الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

أزمة المال أزمة ثقافة

أزمة المال أزمة ثقافة
21 أكتوبر 2008 02:20
لماذا يدق العالم ناقوس الخطر حين تتعرض السوق المالية للخطر، بينما لا يحركون ساكناً حين تتعرض ثقافات الشعوب للتلوث، أو يتعرض تراثهم للسرقة؟ ولماذا يقف العالم العربي على ساق واحدة، (ربما يفقدها بعد قليل)، وهو يراقب الاقتصاد الأميركي الذي يوشك على الانهيار، بينما لا تهتز له شعرة وهو يرى ثقافته مهمشة وتتعرض للذوبان في الثقافات الأخرى، أو يرى فنه يتعرض للتسطيح والإسفاف والهذيان؟ ولماذا يجتمع وزراء المالية العرب والأجانب ومحافظو المصارف المركزية بحثاً عن حل للأزمة المالية، بينما يدير وزراء الثقافة ظهورهم للأمراض الثقافية المزمنة التي أدت إلى (تسرطن) الجسد الثقافي العربي الآيل للسقوط، إن لم يكن قد سقط؟ هل يريدون تلقيننا درساً مفاده ( بالمال وحده يحيا الإنسان) ، وبالتالي لا ضرر من تحوله إلى سهم في بورصة مالية، مرة يرفع هامته وأخرى يحنيها، ومرة يزحف على بطنه وأخرى يتمرغ على ظهره، أو يتحول إلى رقم كلما حمل أصفاراً زادت قيمته وقيمه ومكانته؟ إن بورصة الثقافة في العالم العربي منهارة منذ سنوات طويلة، ومنظومة القيم على حافة الانهيار، والقراءة صارت من ملامح زمن مضى، والأدب صار في المتاحف، والشعر لا يسمن ولا يغني من جوع، والفن التشكيلي لوحات مصابة بالبرد في صالات أبرد، وبالتالي، فإن الاستثمار في هذه الجوانب خسارة مؤكدة، لا يمكن أن يقبل عليها التجار أو المحافظ اليقينية والوهمية، ولا أصحاب رؤوس الأموال· إن رأيي المتواضع يقول إن الأزمة المالية العالمية والعربية سببها أزمة في الثقافة الإنسانية والقيم النبيلة، وتصاعد الجشع الذي لم يسبق له مثيل للسيطرة على موارد الدول والشعوب، وإحكام السيطرة على حياة الناس، من خلال عمليات الرهن والشراء بالتقسيط، ومن يعجز عن السداد يصبح في الشارع، أي أنهم يتحكمون بثقافته وقيمه ووقته ومزاجه ودقائق يومه وقرار زواجه وعلاقته مع حبيبته، ومستوى تعليم أبنائه، وهكذا··· ثقافة الاستهلاك تطيح باستهلاك الثقافة، واضطراب القيم يزلزل القيم النبيلة، ويحول الإنسان إلى سمكة قرش، قتل لمجرد القتل، وجني الفوائد تحت ذريعة الغاية تبرر الوسيلة، متناسين أن الغاية العظيمة تتحقق بوسيلة أعظم، والغاية الدنيئة تتحقق بوسيلة أكثر دناءة، والناس على شاكلة غاياتهم ووسائلهم· عيون الناس اليوم تتجه نحو أسواق المال العالمية، ومشاعرهم متعلقة بالمؤشرات، في وقت تتسرب من بين أفئدتهم لغتهم وثقافتهم وعلاقاتهم وحميميتهم وزمنهم الجميل، ترى، لماذا يسلمون أنفسهم لفنان قبيح يجردهم من ملامحهم، في الوقت الذي يرفضون فيه الأعمال التجريدية، ويعتبرونها (خربشة أطفال)، بينما يرضخون لمشيئة أصحاب رؤوس الأموال ليخربشوا على أرواحهم؟! akhattib@yahoo.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©