الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ازدهار كمي ونضج في التجربة

ازدهار كمي ونضج في التجربة
14 يوليو 2010 20:11
بين الازدهار الكمي الكبير، وظهور أسماء جديدة، وتطور فني ملحوظ مع الميل إلى التجديد، اتضحت أبرز مراحل الرواية السعودية الحديثة منذ ثلاثة عقود. هذه المرحلة التي سبقتها مراحل سابقة لم تكن الرواية ظاهرة منتشرة، ولم تحظ بالكثير من الاهتمام في المشهد الثقافي السعودي، ربما لطغيان الشعر أكثر وقتذاك وبقية الفنون التي كانت مزدهرة أكثر في مجالات الإعلام والصحافة والنقد، كما أنها مراحل كان يسودها الكثير من الخلط في المفهوم بين الرواية والقصة وغيرها.. لم تكن الصورة واضحة ولربما بسبب انفتاح الوعي الابداعي على الرواية نفسها كإبداع ولكونها مساحة وجد فيها الكثير من الكتاب مرادهم في كتابة شيء عن سيرهم الثقافية وقضايا المجتمع في كل مرة. ولعل الجهد الذي قام به القاص السعودي خالد اليوسف في “معجم الرواية في السعودية” يشير لنا بدقة ووضوح إلى كل تلك المراحل التي يبدأها من العام 1930م، مع أول رواية سعودية وهي “التوأمان” لعبدالقدوس الأنصاري ومن ثم “فتاة البسفور” لصالح سلام عام 1350 هـ، و”الانتقام الطبعي” لمحمد الجوهري و”فكرة” لأحمد السباعي. واستمرت بعد ذلك تجارب الرواية لعدد ممن كانوا يشتغلون على الكتابة من قبل، ولاقت الرواية استحساناً ومتابعة لكنها ظلت بعيدة عن الحضور القوي والطاغي وعن كثرة الكتابة الروائية. كانت التجارب قليلة ولكن في مرحلة تالية يصدر حامد دمنهوري روايته “ثمن التضحية” 1959، وهي تعد نقطة تحول في مسيرة الرواية السعودية وعلامة فارقة بما حققته من فنية عالية وتماسك في البناء وحرص على تحقيق المقاييس الفنية المعروفة آنذاك، ثم تجربة ابراهيم الناصر التي استمرت إلى الآن وروايته الأولى “ثقب في رداء الليل” عام 1961م، وما لبث حتى أصدر بعدها بأعوام روايته الثانية ليكون أول من يصدر رواية ثانية في تجربة الكتابة الروائية في السعودية وليضع اسمه على خارطة الإبداع الروائي كمشروع. توالت التجربة والكتابة الروائية وكانت أول تجربة نسائية وقتها عام 1961 لسميرة بنت الجزيرة والتي ظهرت فيما بعد باسمها الصريح سميرة خاشقجي ورواية “ودعت آمالي” 1961م، وأصدرت بعدها أكثر من رواية في أعوام متتالية، لتلحقها هدى الرشيد أيضا. تطورت هذه المرحلة سواء في الكم أو في فنيتها وتعامل فيها الأدباء بوصفها فناً مستقلاً أكثر من قبل، كفن روائي له قواعده. ظهرت في هذه المرحلة الكتابة النسائية الروائية لأول مرة، مع أنها كانت مرحلة لم تتجاوز الكتابة العاطفية غالباً أو البعيدة عن الواقع والبيئة السعودية حتى في شخوص الرواية أو أحداثها، وهذا ملمح قد تقع فيه الرواية السعودية إلى اليوم وسيبدو جلياً في كثير من التجارب. ولوحظ في هذه المرحلة أن بعض الروائيين بدأ بكتابة أكثر من رواية مثل إبراهيم الناصر ومحمد عبده يماني ومحمد زارع عقيل وسميرة خاشقجي، لكن ظلت ملاحظة بعد التجربة عن الواقع ـ باستثناء ما كتب الناصر ودمنهوري ـ وجمود الشخصيات ملحوظة مهمة وجديرة بالمتابعة. وكانت تلك المرحلتين تبشر بالرواية أكثر لتأتي مرحلة جديدة مزدهرة أكثر ومتطورة فنياً بشكل ملحوظ، مع وجود حركة إعلامية قوية ونقدية صاخبة، وأصبح هنالك أكثر من مائة وستين عملاً خلال عشرين عاماً، تنوعت التجارب، وزاد عدد الروائيين، ولعلها فترة ساعدت أكثر في ظهور الرواية تحت أثر لعوامل أخرى أيضاً مثل الاستقرار السياسي