الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الكاف المجرورة...

الكاف المجرورة...
3 مايو 2012
سيكون الحديث عن قصيدة النثر النسوية وإمكاناتها في فتح آفاق جديدة ومبتكرة في عوالم هذه القصيدة مكررا، لكثرة ما كتب فيه تنظيرا وتطبيقا، غير أن هذا الميدان الكبير يحتاج فعلا إلى جهود نقدية تعمد إلى قراءة القصيدة النسوية قراءة جادة تستكشف عالمها ومجازاتها الجديدة والمبتكرة، باعتبار أن للمرأة عالما خاصا تعيش فيه ضمن حدود وتابوات يفرضها المجتمع ليس في شرقنا بل أيضا حتى في المجتمعات المتطورة، تؤكد ذلك الحركة النسوية العالمية والأصوات المتعددة التي تنتصر للمرأة. إن قراءة القصيدة النسوية بشكل جاد سيؤسس فضاء جديدا لقصيدة النثر وإمكاناتها في احتواء التجارب بكل تنوعها وغرابتها، وسيكشف نمطا فريدا من المجازات والصور والبناءات اللغوية لا تتوفر في قصيدة الشعراء الرجال ،بسبب التجارب الخاصة للمرأة في تلقي تحديات الحياة، وصعوباتها، فإذا كان الرجل يعاني من تحديات الواقع وصعوبات الانسجام معه، فالمرأة تعاني من صعوبات مضاعفة أهمها أعباء الرجل الكثيرة التي يلقيها عليها وكأنها سبب أساسي في عذاباته وصعوبات حياته. إن ما يسبب تعاسة المرأة وبؤس حياتها، سيكون محورا حاضرا في قصائدها، ولأنها لا تستطيع البوح بصوت واضح وصريح فأنها تلجأ إلى المجاز في أشكاله المتنوعة والمبتكرة أيضا لتعلن موقفها واحتجاجها إزاء ما يحيط بها من أشكال الحرمان والتهميش وحتى الإلغاء. العلاقة المتكافئة في سعينا لقراءة ديوان الشاعرة سمرقند الجابري “بصمات قلب” الصادر عن دار التكوين للتأليف والنشر والترجمة في دمشق، سنعمد إلى فحص جملها الشعرية ومجازاتها وصورها المتنوعة لنكشف عالم الأنثى وكيف تتمرد على الكوابيس والإقصاء التي يضعها الذكر في طريق تفتح إنسانيتها المشخصة في أنوثتها واعتزازها بها، واعتبارها ممرا صالحا لخلق علاقات متكافئة بينهما، ومنذ البداية نقرر إننا نلج في هذا الديوان عالما تسود فيه وجهة نظر الأنثى ،سواء في خطابها المقرب من الذكر أو في مجازاتها الخاصة التي تجعل رؤيتها تتضح تجاه عالم الرجل الذي تحكمه تداعيات الأزمنة الطاعنة في قسوتها وفي جبروتها إزاء الأنثى، وبهذا المعنى فان الخطاب الأنثوي الذي تنتجه الشاعرة سمرقند يحمل بوحا ورغبة وتعديلا لمزاجات الذكر المتجبر أساسه العلاقة المتكافئة بينهما، بعيدا عن الشكوى المرة أو حرارة المعاناة مما يصيبها من تعنت الذكر وفحولته التي كرستها له قوانين وأعراف شتى، بل أنها هنا تفتح آفاقا شتى للعلاقة بينهما، حين تفرد له مكانا أثيرا في خطابها يبدو فيه ملتصقا بها وكأنه جزء من عالمها وشؤونها الخاصة، فتعمد إلى إلغاء المسافة التي عمقتها الأزمنة والتابوات، ليصبح ضمن عالمها الأنثوي، ضمن الكلمة التي تحمل تطلعاتها وأوهامها وهواجسها، من خلال الضمائر التي تشير إليه في الجملة الشعرية، فهو ضمير ملتصق بجملتها لا ينبغي له فكاكا منها أو البعد عنها بشكل مستقل. دلالة الضمير اختارت الشاعرة مثل ذلك للتدليل على هذا المعنى، فحرف الكاف مثلا في جملها الشعرية وفي معظم قصائد الديوان، يأتي ملتصقا بالأسماء أو الحروف كضمير مجرور يشير إلى الذكر، ضمير مضاف إلى كلماتها وحروفها التي تنشئ مجازاتها وصورها ورغباتها ، وبنفس الوقت نلاحظ أن هذا الضمير المجرور لا يأتي في القصيدة على أساس التبعية والإلغاء بل بالتمجيد لدوره في حياتها، على الرغم أنها توجه خطابها “لرجل مرتبك وشرقي ومغلف” كما