الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صاحب الأنف الطويل

صاحب الأنف الطويل
16 مايو 2014 21:56
ولدت بأنف عملاق نسبياً، لكنه كان يمتلك قدرات عادية تماماً في مجال الشم والتنفس، ولم تتح لي الفرصة حتى الآن لمعرفة قدراته في حمل النظارات. لكن قدرات أنفي تفتقت بعد أن بلغ عمري عتيا واشتعل الرأس ثلجا، حيث صار قادراً على التقاط روائح المشاكل والقضايا على بعد ميلين... لذلك، فإن الأصح أن يكتب مع مقالاتي (بأنف: يوسف غيشان) وليس بقلمه. بالمناسبة، لا تقتصر مهمة الأنف على التنفس واستنشاق الروائح المتنوعة، بل إن صاحبنا «الأنف» قادر على التنبؤ بالكثير من المشكلات الصحيَّة، حتى أن الطبيب يستدل من لون الأغشية المخاطية على الكثير من الأمراض والالتهابات والأعراض التحسسية، وهُناك نوع بكتيري إذا وجد في الأنف بكثرة يستدل الطبيب على أن جسم هذا المخلوق - حامل الأنف - معرض للبدانة وزيادة الوزن. حتى مرض الزهايمر يُمكن تشخيصه من خلال الأنف، لأنَّ المصاب بهذا المرض يبدأ في مراحله الأولى بفقدان حاسة الشم، وهذا ما دفع الأطباء وعن طريق فحص الخلايا العصبية في الأنف الى اكتشاف الكثير من الأمراض النفسية. الأنف الأحمر يدل على الكثير من الأعراض منها حمى القض، والإنفلونزا، واضطرابات الغدة الدرقية، ولون السائل المخاطي يدل على وجود الكثبر من أنواع الالتهابات التنفسية. قرأت قبل عقود قصة لكاتب روسي لا أذكر اسمه حالياً، تتحدَّث عن شخص نهض في الصباح فلم يجد أنفه، وتستمر أحداث القصَّة والرجل يبحث عن أنفه المفقود، ولا أذكر أنه وجده. وكنت أعتقد أنها مجرد قصة أطفال آنذاك، لكنني الآن أدرك عمق هذه الفكرة، حيث يفقد الإنسان أنفه، فيفقد معه القدرة على التمييز، ويتحوَّل إلى كائن عاجز في محيط مخيف. أمَّا رواية الشاعر التي عربها مصطفى لطفي المنفلوطي عن مسرحية فرنسية، فهي تتحدَّث عن (سيرانو دي برجراك) الفارس الشجاع والشاعر الرقيق صاحب الأنف الطويل، الذي أحب ابنة عمه الجميلة روكسانا، ولم يجرؤ على مصارحتها بذلك بسبب أنفه الطويل، بل إنه يكتب لصديقه الجميل النبيل كريستان الذي يحبها رسائله الغزلية إليها، لأنَّ صديقه لا يجيد الكتابة... وكانت كلماته تنز حزناً وحباً. كان صديقنا برجراك يستاء جداً عندما يعيره أحد ما بأنفه، وكان يحل ذلك بالمبارزات التي يخرج منها منتصراً في العادة، لكن تكاثر الأعداء عليه أدى الى مقتله. أذكر أن الحبيبة اكتشفت ذلك متأخرة. المؤسف في القصة هي أن بطل الرواية هو شخصية حقيقية عاشت بين 1616و1655، وكان ضابطاً في فصيلة شبان الحرس التابعة للجيش الفرنسي. وكان أجدادنا يمدحون قوماً أو قبيلة بوسمهم بـ (شم الأنوف)، أي أن أنوفهم مرفوعة بالسماء سؤدداً شهامة وشرفاً وشجاعة وعنفواناً. أما الذليل الذي يجبر على فعل ما لا يريد، فكانوا يقولون إنه فعل ذلك رغم أنفه، وللدلالة على إذلال شخص لآخر كانوا يقولون: (مرّغ أنفه بالتراب). كانت العرب تقول: (لسانك حصانك إن صنته صانك وإن خنته خانك) أما حالياً، فينبغي القول: (أنفك طبيبك.. يكشف عيوبك).   يوسف غيشان ghishan@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©