الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لوعة الهوى.. وأيقونة الإنسان

لوعة الهوى.. وأيقونة الإنسان
3 مايو 2012
من حبل وجذع، وأحلام اللواتي شغفن بالأراجيح، كان الهوى أسراراً وأخباراً، وأشياء في الضمير انسكبت وتمايلت وتحايلت وتخايلت، وتجاوزت حد المعاني والأماني.. في العيد كانت مزاجاً وازدواجاً وسراجاً ورجة وضجة، كن بأشكال الطيور وألوان الطيف، وأشجان الغصن المنيف، كن في الشدو حبل المودة، وسؤدد الأشواق، ورفة الأحداق كن انثيال الندى على تربة القلب, كن احتيال الحريق على الغريق, كن احتمال المدى، نجوى وتنادي الصباحات المشرقة، كن غيمة متفاقمة منعمة بالعذوبة، كن بنيات الفرح، السرمدي، يتخايلن كأنهن السعفة الهيفاء، تراوغ عن مدى وهوى الأمجاد وارتداد الحبل والحبل ما بين جذعين ونهدين وشفتين على لميائها ترقص الأنشودة النشوى بطيب وخضاب.. قائلات: البارحة يوم الملا رقود باطن حشايا فيه وسواس أبكي على مزموم لنهود لي في الخلايا يصير رماس من قلت لي طايح وميهود من ضيق بالي مالي أهواس العين دعجا والهدب سود والخد له لمَّاع قرطاس يوم أذكره وأذَّكر إلِهْ عود تسعين ليَّهِ القلب يحتاس كانت الأحفورة، كانت الأسطورة، كانت النشيد الملحمة، المتكلمة بلسان وزمان، وأوان الأمنيات الخضر، والنجوم اللامعة، في وطأة الليل، وصولة الخيل، وحومة اللواتي، تشربن من دياجير العتمة بياض الأعطاف، كن المستحيل، المتدحرج على سفوح اللوعة، والشوق الشنيع لريادة وفرادة، وسيادة، الأنثى من أجل عين كائن أسطوري يملي شروط محبته وهو المستوطن تحت الجلد. هو المروض البارع الرائع الشائع في أمكنة القلب المتربص من خلف جدار أو ضلفة باب، المتحرص من خدش حياء أو نبش خمار خجل.. ورطة نبيلة أرجوحة كانت الورطة المفرطة في النبل، في شهيقها، توارد خواطر ونثر مشاعر، واكتساب الدفء المجلل، بهديل الأغنيات والتصديح بتصريح عفوي موضوعة التداخل والتواصل، وبسط نفوذ المحبة لمتلفات هيضهن شجن وفنن، وحسن البديع من وجوه ما لعبت في صفحاتها الألوان غير لون الوجنة الموردة، من دم ولحم، ومِلَلْ الاشتياقات الحارقة نوايا الصيد، وشغف الأرجوحة بقرطاس السحن، ونجابة الحاجب وهلاله الخصيب.. من يتحرق للأرجوحة، من يتطرق لمسألة غابت في المدى، والزمان المهلهل والوقت الرهيب.. من ومن يخطو إلى ذاك المزلزل، من يهفو لرائحة وحور جندلن المسافات بنسيان وطغيان وامتهان، وبيان التخاذل عن ترصد وسبق إصرار واندحار. أرجوحة، ملت الحبل، بعد هجران واستعاضت بالفراغ يرمد العين، ويغشي البصيرة، ويهجو زمان كان فيه المكان أشبه بحلم طائف وكان فيه الزمان أوراق لوز رهائف، تهفهف وترفرف، وتسعف وتعطف، وتقطف من رحيق الهوى مدى وسِدا وجداً.. أرجوحة تبدو في الراهن المستبد، خيطاً من مسد، حبل رمد، وجحود يتسرب في الأفئدة، كأنه الوغى المدمرة، كأنه الردى المجلجل يحيق ويعيق ويشق ثوب يوسف من دبر، ويعصي لموسى عصا، ويقول لنوح سآوي إلى جبل يعصمني من الماء.. ولا ماء ولا هواء، ولا رداء، ولا دواء، ولا شفاء، غير أدواء وأرزاء، وشعواء وعشواء، تصد وتمد خطم الاكتئاب والاقتضاب، والاستلاب، والولوج في نفق ولا غسق ولا شفق، غير نزق، يؤلب الأشياء ضد الأشياء ويقلب الأرجوحة بلا ميزان.. أرجوحة.. لزمن، لأنثى، آنست فاستأنست الوجد كونياً، روضت الأشواق والأحداق، وأسرجت جياد الحلم باتجاه ناهله ونافله، وقافله من الذين كانوا هم الذين يغرسون الجذر وتداً، ويعقدون الحبل مودة ويمضون بعرفان النسك المعتصمين.. تقول إحداهن: يعذبني هذا الوجد الطفولي، يزلزلني، يخرجني مني يعيدني إلى البدء أتلَّفت فلا أجد سواي، وهذه الأرجوحة الملقاة على قارعة زمن، الهالكة كأنها كهل في دار المسنين، كأنها سمكة نافقة على شاطئ موحش، كأنها خنجر مسموم ألقاه قاتل ساعة هروبه من موقع الجريمة، كأنها بئر قديم عشعشت فيه الحشرات، كأنها كائن خرافي، نزف بفعل خذلان، كأنها لقية عاش عاث فيها الغبار وعار