السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قصائد أصابها البلل

قصائد أصابها البلل
14 يوليو 2010 20:05
شعر الطبيعة في الأدب العربي قديم، وقد حظي بنصيب بيّن من النماذج التي صورها الشعراء العرب عبر العصور الأدبية، فنرى شعراء ما قبل الإسلام قد ألقوا بظلاله على وصف الطبيعة في الماضي، غير أنّ البيئات الجديدة كالعراق والشام قد ظهرت تباعاً. فنقرأ في الشعر الأموي وصف الشعراء لدمشق والغوطة، في حين تابع شعراء العصر العباسي في العراق الاهتمام بالطبيعة الساحرة في ظلال الحضارة النامية، فبرز فيهم شعراء أمثال أبي نواس، أبي تمّام الطائي، أبي عبادة البحتري، ابن المعتز، وابن الرومي وغيرهم... وقد كانت للطبيعة دورها الواضح في تغني الشعراء بالطبيعة الخلابة التي تقع نواظرهم عليها في المدن والأمصار الإسلامية سواء في المشرق أو في بلاد الأندلس الرطيب. من مظاهر بذخ الطبيعة بصورة عامة، تلك الأنهار الكثيرة الوفيرة الماء السلسلة التدفق، تُحيي مَوَات الأرض كلها فترفدها بالخصب والعطاء، وتمد الرياض بالسِحر والنماء، فتلطف تلك الطبيعة أجواءهم ويجعلهم يتغنون بأنهارها ومياهها ونوافيرها وثلجها الناصع. الطبيعة والشعر الرقيق يمتاز شعر الطبيعة في الأندلس بشهرته وذيوعه في نظر أهلها، وعيشهم في ظلالها الوارف، وهو شعر رقيق، ينضح بمحبّة الأندلس، والأنُس بما فيها من جَمَال الطبيعة ويستطرد شعراؤها إلى ذكر محاسنها، مِن وراء نظرة الإعجاب بالأرض، والتمسّك بالوطن، وإلْفِ كل ما فيه من برٍّ وبحر، وأرض وسماء، وجبال وانهار، والمبالغة في وصف المحاسن، والاستغراق في مجالي الجَمَال الوسنان. ويورد د. شوقي ضيف في “تاريخ الأدب العربي عصر الدول وإمارات الأندلس”، بأن شعراء الأندلس تغنوا بمفاتن بلادهم ومشاهدها دائماً بَاثينَ فيها عواطفهم ومشاعرهم. وكان مما زادهم شغفاً بها اختلافهم إلى المتنزهات والحدائق المحيطة ببلدانهم، لذا كثر عندهم المزج بين الطبيعة والغزل. كما سجل الشعر الأندلسي مزيّة وخصوصية في هذا الغرض، بقول د. محمد رضوان الداية “في الأدب الأندلسي” من أنّ أتباع المذهب الخفاجي ـ نسبة إلى الشاعر ابن خفاجة الأندلسي ـ قد تابع المُحدثون من الكُتّاب والمؤلفين من سبقهم من القدماء فأثنوا على جَمال الطبيعة الأندلسية، ووجدوا في هذه الطبيعة ما يُعزي الشعراء، ويحفزهم على النّظم في وصفها: استئناساً بها، واسترسالاً في التنعُم بظلالها، والتغني بصورها الجميلة. وهذا الشاعر الأندلسي محمد بن سفر أحد شعراء القرن السادس الهجري يتغنى في وصف أرض الأندلس بقوله: في أرض أندلس تلتذ نعماءُ ولا تفارق فيها القلب سرّاءُ وكيف لا تبتهج الأبصار رؤيتها وكل روض بها في الوشي صنعاءُ أنهارها فضة والمِسك تُربتها والخزُّ روضتها والدرُّ حصباءُ النّواوير والأزاهير ولأبي الوليد قطعة للحاجب أبي الحسن جعفر بن عثمان المصحفي يصف فيها عدداً من النّواوير والأزاهير، قال فيها: أنظر إلى الروض الأريض