أشارت في مقابلة لها: سأكر عليك بجيش من سرايا الوجد مدجج بالدفء والندى والشعر والفعل (أكر) في هذه الجمل الشعرية سيحيلنا الى ساحة معركة تظهر المرأة فيها فاعلة بدلالة الضمير الدال عليها في الفعل (سأكر)الذي يحمل فاعلية متجددة باتجاه المستقبل في حين يظهر الذكر مجرورا بحرف الجر (على) الذي يشير الى تمكنها (منه)، لأنه بدون أسلحة ـ كما تشير الجملة ـ لكنها سرعان ما تكسر هذا المعنى في الجملة الشعرية المكملة لهذه القصيدة ، التي توضح موقفها: لا تخف فأنا أريد أن أتوج أنوثتي بروعة رجولتك وفي هذه القصيدة “بعيدا عنهم” تعمد الأنثى إلى الاختلاء به ـ بعيدا عنهم ـ لتسرد عليه ألوان أنوثتها، مستثمرة أبنية لغوية دالة على فاعليتها إزاء سكون وحيرة الذكر ن فالضمائر التي تشير إليها غالبا ما تتصل بأفعال تشي برغبتها القوية في الاقتراب منه، ولذا نجد أفعالا تضم ضمير الأنا الذي يمثلها مثل (أريد، ادخرته، أتحجج، انشر تعاليمي، وغيرها ) في حين تأتي الضمائر الدالة عليه ملتصقة بالاسم تارة وبالحرف تارة أخرى مثل شكل جامد يسمع الخطاب ولا يجيب (رجولتك، تحججك بالمرض، حبك، لك، أمطارك...) وإذا اقترن الضمير الدال عليه بفعل من الأفعال، فهو على شكل طلب أو توسل منها: (لتسكب فيه النبض، لتستظل افياء جدائلي،علمني كيف اغد والهة أرضية، اتخذ من رحيقي مدادا لقصائدك..) الشرقي المرتبك ان هذا الاستطراد في قراءة قصيدة “بعيدا عنهم” من الديوان يمثل من وجهة نظرنا، تطبيقا على معظم قصائد الديوان في بنيته اللغوية التي تحمل خطاب الأنثى إلى الذكر، حتى لو كان هجاء مرا بعد أن يئست من استجابة هذا الذكر الشرقي المرتبك، ففي قصيدة (صناديق) تلجا الأنثى إلى الهجاء المر، مستثمرة نفس الضمائر التي اشرنا إليها فهي تقول: سئمت التجوال في صناديق مزاجك... تخرجني اليوم.. تعيدني حين تريد وغدوت أنا مئذنة للغيض.. أشرق الصراخ في حنجرتي ثم تلخص معاناتها وخلاصها منه بهذه السطر الدالة: تحت كراسي عرشك يضعني الغياب تسًوس عمري معك... لا تفاوضني بصندوق آخر.. فأنا سأمارس متعة رحيلي صناديقك هذه ضاقت.. ونود أن نلفت الأنظار إلى بنية الجملة الشعرية التي تضم الضميرين الخاصين بهما. ومع كل هذا الهجاء المر فأنها في قصائد أخرى تبرر له سلوكه وضعفه بما يحيط به من حياة قاسية يتضح ذلك في قصائد (متسكع، نكرة، إلى مهاجر، بحار....). جمل مشرقة قد ضمت هذه القصائد جملا شعرية مشرقة تحمل نفسا ضد المتجبر الذي يعمد إلى إقصائهما وإذلالهما معا: عندما يضيع درهمي في البالوعة لن ابحث عنه.. فأنا لا أريد أن آكل شطيرتي بدرهم قذر.... صرحت الشاعرة في مقابلة معها إنها كتبت معظم قصائدها عام 1996 ولكي تستطيع مغالبة هذا الوضع تقول: على احدنا أن يتنفس وان يشجع الآخرين على ذلك... وإلا هزلت. أخيرا نلاحظ رحلة الشاعرة سمرقند الجابري بدأت ببوح الأنثى وهي تحمل الذكر في كيانها الحي المتفتح للحياة باعتباره جزءا مكملا لكيانها تحمله معها دائما، لكنها حين تأكدت أن هذا الخطاب قد ضل طريقه وبقى بوحا في فضاء التمنيات المستحيلة فأنها تقفل ديوانها بقصيدة (أزقة) التي تدون فيها وحدتها: للمدن أزقتها.. ولي خطاي الوجد تركني نصفين الأول سمر... والثاني قند أيهما الآن أنا؟؟ للتوجه بعد ذلك إلى مناجاة النفس لتكمل سيرتها التي تمجد دورها وإنسانيتها: غسلت يومي بزهر خطاك ليطهر لان كل النهارات ملوثة بالتكرار سأرفض مناطق رمادية بين نعم ولا.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©