الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صور الناس في أقوالهم

صور الناس في أقوالهم
3 مايو 2012
تُعدّ العادات والتقاليد بمثابة جسور متصلّة لتعزيز عُرى العلاقة القوية المُمتدة بين القديم والُمحدث دون انفصام وسط مَعْمَعة الثورة التقنيّة والمعلوماتية اليوم. إذ هناك مَنْ يتشبثَ بجذوره وأصالته المُتوارثة فبَقِي مُحافظاً على إرثه الثَّر ومحبته لِنَسْغِهِ الصاعد من رحيقِ أجداده وآبائه الأوائل منذ هاتيك السنين. وكتاب الدكتور محمّد توفيق أبوعلي الموسوم بـ”صورة العادات والتقاليد والقيم الجاهلية في كتب الأمثال العربية” والذي يغطي الفترة من القرن السادس إلى التاسع الهجري (القرن الثاني عشر إلى القرن الخامس الميلادي)، الصادر عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر في بيروت، بصفحاته الـ 632 صفحة من القطع الاعتيادي، يستقرئ الكتاب الأمثال وقصَصَها وأشعارها، ويُعاين أحوال العادات والتقاليد والقيم الجاهلية، مُعاينة شاملة لم يسبق إليها مُؤلِّف أن عاينها بهذا الزخم الموثق من خزانة العرب. العادات الجاهلية عقد المؤلف كتابه من ثلاثة أبواب، تضمن كل باب فصولاً عدّة، وجعل لكل فصل مباحث متفرعة. إثر مقدمة الكتاب، جاء عنوان الباب الأول” صورة العادات الجاهلية في كتب الأمثال”، الذي بدأه بالتوطئة، ثم بفصوله الثلاثة، تحدث في الفصل الأول: “عادات السلم” عن ظاهرتين، الأولى “العادات والمرأة” وفيها: كراهية مقاربة المرأة إبّان الرضاعة، أو بعد الحمل، عادة تعدد النساء، عادة تضييق القبل، عادة ختان النساء، ظاهرة البغاء، العُقْرة، تزيين الفرع، بيضة العُقْر، ليلة شيباء وليلة حرّة، المرأة العارمة، المرآة المجلوّة، ضَفْر الإسْب، الفصل بين الذراع والعضد، والتجمير. أما الظاهرة الثانية فهي “العادات ومظاهر السلوك اليومي” أشار فيها مؤلف الكتاب إلى: أدب المائدة، عادة التزاور، أعراف حُسن الضيافة: “تقديم المضيف الأكل والشرب بنفسه، المُسامرة، تطييب الضيوف، وسير المُضيّف أمام ضيفه”، التهاني، دخول البيوت من أبوابها، أدب التهادي، عادة المَيْسِر، العودة من الأرض: ميثاق وعهد، عادة المزاحة، عادة الامتخاط بالكوع، عادة حثو التراب في الوجه، عادة تقليب الكفين، وأنواع اللهو الجاهلي. وعن تطييب الضيوف أورد المؤلف: أنّ من العادات الجارية مجرى الأعراف العامة، في المجتمع الجاهلي، عادة تطييب الضيوف، كما ورد في المثل “بطني عطّري وسائري ذري” الذي قاله رجل جائع، نزل بقوم، فأمروا الجارية بتطييبه، والطيب هنا يذكرنا بعادة جاهلية مضارعة لهذه العادة، وهي تطييب الجاهليين عند عهودهم...”. عادات العصبيّة الفصل الثاني من الباب الأول للكتاب هو “عادات العصبيّة والحرب”، حيث إنّ البُعد اللغوي لمفهوم التعصب مأخوذ من العصب، وهو عصب الإنسان والدّابة، وقدم فيه أبوعلي لظاهرتين، الأولى “عادات العصبية وظلالها” وفيها: عادة لبس العمامة، عادة حمل العصا، عادة ضرب القبّة، عادة المُنافرة، وضع يد المجير بين يدي المجار والمجار منه، هرب القاتل من أهل القتيل، عادات تزويج الشاعر والعائف والعالم بعيون