الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مجالس الشعراء

مجالس الشعراء
14 يوليو 2010 20:16
كان الشعر هو علم العرب الذي لا علم لهم غيره كما يقول الأقدمون، والشعر جماع المعارف، والشعراء هم الذين يعلمون غيرهم ببصيرتهم النافذة، وكفاءتهم العالية. وفي أخبار أبى نواس طرائف عديدة تشير إلى مظاهر هذه المعرفة العميقة. من ذلك ما يروى ابن منظور، صاحب لسان العرب، من أن أبا نواس لقي مسلم بن الوليد فقال له: بوحسن، حدثني عن قولك: جريت مع الصبا طلق الجموح وهان عليّ مأثور القبيح لم جعلت فرسك جموحا، وسميت هواك قبيحا؟ قال أبا نواس: يامسلم، الجموح أبعد الأفراس، أي أسرعها وأنشطها وأبطئها فتورا. وسميت اللهو قبيحا إيثارا للعقل لا للجهل. فنظر كيف عرف إقامة البرهان على قوة شعره وصواب تعبيره، وبقية هذه القطعة: وجدت ألد عادية الليالي قرآن الغم بالوتر الفصيح تمنع من شباب ليس يبقى وصل بعرى الغبوق عرى الصبوح وخذها من مشعشعة كميت تنزل درة اللحز الشحيح ألم ترني أبحت الراح عرضي وعض مراشفي الظبي المليح لأني عالم أن سوف تنأى مسافة بين جثماني وروحي وهو وإن أجاد في الدفاع عن بيته الأول، فقد آثر اتباع هواه في الأبيات التالية، حيث رأى التغلب على الهموم لا يتأتى إلا بأنغام الوتر الفصيح، وهي كناية بارعة عن الموسيقى، وأن إدراك مرور الزمن، وانقضاء عهد الشباب لا يخففه إلا الشراب صباحا ومساء، بهذه الخمر المشعشعة التي تدعو البخيل المكتنز كي يتنازل عن درته الثمينة، وهو لهذا قد أباح عرضه لها وما يتبعها من مظاهر الغزل الحسي بتقبيل الحسان، لأنه يعرف خاتمة حياته وحتمية فراق روحه لجسده. فإذا كانت هذه المعرفة تدعو الآخرين للزهد في الدنيا فأنها تدعو شاعرنا لاقتناصها قبل فوات الأوان، وقد استمر حوار مسلم مع أبي نواس حول شعرهما؛ إذ قال له مسلم يوما: ما أعلم لك بيتا إلا مدخولا أو غثا ساقطا، فأنشدني أي بيت من شعرك، فأنشد أبو نواس إنشاد المدل: ذكر الصبوح بسحره فارتاحا وأمله ديك الصباح صياحا فقال له مسلم: قف عند حجتك، لم أمله صباحا وهو الذي بشره بالصبوح الذي ارتاح له، فانقطع أبو نواس انقطاعا بينا، أي أُفحِم، وجعل الجواب له معارضة، فقال: أنشدني أنت ما أحببت من شعرك، فأنشده مسلم: عاصي الشباب فراح غير مفيد وأقام بين عزيمة وتجلد فقال له أبو نواس: حسبك حيث بلغت، ذكرت أنه راح، والرواح لا يكون إلا بالانتقال من مكان إلى مكان، ثم قلت وأقام، فجعلته منتقلا مقيما، وقلت: عاصي الشباب، ثم قلت بين عزيمة وتجلد، فكيف يكون ذلك مع المعاصاة؟ فانقطع مسلم وتشاحنا وافترقا. ثم يعقب ابن منظور على هذه الملاحاة قائلا: “والبيتان جيدان بديعان، ولكن من طلب عيبا وجده!”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©