السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الزجاج والخزف إبداع إسلامي غير قابل للكسر

الزجاج والخزف إبداع إسلامي غير قابل للكسر
16 مايو 2014 21:55
رافقت صناعة الزجاج الإنسان منذ عصور ما قبل التاريخ، ولكن ما وصل إلينا من التحف الزجاجية في حضارات العالم قليل قياساً بالتحف التطبيقية المصنوعة من مواد أخرى كالخزف والمعادن، وباعتبار أن أواني الزجاج مهما كثرت تتهشم بسهولة، وقد يعاد صهرها مرة أخرى، وصناعة الزجاج من الفنون التقليدية الشديدة التمسك بأساليبها الصناعية الأولى وخاصة قبل العصر الحديث فذات الأساليب الصناعية من نفخ في القالب والقطع ظلت ملازمة لها، وهو ما أضفى نوعاً من الصعوبة عند محاولة تأريخ التحف الزجاجية، خاصة عند افتقادها الزخارف غير النمطية. د. أحمد الصاوي (القاهرة) شهدت التحف الزجاجية في العصر الإسلامي بعض الطفرات الصناعية والفنية، بدءاً من العصر الفاطمي بمصر والشام، وإن لم تصلنا تحف معتبرة من هذين الإقليمين إلا مع العصر الأيوبي قبل أن تبلغ أوج نضجها الفني في عصر دولة المماليك. ولا يعني ذلك اختفاء طرق الزخرفة القديمة كلياً، إذ ظلت كؤوس وقوارير تنتج بأسلوب النفخ الحر مع اعتماد الزخرفة اللونية المشابهة لعروق الرخام، كما نرى في كأس رشيقة النسب بين قاعدتها الضيقة وفوهتها المتسعة وكذلك قارورة عطر ذات عنق قصير وضيق وكلاهما ينسب إلى مصر أو بلاد الشام في القرن الثامن الهجري. أسلوب التلوين وتخطت صناعة التحف الزجاجية حواجز الجمود الصناعي والزخرفي مع بدايات العصر الأيوبي، خاصة في بلاد الشام عندما ابتكر الفنان المسلم أسلوب التلوين بالمينا والتذهيب معا وطبقه في إنتاج القوارير والكؤوس والقنينات ثم في صناعة المشكاوات بدءا من العصر المملوكي. وبلغت صناعة التحف الزجاجية الإسلامية من هذا النوع أوجها في الفترة بين القرنين السادس والتاسع للهجرة «12 - 15 م» برعاية السلاطين الأيوبيين والمماليك، وأفادت في مسيرتها الفنية من تطبيقات علم الكيمياء الذي أحرز نجاحات كبيرة في مجالات الاستخدام السلمي والعسكري لتطبيقات علم الكيمياء. واستخدام التذهيب وألوان البريق المعدني في زخرفة الزجاج خلال العصر الفاطمي مهد لتلك القفزة الفنية والصناعية التي أصبحت من بعدها التحف الزجاجية الإسلامية تلقى رواجاً كبيراً في العالم خاصة في أوروبا خلال العصور الوسطى، حيث أقبل الوجهاء على اقتنائها، باعتبارها تحفاً صنعت في الأراضي المقدسة حتى أننا نجد بعض الكؤوس التي ازدانت برسوم الصلبان لتسهيل ترويجها في أوروبا، وقبل أن تصل هذه التحف للمتاحف العالمية كان معظمها يعد من كنوز الكنائس التي أهديت إليها. أما من ناحية الأسلوب الصناعي المتبع في إنتاج تحف الزجاج المموه بالمينا والتذهيب، فأغلب ما وصل إلينا منها أنتج بأسلوب النفخ الحر واعتمد في زخرفته على ألوان المينا. والمينا هي في أصلها مادة من مزيج أول أكسيد الرصاص مع الأكاسيد المعدنية والأخيرة هي التي تمنح المينا ألوانها المبهجة. فعند صناعة المينا الحمراء، يتم استخدام أكسيد الحديد ويستخدم أكسيد النحاس للحصول على اللون الأخضر، أما اللون الأزرق فينتج عن استخدام أكسيد الكوبلت وهذه هي الألوان الأكثر استخداماً في زخارف الزجاج إلى جانب لمسات من اللون الأصفر الذي يتم إنتاجه بخلط أكسيد الرصاص مع أكسيد الانتيمون واللون الأبيض المعتم، وهو يعتمد على خلط أكسيد الرصاص بأكسيد القصدير؛ لذا يعرف باسم الأبيض القصديري المعتم. الأسلوب الصناعي وتميزت رسوم وزخارف الزجاج المموه بالمينا بأسلوبها التخطيطي الدقيق، ويعود ذلك للأسلوب الصناعي المتبع في زخرفة أواني وتحف الزجاج بعد اكتمال تشكيلها، إذ يقوم المزخرف بتصميم الزخرفة على ورق، ثم يضع الورقة على جدار الآنية الزجاجية من الخارج ويضغط على الزخارف باستخدام قطعة من القطن مشبعة بمسحوق ملون فتترك آثارها على الزجاج ويسارع بتحديدها أو تخطيطها بقلم رفيع باللون الأحمر ويعقب ذلك استخدام الفرشاة لتلوين الرسوم بألوان المينا البراقة على أن يعرض الآنية الزجاجية لنار خفيفة لتثبيت اللون وزيادة درجة لمعانه، ويلتزم الصانع باستخدام لون واحد قبل كل عملية تثبيت حتى لا تختلط الألوان ببعضها، وأخيراً تأتي عملية التذهيب بفرشاة دقيقة لتضيف بعض لمسات من الفخامة للتحفة الزجاجية. زخارف مجدولة ويحتفظ متحف برلين بعدد من الأواني الزجاجية المموهة بالمينا التي يعتقد أنها أنتجت في بلاد الشام خلال القرن السابع الهجري «13 م» منها عدة أكواب بها زخارف نباتية وهندسية مع كتابات دعائية بخط الثلث ومن أشهرها دورق أو قنينة استخدم الفنان في زخرفتها التذهيب وألوان المينا من الأحمر والأخضر والبني والأصفر وقوام الزخرفة شريط كتابي يدور حول العنق تحته زخارف مجدولة، بينما زخرف بدن القنينة برسم اثني عشر فارساً من لاعبي الصوالجة وحول رؤوسهم الهالات مع رسوم لحيوانات صيد مختلفة، ويعتقد أن هذه التحفة من صناعة دمشق أو حلب. ويشبه تلك القنينة من ناحية البدن الكروي والعنق الطويل قنينة اقتصرت زخارفها على منطقة تلاقي البدن بالعنق، وهي عبارة عن زخارف نباتية بأربعة ألوان فقط من المينا هي الأحمر والأزرق والأصفر والأبيض وقوام الزخرفة هنا منطقتان تتكرران بالتبادل الأولى منهما بها زخارف نباتية محورة عن المراوح النخيلية والثانية بها رسوم طيور تبدو للوهلة الأولى كما لو كانت أوراقاً نباتية متطايرة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©