والاقتصادي. وتظهر الكتابة النسائية بشكلها الأعمق والمدهش مع رجاء عالم وأمل شطا وأسماء أخرى كغازي القصيبي وعبدالرحمن منيف وتركي الحمد وعبدالله الجفري وعبده خال. مرحلة ناضجة ورواية مبتكرة وأسماء تسجل حضوراً عربياً ولافتاً، وقارئ ينتظر بشغف جديد الرواية، ومرحلة طرحت قضايا أكثر صلة بما شهدته السعودية من تطور مع القضايا الجديدة آنذاك مثل السفر إلى الخارج والسياحة والتجارة وهكذا. كما شهدت نفس المرحلة حركة نقدية مواكبة. ومع العقد الأخير تضخم النتاج الروائي وصارت الرواية ظاهرة ابداعية متصلة بالكثير من ملامح الحياة، بل كتب الكثيرون الرواية ممن لم يكتبوها من قبل، وأصبح عدد الروايات في العشرة أعوام الأخيرة أربعمائة رواية وهو عدد يتجاوز كل ما أنتج خلال السبعين عاماً الماضية كما يشير الدكتور حسن الحازمي، الى أنه ملفت وعجيب ويشكل طفرة لم تكن في الحسبان. وفي الزمن التكنولوجي والرقمي الذي ربما كان واحداً من العوامل التي ساهمت في ذلك. ولا ننسى أن لهجمات 11 سبتمبر الشهيرة الدور الأكبر في ذلك وما حملته من مخرجات مهمة في تحول المجتمع ووعي المثقف، وظهرت في هذه الفترة أسماء جديدة كثيرة قد يصعب حصرها جميعاً لكن كانت هناك أسماء لافتة ومستمرة في التجربة الروائية مثل: نورة الغامدي وعواض العصيمي ومحمد علوان وعبدالحفيظ الشمري وعبدالعزيز مشري ورجاء عالم واحمد الدويحي وفهد العتيق، بالإضافة إلى أسماء أخرى مستمرة من المرحلة السابقة كغازي القصيبي وأميمة الخميس وعبده خال وتركي الحمد. ويشير خالد اليوسف في دراسته إلى تحليل ببلومتري إلى كل شيء يخص الرواية السعودية من حيث سنة الإصدار والدار وعدد الروايات لكل روائي مع أعوام صدورها، ويستثني الروايات الكثيرة التي صنفت للتسويق فقط من قبل بعض دور النشر على أنها رواية. ويوثق لجميع أسماء الروائيين السعوديين الذين بلغ عددهم 398 بين كاتبات وكتاب، ويوضح بالأرقام أكثر الروائيين السعوديين الذين كتبوا الرواية وجاء على رأس القائمة: غالب أبو الفرج وعبدالرحمن منيف وغازي القصيبي، خلال مشوار الرواية السعودية حتى اليوم، وبلغ عدد الروايات السعودية حتى اليوم 575 رواية، وبقيت ظواهر الرواية السعودية بين الرواية الحديثة والتقليدية والرواية الفضائحية والتاريخية، وبين روايات اتخذت من المكان منطلقاً لتعبر إلى قراءة واقع المجتمع وإشكالاته مثل روايات منتشرة باسماء الأمكنة وخصوصاً الرياض: بنات الرياض، والمطاوعة، وشباب الرياض، وبنات من الرياض، والكليجا، وحلة العبيد، وقلب من بنقلان، وشارع العطايف، وطريق القصيم، ونساء المنكر، ولا أحد في تبوك، وسعوديات، وحقول طالبان، وغيرها.. ناقش اليوسف الرواية مع ظواهر أخرى مهمة في الرواية السعودية ظهرت مع تجارب كثيرة حديثة كظاهرة الإرهاب ونقد التشدد والأسماء المستعارة والرواية الواحدة التي ظهر كتابها في عمل واحد فقط ومن ثم اختفوا تماماً ليشكلوا لغزاً وتساؤلاً.. لكن كل ذلك كان بحاجة إلى قراءة أكثر تمهلاً فلم يكن يكفي مجرد الإشارة خصوصا ومعظم الروايات الجديدة اشتغال عميق على تجربة مجتمع متحول ومتغير وتجريب إبداعي جديد من جهة أخرى.. معجم الإبداع جهد يستحق الإشادة والتقدير فهو يلخص على الباحثين والقراء الكثير من العناء وفي مقدمته التي كتبها حسن الحازمي الكثير من الرؤية النقدية التاريخية الجميلة حول كل المراحل، ومع وجود طفرة كبيرة للرواية في السعودية يتوقع أن تجدد هذه الطبعة سنوياً.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©