجزائرية -التي يدرس بها الآن 1.3 مليون طالب جامعي- قد خرّجت من قبل عشرات الآلاف منهم كما أثبتت التجارب، إلا أن ذلك يبقى غير كافٍ للحدّ من هجرة الأدمغة إذا لم يُرفق ذلك بوضع حدٍّ لآفة البيروقراطية والتحسين الجذري لأوضاع الأساتذة الجامعيين والباحثين، وحل مشكلاتهم الاجتماعية التي تعيق تفرَّغهم للبحث العلمي، يقول الدكتور أحمد قسوم «ينبغي التكفل الجيِّد بباحثينا اجتماعياً ومهنياً وتوفير مناخ مناسب للبحث العلمي وتكوين نخبة واعطاءها المزيد من حرية المبادرة». استفادة عن بُعد تسعى الجزائر إلى الاستفادة عن بُعد من أدمغتها المهاجِرة بعد أن أيقنت تعذّر استعادتها في ظل الإغراءات الكبيرة التي تقدِّمها لهم الدول المتقدمة للبقاء فيها، وذلك من خلال إدراجهم في مجالس البحث العلمي بمراكز البحث الجامعية والمختبرات الجزائرية، للإسهام في تكوين الباحثين الجزائريين بالاستعانة بأحدث تقنيات الاتصال، على أن يقوم هؤلاء بزيارة بلدهم مرتين في السنة للمشاركة في اجتماعات هذه المجالس العلمية وتقديم آخر التقارير عن البحوث العالمية. ويؤكد أوراج أن «بعض الباحثين الجزائريين بالخارج انخرطوا في المشروع وبدأوا يسهمون في تكون الباحثين الجزائريين عن بُعد، وبعضهم قدَّم مشاريع هيكلية لصالح البلد، وإذا تمكنّا من الاستفادة من كفاءتهم وخبرتهم بهذا الشكل، فلا يهمُّ وجودُهم الجسدي بالجزائر».
المصدر: الجزائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©