تخالُه كالوشي نمّق أحسن التّنميق وكأنما السوسان صبٌّ مُدنفٌ لعبت يداه بجيبه المشقوق يوم الوداع ومُزّقت أثوابه جزعاً عليه أيما تمزيق والنرجس العضُّ الذكيّ محاجر تعبت من التسهيد والتأريق يحكي لنا لون المحبّ بلونه وإذا تنسّم نكهة المعشوق وكأنّ دائرة الحديقة عندما جاء الغمام لها برشف الرِّيق فلكٌ من الياقوت يسطع نورهُ فيه كواكبُ جوهر وعقيق قصائد مائية إن اسم المائيات هو اسم متواضع أطلق على نماذج الأشعار المائية لشعراء الأندلس ولكنه في الحقيقة نفيس المحتوى. يشير د. مصطفى الشكعة في “الأدب الأندلسي موضوعاته وفنونه” إلى أنّ محمد بن صارة الشنتريني يجري محاولة في وصف بركة ضمت سلاحف ماء فيقول: لله مسجورة في شكل ناظرة من الأزاهر أهداب لها وُطُفُ فيها سلاحف ألهاني تقامصها في مائها ولها من عَرمص لُحُفُ تنافر الشّط إلاّ حين يحضرها برد الشتاء فتستدلي وتنصرفُ وهذا الشاعر ابن حمديس يصف بُركة المتوكل بن أعلى الناس في أفريقية وما حولها من تماثيل. فيصف تماثيل الأسود وهي تقذف الماء من أفواهها: وضراغم سكنت عرين رياسة تركت خرير الماء فيه زئيرا فكأنما غشّى النُّضار جسومها وأذاب في أفواهها البلورا أُسدٌ كأنّ سكونها متحرّك في النفس لو وجدتْ هناك مثيرا وتذكرت فَتكاتها فكأنما أقعت على ادبارها لِتثورا وتخالها والشمس تجلُو لونها ناراً وألسنها اللّواحس نُورا فكأنما سَلّت سيوف جداول ذابت بلا نار قعدنْ خريرا وكأنما نَسَجَ النسيم لمائِه دِرعاً فقدّر سَردها تقديرا وبديعة الثمرات تعبر نحوها عينايَ بحرَ عجائب مَسجُورا شجريّة ذهبيّة نزعت إلى سِحرِ يؤثر في النُّهى تأثيرا قد سّرحتْ أغصانها فكأنما قبضت بهنّ من الفضاء يورا نهر ابن خفاجة ومن مائيات الشعر، ما رسمه الشاعر ابن خفاجة الأندلسي شاعر الطبيعة الأول في الأندلس، الذي وصف لوحة شعرية جميلة رقيقة أنيقة للنهر، فأبدع فيها أيما إبداع، وكأنه يكتب أبياتًا غزلية في محبوبه: لله نهر سال في بطحاء أشهى وروداً من لَمى الحسناء مُتعطّف مثل السِّوار كأنه والزهر يكنفهُ مَجَرُّ سماء قد رقّ حتى ظُنّ قُرصاً مُفرغاً من فضة في بُردةٍ خضراء وغدت تحفُ به الغصون كأنها هُدب يحف بمُقلةٍ زرقاء ولطالما عاطيت فيه مُدامةً صفراء تخضب أيدي الندماء والريح تعبث بالغصون وقد جَرَى ذهبَ الأصيل على لُجينِ الماء ولكن الشاعر ابن خفاجة لم يرضه ذاك القدر من التصوير والإبداع للنهر في قصيدته أعلاه، لذا شرع في وصف النهر مرة ثانية وصفاً ممتعاً في صورته، رائعاً في فكرته وخاصة في تصوره أن النهر جريح لكثرة سيره على الحَصَى، وقد عبر عن أوجاعه بخريره وإنما أراد هذه المرة أن يُرضي عشّاق الصورة المتكاملة لفظاً ومعنى، فقال ابن خفاجة: ومُطرّد الأمواج يصقل مَتْنَهُ صَباً أعلنت للعين ما في ضميره جريح بأطراف الحَصَى كلما جَرى عليها شكا أوجاعه بخريره كأنّ حُباباً رِيع تحت رِيع تحت حَبَابه فأقبل وألقي نَفْسَه في غديره ورد تألق يحفل وصف الطبيعة في