الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أنا السبب

أنا السبب
21 أكتوبر 2008 01:18
أخطأت خطئاً كبيراً عندما سمحت لامرأة أخرى بأن تأخذ مكاني في حياتي الزوجية، كان ذلك باختياري الكامل، للأسف، لم أكن أعي ما ستكون عليه حياتي، الندم لا ينفع ولا يفيد، فها أنا ذا أقضي وقتي في الوحدة والحسرة، وأتابع أخباره عن بعد، أراقب الهاتف بلهفة وشوق عسى أن يتصل بي، فأسمع صوته، أنظر إلى الباب متخيلة ظل الحبيب خلف الزجاج الشفاف، حتى إني أسمع صوت تلاعب المفاتيح في القفل، ويا للعجب عندما أجد نفسي متوهمة، فلا ظل ولا أصوات تجسد حقيقة زيارته لي، يا لقلبه القاسي، ألا يفكر بي؟ أنا زوجته، أم أولاده، لماذا يصر على هجري طوال أيام الأسبوع، ولا يأتيني إلا في نهايته؟ يومان فقط، هي كل حظي من وجوده بحياتي، ماذا أقول؟ هذا ما فعلته بنفسي، فأنا السبب في كل ما يحدث لي، ولن ألوم أحداً سواي على هذا الوضع الغريب· حكايتي تزوجت ابن عمتي وأنا في السابعة عشرة من عمري، بعد الزواج مباشرة بدأت بسلسلة الحمل والولادة، سنة بعد سنة على التوالي، حتى أصبح لدي سبعة من الأولاد والبنات، رزقني الله بهم فصاروا قرة عيني وحبة قلبي، تعلقت بهم تعلقاً شديداً، واستأثروا بكل اهتمامي، فصار همي الوحيد هو العناية بهم ومتابعتهم في كل صغيرة وكبيرة من شؤونهم، لم أترك للخادمة فرصة الاقتراب من صغاري، كنت أتأذى أيما أذى، إذا وجدت الخادمة تحمل أحدهم أو تداعبه أو تقترب بأنفاسها من وجهه الصغير، يقشعر بدني وأصرخ بغير وعي وأسحبه بقوة من بين ذراعيها، فلا أتقبل فكرة أن يلمس أحد زهوري الندية، كنت استغرب، كيف تسمح بعض الأمهات بأن ينام أطفالهن بجوار الخادمة؟ فمن يدري متى يستيقظ الطفل في الليل فزعاً يريد حضن أمه فلا يجدها، ويجد الخادمة فيدس رأسه الصغير في صدرها، ذلك الأمر يرعبني، لا أريد أن أترك الفرصة لإنسانة غريبة أن تتمتع بتلك اللحظات الرائعة عندما تحتضن هؤلاء الصغار وتستنشق عبيرهم· هكذا أبعدت الخادمة عن صغاري وأسندت لها مهام المنزل وتنظيفه واهتممت أنا بشؤون صغاري كلها، العناية بهم وتحميمهم وإعداد الطعام لهم وغسل ملابسهم وكل ما يتعلق بهم· كان ذلك كله على حساب اهتمامي بزوجي، فمع كل تلك المسؤوليات المرهقة طوال اليوم، لم أكن أملك الوقت الكافي لزوجي حتى صار يتذمر ويشتكي باستمرار، وصار يهددني بالزواج من امرأة أخرى تعطي وقتها واهتمامها له، طالما اني لا أجد المتسع الكافي من الوقت له، فكرت بهذا الأمر بيني وبين نفسي ووجدت بأن معه الحق في ما يقول، وإنني فعلاً لا أجد له مكاناً في جدولي المزدحم، وإن أصعب ما أقوم به في يومي هو محاولة مجاملته آخر النهار، والتجمل له، وإعطاؤه حقوقه، ومما زاد الطين بله هو إنني هجرت غرفة نومنا المشتركة وصرت أنام إلى جانب أطفالي في غرفتهم، لذلك راودتني هذه الفكرة الغريبة: ماذا يضرني لو قامت أخرى بمهمة الاهتمام بزوجي بدلاً عني؟ رفضت الفكرة في البداية ولكني لم أبعدها وبقيت أقلبها في ذهني حتى تقبلتها تماماً وصرت أقنع نفسي بتنفيذها فوراً· القرار الجديد اتخذت قراري وأخبرت زوجي بأنني موافقة على زواجه من أخرى ولكن بشروط، أولها هو أن أختار عروسه بنفسي، وأن لا يقصّر معنا مادياً، وأن لا يهمل مسؤوليته تجاه الأطفال ويكون لهم دور في جدوله متى احتاجوا إليه، وافق على شروطي فبدأت مشوار البحث عن عروس لزوجي· استعرضت النساء اللواتي كنت أعرفهن، وصرت أسأل نفسي، ترى من منهن تصلح أن تكون زوجة مناسبة لزوجي؟ كنت أريدها جميلة الشكل والمظهر تهتم بنفسها، وأن تكون عاقراً لا تنجب لأن مهمة الإنجاب والاهتمام بالأطفال ستكون مهمتي أنا لوحدي، أما هي فستكون متفرغة لزوجي فقط ومهمتها الوحيدة هي سد النقص الذي يجده عندي، فتتحمل هي مسؤولية الاهتمام به وأنا أتحمل مسؤولية الاهتمام بأطفالي، وكنت في غاية السعادة وأنا أتخيله وهو مشغول بها فلا يأتيني ولا يطالبني بأي شيء ويكف عن التذمر ولومي ويخلصني من الإحساس بالذنب والتقصير· انطبقت المواصفات التي حددتها لعروس زوجي على أقرب صديقاتي، تلك العانس التي قد فاتها قطار الزواج بعد أن بلغت الخامسة والأربعين من عمرها وهي طيبة المعشر متوسطة الجمال، تهتم بنفسها كثيراً وهي تعمل معلمة ولديها سكن خاص بها وهي تحلم بزوج مثل زوجي وكثيراً ما كانت تحثني على الاهتمام به والتزين له وكثيراً ما كانت تردد المثل العربي المعروف (يدي الحلق للي بلا ودان) وكنت أتجاهل كلامها في السابق وأتهمها بأنها امرأة فارغة، فأين أجد الوقت الكافي لتلك الأمور التافهة وأولادي يملأون حياتي بالمسؤولية وهم أولى بها من أبيهم· ثم اني لم أجد في نفسي أي حافز لتعديل العلاقة بيني وبين زوجي الذي يلح ويلح ويشتكي ويتذمر ولا يصبر قليلاً حتى يكبر الأولاد وأتخفف من مسؤولياتهم، كانت تسمعني وتتحسر وتعود وتردد نفس المثل، تذكرت كل ذلك وقلت في نفسي: أخيراً جاء الوقت لتلبس صديقتي ذلك الحلق الذي كانت تتحسر عليه ولتتمتع به وتتزين به كما تشاء· ذهبت إليها وفاتحتها بالموضوع، فتحت فمها وعينيها غير مصدقة كلامي وشهقت وهي تقول: هل أنت مجنونة؟ تخطبينني لزوجك؟ ألا تشعرين بالغيرة؟ جلست أقنعها وأخبرها بما أعانية من تأنيب الضمير بسببه، ورغبتي الحقيقية للتفرغ لمسؤولية الأطفال والتخلص من مسؤوليته التي صارت عبئاً ثقيلاً على نفسي، فهو يعمل طوال النهار، وقد ترك كل مسؤولية الأطفال علي، وعندما يأتي ليلاً أكون متعبة للغاية ومرهقة فلا استطيع أن أجامله وأجلس معه للتسامر والحديث· وأخبرتها بأنني أريد أن أترك لها هذه المسؤولية لتشاركني بها، فهي صديقتي المقربة التي تشعر بمعاناتي أكثر من غيرها، لمحت ابتسامة الفرح على وجهها أخيراً، أعلنت بأنها موافقة على هذا الأمر ولكنها اشترطت شروطاً لإتمام الزواج فقالت: إذا كان هذا هو شعورك حقاً فإنني أقدره وأتفهمه، ولكني أريد أن أبقى في بيتي هذا وأن يبيت معي خمسة ليالي ويبيت عندك ليلتين في الأسبوع فقط، وافقتها على هذا الشرط الذي سيريحني من مجاملته بين ليلة وأخرى في محاولته للعدل بيننا، ولكني طلبت منها أن لا تؤثر عليه ليقصر على أولاده متى احتاجوا إليه مادياً ومعنوياً، فقالت: أنا والحمدلله لدي راتبي ولا أشكو من حاجتي المادية ولا أريد سوى رجل أهتم به ويهتم بي، أما من ناحية الأطفال فسأحثه دائماً على الاهتمام بشؤونهم