الماء، وفيه: القرعة في اختيار القتلى، أنفة الملوك من مباشرة الشعر بأنفسهم، عدم ضرب أعناق الملوك إلاّ في الحرب، اتخاذ أولاد الملوك خدماً عند الملك الأكبر، الذي عرض فيه إلى: عادة رهن الناس، عادة الأسْر، والرؤيا الإذلالية للعبد، والعصبية في عالمي الحيوان والنبات. وقال عن عادة لبس العمامة إنّ أول ما يلفت نظرنا في “العمامة” اسمها الأصلي، وهو “العِصابة”، وسُميت بذلك، لأنّها تعصب بالرأس، وفي عصْبها، دلالة عصبية على السيادة والمحاماة والمدافعة والمناصرة، أشار المثل “أجمل من ذي العمامة”. وعن عادة حمل العصا ذكر مؤلف الكتاب: أنّ أصل العصا الاجتماع والائتلاف، وأنّ سبب التسمية، لأنّ اليدّ والأصابع تجتمع عليها؛ مأخوذ ـ اسمها ـ من قول العرب “عصوت القوم أعصوهم إذا جمعتهم على خير أو شرّ، وهذا يعني أنّ معنى العصبية أضحى مُجسداً في العصا”. عادات الحرب الظاهرة الثانية هي “عادات الحرب” حيث عرض فيها للحرب ضدّ البشر: كراهية الحرب، ندب النساء الرجال، وهُنّ حَوَاسِر، جدع الأنف، ضرب الظهر، حلق اللمم، تقصير أداة الحرب، التطيّب في الحرب، التعرِّي لإنذار القوم، التدخين، تحويل وجهة البيت الحرام وإضرام النار، الرمي بأقحاف الرأس، الشرب بالقحاف، الوأد، الحرب ضد الخوافي، أسلوبا الصراع القبلي، والتحرّز، التدخين، التعشير، فقء عين البعير، دفع الثور لاقتحام الماء على الجنّ، لبس جلد النمر، عادة وهب الخيل ومنعها، وخلاصة في عادات السّلم والعصبية والحرب. وقال عن التدخين: وقد يعتمد الإنذار عند الجاهليين أسلوباً آخر غير أسلوب التعرّي، وهو “التدخين”، كما ورد في قصة المثل “على أهلها جَنَت بَراقِش”، وروى قصة المثل أنّ براقش امرأة كانت لبعض الملوك، فسافر الملك واستخلفها، وكان لهم موضع إذا فزعوا دخّنُوا فيه، فإذا أبصرهُ الجُنْد اجتمعوا؛ وإنّ جواريها عبثنَ ليلة، فدّخنّ، فجاء الجُنْد، فلما اجتمعوا قال لهم نصحاؤها: إنّك إن رددتهم ولم تستعمليهم في شيء، ودخّنتهم مرّة أخرى، لم يأتِكِ منهم أحد، فأمرتهم فبنُوا بِناءً، دون دارها. وأشار أبو علي في كراهية الحرب: إنّ الحرب عند الجاهليين لم تكن لذيذة المسمع، شهيّة التصور؛ بل إنّ أمثالهم تجسدّها في ألفاظ وتراكيب تنمّ عن كراهيتهم لها، وتأفّفهم منها؛ كقولهم:” الحربُ خُدعَة” وقيل خُدعة أي تخدع الرجال، وخُدعة على وزن فُعلة، من أمثلة المُبالغة، ومن أمثالهم “الحربُ عِشْوَة”، أي ركوب الأمر بلا بيان، و”الحربُ غَشُوم”؛ والمثلان يُضربان في منال الحرب بالمكروه من ليس بالجاني... الصّيد في الجاهلية خصص محمّد توفيق أبوعلي الفصل الثالث لهذا الباب للتعريف بـ” ظاهرة الصّيد في الجاهلية من خلال كتب الأمثال”، أورد في الظاهرة الأولى لـ”أهداف الصيد وأنواعه” المتمثل في: أهداف الصيد، وأنواع الصيد، حيث لم يكن الجاهليون قبل الإسلام بدعاً من الأمم، فالصيد تعاقب عندهم، بين ظاهرة تسدّ رمق الجسد، وأخرى تسدّ عَوَز النفس، وتنحو بها نحو الطمأنينة والتسرّي والرفاه، فقد كان الصيد عندهم بقول أحد المستشرقين: باب سدّ حاجات الجسد، كان لحم الحيوان مأمناً من الجوع، وعظمه طعاماً لنار يتقي