الأندلس بقطعة أدبية تندرج ضمن الشعر الغزلي نظمها ابن زيدون وهي معروفة، وصل فيها بين وصف جانب من حدائق مدينة الزهراء الممتدة الأرجاء الظليلة الأفياء، البديعة الحُسن، الحافلة بكل لون من ألوان النبات والزهر والورد والزنبق، وبين ذكريات أيام خوالٍ، جمعت بينه وبين أحبته. والظاهر في نطاق قصيدة ابن زيدون التالية هي بساتين ورياض الزهراء، ويرجّح أن تكون قصيدته في ذكرى ولاّدة بنت المستكفي، يقول فيها: إني ذكرتك بالزهراء مُشتاقا والأفق طلقُ الوجه ووجهُ الأرض قد رَاقا وللنسيم اعتلال في أصائله كأنما رقّ لي فاعتل إشفاقا والروض عن مائه الفضي مبتسم كما حللت عن اللبات أطواقا نلهو بما يستميل العين من زهر جال الندى فيه حتى مال أعناقا كأن أعينه إذ عاينت أرقي بكت لما بي فجال الدمع رقراقا ورد تألق في ضاحي منابته فازداد منه الضحى في العين إشراقا سَرى ينافحه نيلوفر عبق وسِنان نبّه منه الصبح أحداقا كل يهيج لنا ذكرى تشوقنا إليك، لم يعد عنها الصدر أن ضاقا لا سكن الله قلباً عق ذكركم فلم يَطِرْ بجناح الشوق خفاقا لو شاء حملي نسيم الريح حين سرى وافاكمُ بفتى أضناه ما لاقى يوم كأيام لذات لنا انصرمت بتنا لها حين نام الدهر سراقا لو كان وفى المنى في جمعنا بكمُ لكان من أكرم الأيام أخلاقا يا علقي الأخطر الأسنى الحبيب إلى نفسي إذا ما اقتنى الأحباب أعلاقا كان التجاري بمحض الودّ مُذ زمن ميدان أنس جرينا فيه أطلاقا فالآن أحمد ما كُنا لعهدكمُ سلوتمُ وبقينا نحن عشاقا مررنا بشاطئ النهر وكان الشاعر ابن العطار يكثر من وصف ركوب النهر ومن تشبيه تكسر الماء بالدروع عامداً إلى الاستعارة الأنيقة والجِناس الطريف، فيقول: مررنا بشاطئ النهر بين حدائقٍ بها حَدَقُ الأزهار تستوقف الحَدَق وقد نسجت كفُّ النسيم مُفاضةً عليه دماً غير الحَبَاب لها حَلَق ثم يزداد الشاعر تأنقاً إلى رسم الصورة الزاهية والتشبيه الرائق، بقوله: لله بهجةُ مَنزَهٍ ضربت به فوق الغدير رواقها الأنسام فمع الأصيل النهر درعٌ سابغٌ ومع الضُحى يلتاح منه حسام دَجْلَة الصنوبري نجد صورة الكواكب وقد غرقت في صفحة النهر وتخيل الشاعر أن الأرض تجذبها السّماء بمثابة صورة معكوسة من صورة الشاعر الأندلسي الصنوبري في وصف نهر دجلة في قوله: فلمّا تعالى البدر واشتد ضوؤُه بدَجلَةَ في تشرين بالطول والعَرضِ وقد قابل الماء المُفضض نوره وبعض نجوم الليل يطفي سَنَا بعض سباق الزوارق كذلك وصف الشاعر علي بن لُبّال سباق الزوارق في النهر وصفاً بارعاً يجمع بين الحركة والشاعرية الجياشة، مع إجراء مفارقة طريفة بين زورق ينساحُ بشراع وآخر يركض بمجداف، وربما جرى الشاعر في السباق في هدأة الليل، فيقول: بنفسي هاتيك الزوارقُ أُجريت كحَلَبَةِ خيلٍ أولاً ثم ثانيا وقد كان جِيدُ النهر مِن قبلُ عاطلاً فأمسى به في ظلمة الليل حاليا عليها لزهر الشّمع زُهر كواكبٍ تُخال بها ضمن الغدير عواليا ورُبّ مُثارٍ بالجناح وآخر برجلٍ يُحاكي أرنباً خافَ بازِيا