ولن أقصر في ذلك أبداً· العرس الغريب أتممنا مراسم الزواج وسط دهشة الأهل والجيران والأقارب، فقد فوجئ الجميع بقراري هذا، فقال بعضهم: ستندمين، وقال الآخرون: أنت مجنونة، ولم اهتم لما قيل أبداً وإنما أشرفت بنفسي على إجراءات الزواج ووزعت بطاقات العرس بنفسي وأشرفت على كل صغيرة وكبيرة لإنجاح ذلك العرس، وقفت عند باب القاعة، وقد تزينت بأحسن زينة وأنا استقبل المدعوات وكأنني أم العروس أو أختها مع اني أصغر منها بخمسة عشر عاماً وأجمل منها بكثير، ولكني لم التفت لكل ذلك وكان كل فكري منصباً في إنجاح هذا الأمر وأن تسير الأمور كما خططت لها· خفق قلبي عندما دخل المعرس وكادت نفسي أن تتراجع لولا إنني تذكرت كل ما عانيته، فأعدت الرباطة لنفسي وأمسكت بيد زوجي وأنا أنظر إلى العيون المتسائلة المتعجبة وأتظاهر بالفرح والسعادة وأنا أزفه لعروسه التي اخترتها بنفسي، وقد أنجزت المهمة بنجاح وارتحت من مسؤولية الزوج المملة، ومن الإحساس بالتقصير وتأنيب الضمير· مرت الأيام وقد صرت أشعر بالراحة وأنا نائمة بعمق بعد عمل يوم شاق، وأسعدتني أخبار بهجة زوجي وسعادته بعروسه التي تهتم به اهتماماً يفوق العادة، ولم أكترث للتعليقات من حولي بأنني إنسانة بليدة، باردة المشاعر· الصحوة المتأخرة مرت سنوات وكبر الأولاد وبدأ المنزل بالخلو تدريجياً، وأصبح الوقت يمر بصعوبة وصرت أنتظر نهاية الأسبوع بفارغ الصبر كي التقي بزوجي فأجلس معه وأتحدث، ووجدت بأن جلساتنا جميلة جداً وشيقة وانني أتلهف عليها بشدة، فصرت أطلب منه أن يعدل بيننا وأن يبيت عندي ليلة وعندها ليلة، كما يأمره الشرع، ولكنه اعتذر، لأن ذلك كان شرطها عند الزواج، وبالطبع فهي مصرة عليه ولا ترضى أن تتراجع عنه· الشيء الغريب هو انني كنت أشعر بأمراض كثيرة في الماضي تمنعني منه، وقد اختفت فجأة وكأنها غير موجودة، فكل ما كان يمنعني عنه زال وذهب، ولم يبق لدي إلا مرض واحد هو الشوق إلى زوجي والغيرة من تلك الشريكة التي تستحوذ على كل وقته واهتمامه· كما يحدث في المسلسلات، بدأت اخترع الأسباب التي تأتيني به على عجل، ولدك مريض، البيت يحتاج للتصليح، ابنتك تعاني من مشكلة، إدارة المدرسة اتصلت بشأن أحد الأولاد، أنا مريضة، قلبي سيتوقف، ضغطي مرتفع، وهكذا، حتى فطن إلى تلك الخدع وصار ينبهني إلى عدم تكرارها، فبدأت أمر بمرحلة جديدة، وهي إعادة اهتمامي بنفسي ومظهري بعد أن نسيتها لزمن طويل، فقمت بعمل الرجيم وزرت طبيبة التجميل، وترددت على صالونات التجميل والنوادي الصحية، ومصممات الأزياء، حتى ارتفعت ميزانية طلباتي وصار زوجي يتذمر من تلك الطلبات، وبدلاً من أن أكسبه إلي وجدته يبتعد عني أكثر بمشاعره، لأنني شكلت عبئاً مادياً عليه· أخيراً قررت أن أتحمل وضعي كما هو لأنني أنا المتسببة الوحيدة في ما حصل لي، ووجدت بأن التفاهم مع شريكتي هو أفضل الطرق للوصول إلى ما أريد· ذهبت إليها وطلبت منها باسم الصداقة التي كانت بيننا أن تتنازل عن شرطها وأن تقبل العدالة بيننا في الحقوق، بصعوبة اقتنعت بالفكرة وأعطتني ذلك الحق الذي تخليت عنه بنفسي في يوم من الأيام
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©