الحضارات المندثرة، كأنها حلم ليلة فائتة غابت فيه الصور كأنها لقطة مسرحية هزلية بائسة، كأنها حوار سفسطائي، بين سقراط ومجادليه، كأنها لحظة موت لجندي فاشل يلفظ أنفاسه، كأنها ورطة سياسي لم يزل يمضغ أيديولوجية قاتمة، كأنها محاولة فاشلة لعاشق فكر يمثل لحظة الحب، فاصطدم بحسام امرأة، قلبها إسفنجة قديمة، كأنها مغامرة، أرنب جبان، حال أن يتسلق شجرة شاهقة، كأنها قضية مقدسة، بين يدي أشباه بشر فاشلين، كأنها اللحظة المجلجلة ما بين الموت والحياة، كأنها المسافة ما بين الأسود والأبيض كأنها الفجوة المهيمنة على أشقياء فرقتهم الضغينة كأنها الجفوة المحتدمة، جزَّت عنق العلاقة ما بين الكائنات، كأنها المرحلة ما بعد الفراغ، كأنها الوقت الاحتياطي لفريق كرة قدم خاسر، كأنها البريد المستعجل الذي لا يعرف عنوان صاحب الرسالة، كأنها الباب المغلق الذي يخفي خلفه لصاً هارباً، كأنها السجن المتربص بمتهمين مفترضين، كأنها المحكمة التي تفرض حكماً بدون أدلة، وكأنها.. وكأنها الضياع اللا منتهي.. الجبل المتعجرف ثم تستطرد قائلة: عندما التفت وأنظر إلى ذاك الجبل المتعجرف، أتذكر حبل مشنقة، وأتذكر حبل البيدار ساعة صعوده على جذع النخل.. أتخيل أشياء ومتناقضات، أتذكر كيف كانت الأرجوحة، فسحة للتأمل الذاتي وكيف كانت نسخة من وجيب القلب، وكيف كانت نزهة محفوفة بالمخاطر اللذيذة، وكيف كانت برهة للإشباع والإمتاع والاستماع إلى دقات القلب عن كثب، وكيف كانت جزيرة معلقة في الهواء الطلق، طيورها ناهدات كاعبات حور وبحرها شوق يتدفق بأمواج وأفواج من ذكريات، وموجها سطوة الهوى والهواء، والشطئان نخوة اللاتي يدفعن ويجذبن، ويتجاذبن هدير وزئير المواقد المفعمة باللهيب الرهيب، وما خفق في الصدور.. ثم تضيف: من يتذكر الآن، هذه وتلك من يفكر ملياً، كيف انسحبت الأرجوحة بعد عصيان ونسيان من يتأمل المشهد الدرامي، والأرجوحة تستلقي مسجية على فراغ المراحل ترونح عن نفسها حثالة الزمن، وحشرات الخنفساء والعنكبوت، من يقرأ التفاصيل الدقيقة في الكلمات التي كانت تطير في المدى كعصافير المساء مزقزقة مصفقة بأجنحة السمو متحايلة على الريح مختالة فخورة بما جاش وهش في صدرها من ينظر إلى الوراء ليرى وهجاً ضئيلاً يختبئ تحت وثار من غبار من يقلب صفحة الكتاب القديم، ويقرأه عن الأرملة التي لم تجد من عزاء لفقدانها على الأرجوحة، لطرد شياطين الوسوسة ويقرأ دمعة لمعت في مقلتي امرأة شفها شوق فاستدلت على الأرجوحة، كملاذ ورذاذ ترشه على موقع القلب، عند أحد الجبلين، وتغنى للفراق، والانعتاق، وبائس الأيام وعابس الأحلام، وما استجد من آلام هشمت زجاج القلب.. من يحاول أن يهرب رويداً رويداً من اللحظة الراهنة، ويخرج لتوه، ويفتش عن أقرب حبل وأدنى جذع، ويصنع أرجوحته، يجمع الصغار من حوله، ثم يدرسهم فنون العفوية وعافية زمن ما، يقول لهم، هذه الأرجوحة كانت السطوة المسيطرة، والنخوة المدبرة، كانت نغمة المعنى، وفحوى المعاني، كانت الخطوة الأولى للعلو فوق الأرض، والنهوض بالأماني نحو غايات من عشقوا الوجوه بلا رتوش، ومن عزفوا بلا نقوش، ومن صعدوا بلا عروش، ومن انسكبوا في السؤال الوجودي، مفردات بلا غموض، وجملة شعرية توطد ثيمتها بوعي عفوي، شفيف وعفيف، رهيف منيف، جزيل في التداعي، فضيل في التآخي، نبيل في تواطئه مع المقدس أو المدنس.. وفي الختام، تشير المرأة في بنان مرتعش، قائلة: يا إلهي كيف تفشت هذه القاحلة، فأدمت وجرحت، ثم أشاحت في وجوم، ولم يبق غير الإنسان، بلا أرجوحة غير أرجوحة، التسلق والتحلق والطلاق العاطف، ثم الاختباء تحت رمل الجفاء، والسكون بمحض جنون ومجون، واستسلام مريع لشهوة العدمية الأبدية.. وبعد الختام، كلام للأرجوحة، معاتبة تسأل عن بعض حبل، تعقد فيه العزم، لعل العزيمة تستعيد ما سلب، ومن انقلب عليها تفعل شيئاً بعد غياب بلا إياب، بعد ذهاب بلا جواب، وبعد سؤال لم يشع له دخان أبيض.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©