بها القرّ، ودهنه وقوداً لذبالة سراجه، وأوباره غطاءً وكساءً، وجلوده بساطاً وسقاءً. ثم أوضح لموضوعات هذا الفصل والمتمثلة في: صيد البرّ: الظبي، البقر الوحشي، الحُمُر الوحشية، الوَرَل، الدُّلْدُل، القُنفُذ، النعّام، القَطَا، الحُبَارى، القُنبرَة، والجراد، أعقبه بالظاهرة الثانية: “ آلات الصيد وطرائقه” ومنها: آلات الصيد، صورة، وطرائق الصيد، ثم خلاصة الفصل الثالث. وذكر في طرائق الصيد لكل من المطاردة، الحيلة، الزُّبى، الإيحاء، والعين. التقاليد في كتب الأمثال في حين تناول في الباب الثاني “صورة التقاليد الجاهلية في كتب الأمثال العربية”، وجاء الفصل الأول منه بعنوان “العصبية” ابتدأه بمدخل: العصبية بين اللغة والاصطلاح، العصبية في اللغة، العصبية في الاصطلاح وقسمها على: العصبية والانتماء، العصبية ومفارقات الانتماء التي تنقسم إلى: العصبية الأحلاف، العصبية والصداقة، العصبية والصعلكة، العصبية، والتمايز الاجتماعي والشعوبية، ثم تحدث عن: العصبية والثأر: العصبية وتأصّل الثأر في الجاهلية، أعراف الثأر، مفارقات العصبية والثأر، وأخيراً خلاصة الفصل الأول. واشتمل الفصل الثاني “التقاليد الاعتقادية” على: الكهانة والعيافة، النذور، الرّقى، وتوطئة، وخلاصة هذا الفصل، في حين عقد مؤلف الكتاب الفصل الثالث لـ” صورة الزواج الجاهلي في كتب الأمثال العربية”، موضحاً فيه على طائفة من الموضوعات هي: الزواج الجاهلي والمنهج اللُّغْسْطُوري، أنواع الأنكحة، نكاح الرّهط، نكاح الاستبضاع، نكاح الضّمد، نكاح السبايا، بعدها أوضح للعناصر الرئيسة في الزواج الجاهلي، كالبُكارَة، التكافؤ، الخطبة والمهر، كما تحدث عن الزواج الجاهلي بين القرائب والغرائب، وختمه بخلاصة للفصل. وقال المؤلف عن “النذور” إنّها كانت لدى الجاهليين قبل الإسلام إحدى الوسائط بين الأصنام وعابديها، تؤدي وظيفة اعتقاديه ذات بُعدين: إشباع غريزة التدين” التقديس” الفطرية عند الجاهلي، التي ينزع الإنسان بشكل تلقائي إلى إشباعها بطرق شتّى، وتجليّات عدّة، وتقرّب الجاهلي لمعبوداته يجعله مطمئناً إلى أنّها ستكافئه بالوقوف إلى جانبه في الملمات والشدائد. القيم الجاهلية بيّن الباب الثالث للكتاب بفصوله الثلاثة “صورة القيم الجاهلية في كتب الأمثال العربية”، إذ أورد في الفصل الأول” الفروسية والعنفوان” وخلاصة له، والفصل الثاني “الكرم والإيثار”، أما الفصل الثالث، فتناول “ظاهرة الفحش في الجاهلية”، ثم خلاصة للفصل الأخير للكتاب. فقد كانت الفروسية عند الجاهليين مزيجاً من الأسطورة والتاريخ، أي من الخيال والواقع؛ بخلافها عند أمم أخرى عرفتها، واشتهرت بها فأبطال الإغريق جزء من الميثولوجيا الإغريقية، فهم آلهة، وليسوا كالآلهة؛ أما أبطال الجاهليين، فهم بَشَرٌ؛ وقد يمتزجون بالخرافة، فيصبحون بَشَراً خرافيين... وأورد مؤلف الكتاب حكايات طائفة من الأمثلة عن الفروسية والفرسان نحو قولهم: “أفرسُ مِن سُمِّ الفرسان”، و”أفرسُ مِن مُلعِبِ الأسِنّة”، أفرسُ من عامر، أفرسُ مِن بِسْطام، و”أفتكُ مِن الحارث بن ظالم”...
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©