الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لازالت الزهور تبحث عن آنية

لازالت الزهور تبحث عن آنية
14 يوليو 2010 20:10
بقي الروائي الراحل عبدالعزيز مشري في ذاكرة أصدقائه من المبدعين والمثقفين وفي ذاكرة الرواية السعودية كواحد ممن استطاعوا الولوج إلى الوجدان الإنساني في السعودية منذ عقود، ومن خلال أعماله الروائية والإبداعية عموما.. وقبل أيام أقام أصدقاء إبداع عبدالعزيز مشري ذكرى رحيله العاشرة وسط تجمع الكثير من أصدقائه من المبدعين والمهتمين. المشري الذي كان مثالًا على تحمل الألم والمرض طيلة مشواره مع الكتابة فأنجز الكثير من رواياته وهو يصارع تلك الأمراض التي أحاطت به، خصوصا في معاناته مع الكلى التي وصفها في كثير من أعماله وصور صراع الحياة والموت والألم ولذة الكتابة جنبا إلى جنب، وظل وفيا لروحه الجنوبية وهو يصور ضروب الحياة مع شتاته ومرضه منذ وقت مبكر، وهو المفتون بعالم القرية وعوالمها فنقرأه في “مكاشفات السيف والوردة” وهو يقول: عالم القرية الذي أكتب عنه هو عالم إنساني وطني متميز، عالم يدهش بتمسكه بقيمه الإنسانية وترابطه ودينامية حياته التكافلية ومدهش بقوانينه المعيشية التي أخطتها وأقامتها اعتبارات على احترام حق الفرد واعتراف بالآخر حتى لو بعيدا عن التوافق.. لكنه يقيم معه التصالح في كل علاقته مع الأشياء التي يحتك بها في حياته اليومية”.. تلك القرية التي منحت المشري الكثير من أجواء أعماله وشخوصها وعوالمها، ومنحها هو الآخر تلك الإرادة الكبيرة في رسم نسيجها وعالمها الجميل، فكانت رواياته “الغيوم ومنابت الشجر” و”الحصون” و”ريح الكادي” و”صالحة”، وكانت مجموعاته القصصية كذلك في “بوح السنابل” و”أسفار السروي” و”الزهور تبحث عن آنية” و”أحوال الديار” وغيرها تمثل وفي وقت مبكر تصورا مهما لحياة الجنوب السعودي بكل منظوماته من العادات والتقاليد وتراثه ومكوناته الحضارية، ومن جهة أخرى تصور معاناته الكبيرة مع مرضه حتى سمي بمبدع الألم. وأصيب عبدالعزيز مشري بالسكري ومنه إلى اختلال في المشي ثم الكلى فالغرغرينا التي بترت قدمه لكن لم يكن هذا كله أهم ما في تجربة المشري برغم صراعه الكبير لأجل الكتابة في أحلك الظروف وأشدها، فالمشري الذي صور في أعماله معاناة الإنسان البسيط مع الفقر والحياة بكل ملماتها متناسيا في كثير من الأوقات ما يمر به ودؤوبا في كتابة إبداع يصور معاناة الآخرين ولعل تلك مناعته السرية في وجه المرض، ويصور الفن والإبداع للحياة، ينطلق دونما شهادة أكاديمية أو تعليمية وبثقافة عميقة نلحظها من خلال مانقرأه في مخرجات أعماله وهو الموهوب في الرسم وفي العزف على آلة العود كذلك كما يشير الكثير من أصدقائه وهو الذي تزوج من امرأة أحبها ولكن ظروفه الصحية جعلته يطلب منها أن ينفصلا حتى يتيح لها أن تنجب وتعيش حياة أخرى. عاش المشري على الحافة ورحل مخلدا أعمالًا إبداعية متناثرة في أزمنة شتى منذ أكثر من ثلاثين عاما ولا نستطيع بأي حال فصل أعماله الأدبية والإبداعية عن حياته بكل ما فيها، وها هم أصدقاء الإبداع ـ خصوصا رفيق دربه الشاعر السعودي علي الدميني ـ يصدرون هذه الأيام المجلد الثالث من أعماله بعد صدور المجلدين الأول والثاني تلك الأعمال التي شملت أيضا رؤاه النقدية والجمالية عن الفن والحياة والكتابة والتي يمكن أن نقرأها بصفة جلية في كتابه “مكاشفات السيف والوردة” الذي كتب عام 1993، وكان عن تجربته الخاصة مع الكتابة التي ترعرعت في أطر مفهومه الشامل والمتصاعد في رأيه حسب قانون التطور المرحلي الزمني، ويصف محطات من ذاكرته عبر سفر العمر وبرؤية شخصية يؤكد عليها دوما. والمجلد الثالث الذي شمل على رواية “الوسمية” التي تدخل بنا في عوالم من النسيج الاجتماعي للقرية وعوالمها والتي يقول عنها الدميني في مقدمته للمجلد: “فـ “الوسمية”، كأول تجربة روائية للكاتب، تتسم بوجدانية العلاقة بين الكاتب وموضوع نصه، بما يحفزه على رسمها لغويا وفق “لغة المعيش اليومي” في مجتمع القرى، التي كانت تشكل “تعاونيات” حياتية طبيعية، تحكمها وتتجلى عبرها جماليات ومدلولات العلاقات البشرية في أي مجتمع قروي بسيط، يعيش على إنتاج معرفته بذاته، وإنتاج خيراته لنفسه، وإقامة علاقاته المتوازنة بين أفراده، ومع المحيط المجاور” وشمل المجلد أيضا على “في عشق حتى” والمغزول” وهي الرواية التي طبعت بعد رحيل المشري بأعوام حيث كانت مخطوطة وحبيسة الأدراج لمدة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©