أما الشاعر أبا الحسين محمد بن سفر، فوصف في أبيات له نهر أشبيلية وقت الجزْر وصفاً طريفاً بارعاً فَكِهاً في قوله: حيث الجزيرة والخليج يحفُها يشكو إليها كي تُجيب جِوارهُ شقّ النسيم عليه جيبَ قميصه فانساب من شطّيه يطلب ثارهُ فتضاحكت وُرْقُ الحَمَام بدوحه هُزُءاً فضمّ من الحياء إزارهُ وصف الغدير إذا وصف أولئك الشعراء الأنهار، فإنّ الشاعر أبو الوليد يونس القسطلي قد وصف الغدير، متوسلاً إلى الرقة والجرس البديع في الوصف: وفوق الدوحة الغنّا غديرٌ تلالاً صفحةً وصفا قرارا إذا ما أنصبّ أزرقَ مستطيلا تُدوّرَ في البحيرة واستدارا يُجرده فمُ الأنبوب صلتاً حُساماً ثم يفتِلُهُ سِوَارا الجدول الفضيّ وروى المؤرخ المقريّ أبياتاً لشاعر لم يذكر اسمه، وصف جدول ماء فضيّ يمرح في مغاني روضة يانعة: وحديقة مُخضرّة أثوابها في قُضبها للطير كلّ مُغرّد نادمت فيها فتية صفحاتهم مثل البدور تُنير بين الأسعُد والجدول الفضيّ يضحك ماؤُهُ فكأنه في العين صفحُ مُهنّد وإذا تجعّد بالنسيم حسبته لمّا تراه مُشبّهاً للمِبْرد وتناثرت نُقط على حافاته كالعِقد بين مُجَمّع ومُبدّد وتدحرجت للناظرين كأنها دُرٌّ نثيرٌ في بساطِ زَبرجَد دولاب الماء لم يخل الشعراء من وصف الدولاب على ضفة النهر وهو يمتح الماء من النهر والجدول ليعزف أنينه وحنينه الدائم، بقول الرصافي البلنسي الرفّاء الشاعر الذي أوحى إليه الدولاب بهذه الأبيات العذبة البادية الرقة: وذي حنين يكاد شوقاً يختلس الأنفسَ اختلاسا لمّا غدا للرياض جاراً قال له المحلُ لا مساسا يبتسم الروض حين يبكي بأدُمع ما رأينَ باسا مِن كل جَفنٍ يسُلُّ سيفاً صار له غِمدُهُ رِئاسا أشعار في البَرَد أما في البَرَد فله فيه أكثر من مقطوعة، وربما كان غرام ابن خفاجة بالبَرَد أكثر من حبّه للثلج. ولعلّ أشهر من عرض للبَرَد هو الشاعر عبدالجبار بن حمديس الصقلي الذي أنشأ قصيدة تناهز العشرين بيتاً خصّ البَرَد ببضعة أبيات وخصص بقية ابياتها لوصف السيول والغدران والبرق والروض، ويقول فيها الشاعر عامداً إلى خلق صورة شعرية لطيفة من خلالها، مثل تصور البَرَد دُرّاً في نحور الحِسَان، أو تشبيهه باللؤلؤ الذي أصدافه سَحَاب، أو جعله حبّات دموع السَحَاب، فيقول: نثر الجوّ على الأرض بَرَد أيّ دُرٍّ لنُحور لو جَمَدْ لؤلؤٌ أصدافه السّحب التي أنجزَ البارقُ منها ما وعَدْ منحته عارياً من نكدٍ واكتسابُ الدرّ بالغوص نَكَدْ ولقد كادت تُعادي لقْطهُ رغبةً فيه كريمات الخدَدْ وتحلِّي منه أجياداً إذا عُطِّلت راقتك في حَلْيِ العَبَدْ ذوّبتهُ من سماء أدمعٌ فوق أرضٍ تتلقاهُ نَجَدْ فجَرَت منه سيولٌ حولنا كثعابينَ عِجَال تطِّردْ ومن أرقّ ما وصف به البَرَد وهو يتساقط من السماء والريح تعبث به فتبعثره قول أبي بكر عبدالمعطي بن المعين وكان لا يزال صغير السنّ، وقد أراد أن ينازل مَجْمَع الأدباء الذين كانوا يجتمعون في دار أبيه: كأنّ الهواء غديرٌ جَمَدْ بحيث البُرُودُ تُذيبُ البَرَدْ خيوط وقد عُقِدَت في الهوا وراحةُ ريح تَحُلُّ العُقَدْ قصائد بغلالة بيضاء مثلما تعرفنا على شعراء المائيات، فهناك شعراء اختصوا بالثلجيات، حين وقعت أعينهم على الجمال ذي الرواء والبهجة، ومناظر الثلج وقد غطّى الكون غلالة بيضاء ناصعة، ومن رأى الثلج الذي تجود به السماء نثيراً في الفضاء كالقطن المندوف، وهو يغطي السفوح والسطوع وقمم الجبال والشواهق والبيوتات والحدائق الجِنان. وقد برز شعر الثلجيات في حدود القرن الرابع الهجري، فأنشأ الصنوبري قائلأً: ذهِّبْ كُؤوسكَ يا غُلا مُ فإنّه يومٌ مُفضّضْ ويذكر في هذا الصدد أنّ أول من أنشأ شعراً في الثلج هو ابن خفاجة، الذي لُقب بصنوبري الأندلس، ولم يصل من قصائده سوى قصيدته البائية. ومن قصيدة ابن خفاجة في ثلجيته البائية قوله: ألا فضلتْ ذيلها ليلةٌ تجرّ الرّبابَ بها هيدبا وقد برقعَ الثلجُ وجه الثرى وألحفَ غُصنَ النّقا فاحتبى فشابت وراء قِناع الظلام نواصي الغصون وهام الرُّبى كما عبر الشاعر أبو جعفر بن سلام المعافري عن مشاعر الذين يسكنون في مناطق مُثلجة شتاءً في ديار الأندلس، حين يهشون لمنظره ويسخطون لمخبره، قائلاً: ولم أرَ مثل الثلج في حُسن منظرٍ تقرّ به عين وتشنَؤُهُ نَفْسُ فنارٌ بلا نُورٍ يضيء لهُ سَناً وقَطْرٌ بلا ماءٍ يُقلّبهُ اللّمسُ وأصبح ثغرُ الأرض يفترُّ ضاحكاً فقد ذاب خوفاً أن تُقبّلَهُ الشمسُ ومن الذين أحسنوا القول في وصف الثلج أبو بكر محمد بن سيرين السبي، وقد كان يعيش في غرناظة ويحبها، فلما نزل بها الثلج ضاق بها بعض أصدقائه وبرم، فقال أبو بكر أبياتا رقيقة موشاة بالجناس والتورية وحسن التعليل ولكن بغير ما سرف ولا إثقال: رعى الله من غرناطة متبوأ يسر حزينا أو يجير طريدا تبرم منها صاحبي عندما رأى مسارحها بالثلج عدن جليدا هي الثغر صان الله من أهلت به وما خير ثغر لايكون برودا ازْجُر بهذا الثلج وكان الشاعر أبو عبدالله محمد بن يوسف الصُريحي المعروف بابن زَمْرك كما يذكر يقول عمر فروخ في “تاريخ الأدب العربي”، بأن فنون شعره المديح، ومدائحه كِثار طِوال تبدأ بالغزل، وهي سلطانيات “لأنها تُقال في سلطان غرناطة”، وله اعتذاريات وميلاديات وعيديات. وهو من الشعراء الذين تغنوا بوصف الطبيعة الأندلسية. فعندما كان الثلج ينزل في مدينة غرناطة اغتنم الشاعر ابن زَمْرك المناسبة وأنشأ أبياتاً رقيقة جمع فيها وصف الثلج ومدح السلطان أبي الحجّاج في أسلوب نضير وصور من القول سهلة مع رقّة لفظ وحُسن تعليل، فقال: يا من به رُتَبُ الإمارة تُعتلَى ومعالم الفخر المشيدة تَبتَني ازْجُر بهذا الثلج حالاً إنّه ثلجُ اليقين بنصر مولانا الغنِي بسطَ البياضَ كرامة لقدومه وافترّ ثغراً عن كرامة مُعتني فالأرض جوهرة تلوح لمُعتل والدّوح مُزهرةٌ تفوح لمجْتني سبحان من أعطى الوجود وجودهُ ليدلّ منه على الجوادِ المحْسنِ وبدائع الأكوان في إتقانها أثَرٌ يشير إلى البديع المُتقنِ
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©