الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المدربون الأميركيون في العراق

14 يوليو 2010 22:16
سباستيان ماير الموصل -العراق جالساً على أريكة في مخفر شرطة صغير بمدينة الموصل العراقية، بعيداً بآلاف الأميال عن موطنه في مدينة فورست بولاية المسيسيبي، ينفخ الرقيب "ويسلي ماجور" متأففاً في إحباط قائلا بلكنته الجنوب أميركية الممطوطة: "أهذا كل ما هنالك؟ ثلاثة متدربين فقط لا غير". ولم يفعل مأمور الشرطة العراقي الجالس أمامه، والذي يرتدي بدلة تدريب عليها شعار فريق اليوفنتوس الإيطالي، سوى أن اكتفى بهز كتفيه في لا مبالاة واضحة قائلا للرقيب الأميركي: "السبب هو أنك لم تخبرنا مقدماً أنك قادم". ينفخ الرقيب الأميركي مرة أخرى متأففاً، وهو ينهض من الأريكة ويتجه ناحية الباب: إذن دعنا نرى ماذا سنفعل مع هؤلاء الثلاثة؟ هذه الحكاية لا تعكس خللاً في التخطيط والتنسيق كما قد يتبادر إلى الذهن... فكل ما هنالك هو أنه لم يكن بمقدور الرقيب الأميركي أن يخطر العراقيين مقدماً بموعد قدومه وذلك حسب قاعدة ثابتة تتبعها القوات الأميركية، بعد مقتل رقيب أميركي ومترجمه العراقي، على يد شرطي عراقي في مخفر شرطة بمدينة الموصل في فبراير 2009. والهاجس الأمني ليس سوى تحدٍ واحد، من ضمن التحديات العديدة التي تواجه هذه الوحدة العسكرية الأميركية، المكلفة بمهمة تمهد للانسحاب الأميركي من العراق. هذه الوحدة جزء من فريق يطلق عليه "الفريق الأمني الانتقالي" المكلف بتدريب رجال الشرطة العراقيين على التصدي للمتمردين في أخطر مدن العراق. ورغم أن عدد الهجمات التي يشنها المتمردون قد انخفض هنا مقارنة بما كان عليه في ذروة العنف الطائفي، فإن "ماجور"، وغيره من المستشارين الأميركيين المكلفين بالإشراف على تلك المهمة وتوجيها، يواجهون مشكلات أخرى. وهذه المشكلات تشمل كل شيء تقريباً، بدءاً من تهديد المتمردين لأطفال وزوجات رجال الشرطة، وحتى قيام الجنرالات العراقيين ببيع الذخائر، واستخدام حصيلة بيعها في تعبيد ممرات لسياراتهم الخاصة بين منازلهم والشارع العمومي. يشرح "فيك مورو"، الضابط السابق بالقوات الخاصة الأميركية، والذي يعمل مستشاراً للفريق الأمني الانتقالي: "حتى الآن لم تصل قوات الشرطة العراقية للمستوى الذي يمكنها من مواجهة المتمردين... صحيح أن بعض تلك القوات قادر على ذلك، لكن الشيء الذي يخذلها هو الفساد... وليس هناك شك في أن ثمن الفشل في مواجهة المتمردين سوف يكون باهظا". يعتقد كثيرون أن عجز قوات الأمن في العراق عن مواجهة المتمردين، سوف يسمح لهم، كما سيسمح للدول المجاورة بالسعي لملء الفراغ الذي سينشأ عندما تبدأ القوات الأميركية في الانسحاب، وهو ما يمكن أن يهدد بعودة الصراع الطائفي مرة ثانية. وفيما يتعلق باتهامات الفساد التي توجه لهم، يقول جنرالات الشرطة العراقيون إن تلك المشكلة تنبع من بغداد التي لم يتمكن السياسيون فيها من تشكيل حكومة، رغم انقضاء أربعة أشهر على ظهور نتائج الانتخابات البرلمانية في السابع من مارس الماضي. يقول أحد قادة الشرطة في بغداد: "نحن مستعدون لاستلام السيطرة الكاملة على أمن بلدنا مرة أخرى، لكن الحكومة ليست جادة، وأعضاؤها فاسدون، لا ينظرون سوى لمصالحهم الخاصة. ونحن بحاجة لحكومة قوية مثل التي كانت موجودة أيام صدام". ويؤيد "أبو علي"، وهو مزارع سني من الموصل، هذا الرأي بقوله "نحن بحاجة إلى إعادة الضباط القدامى الذين كانوا يعملون في الشرطة خلال عهد صدام، وإلى طرد القوات الشيعية والكردية من المدينة". ويشار إلى أن العنف في الموصل، قد تناقص خلال العامين الماضيين. ففي الربع الأول من عام 2008 بلغ عدد الهجمات التي شنها المتمردون 1167 هجوماً باستخدام العبوات الناسفة البدائية، في حين لم يزد عدد هذه الهجومات في الربع الثاني من عام 2010 عن 78 هجوماً فحسب. ومع ذلك يقول الرقيب "كريس كالبرت"، الذي خدم في العراق وشارك في غزوه عام 2003، ويعمل في الوقت الحالي مستشاراً في اللواء الثالث في الشرطة العراقية الاتحادية: "بعد أن نغادر سوف تعود الأمور إلى حالتها الطبيعية، ثم تتدهور بعد ذلك". ويضيف: "التمويل يمثل مشكلة، والفساد يمثل مشكلة، بل إن هناك مشكلة تعاطي مخدرات بين رجال الشرطة". لكن هناك مشكلة أكبر تواجه رجال الشرطة في العراق، هي التهديد والترويع الذين يتعرضون لهما على أيدي المتمردين، إلى درجة جعلت من الصعب على الفريق الأمني الانتقالي الثقة بهم. ويشرح "ساندرز" ذلك بقوله: "لا نقصد القول إنهم متواطئون مع المتمردين، لكن ماذا يمكنك أن تفعل، عندما يتمكن المتمردون من زوجتك وأطفالك ويهددونك بأنهم سيفعلون بهم أشياء شائنة... ما الذي يمكنك فعله في ظرف مثل هذا؟". وبينما بدأت القوات الأميركية في حزم أمتعتها والاستعداد لشحن أسلحتها ومعداتها شرقاً، حيث حرب أميركا الأخرى في أفغانستان، نجد قادة الفريق الأمني الانتقالي مقتنعين بأن العنف الذي كان يهدد المدينة، وخاصة العمليات التفجيرية التي كانت تتم على طريق الموصل بغداد، قد أصبح ذكرى من ذكريات الماضي! ويعتقد القادة الأميركيون، مستندين في ذلك إلى النجاح الذي تحقق في العام الماضي على وجه التحديد، أن القوات العراقية سوف تتمكن بعد رحيلهم من مواصلة القتال بنجاح ضد المتمردين. غير أن "مورو"، المستشار السابق في القوات الخاصة الأميركية، يحذر قائلا: "لم يتم بعد القضاء على المتمردين هنا... انظروا إلى ما يحدث في أفغانستان، فسوف ترون أن المتمردين يتوقفون عن القتال مؤقتاً ريثما يستجمعون قواهم ثم يعودون ثانية". ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©