الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«القاهرة 678» و «أسماء» يخترقان الصمت

«القاهرة 678» و «أسماء» يخترقان الصمت
3 مايو 2012
بعد عرضه مباشرة في الدورة ال 35 لمهرجان غوتنبرغ السينمائي الدولي نزل إلى الأسواق السويدية فيلم “القاهرة 678”، وهي من المرات القليلة التي يدخل فيها فيلماً عربياً إلى الصالات التجارية بهذه السرعة مصحوباً بترحيب نقدي وجماهيري. دون شك كانت للتظاهرة السينمائية التي نظمها المهرجان للسينما العربية والتي مَثَلت بحق “مهرجاناً مصغراً” عرضت فيه 25 فيلماً من أنحاء العالم العربي، دوراً في هذا ولكن كان أيضاً لموضوعه وجودة صنعته الدور الأكبر. من المفارقات أن مخرجه محمد دياب قد أشار أثناء حوارنا معه في غوتنبرغ ومعه مخرج فيلم “أسماء” عمرو سلامة، إلى أهمية أن يأتي اهتمام العالم بالسينما العربية من قوة حضورها الفني والإبداعي وليس من صلتها بالثورات العربية فقط، وإلا لتحول فيلمي كما قال: “إلى مقالة صحفية تناقش ظاهرة التحرش الجنسي في مصر وليس فيلماً سينمائياً يتناول موضوعاً حساساً تتفق فيه ثلاث سيدات من مستويات اجتماعية مختلفة على الانتقام من المتحرشين بهن جنسياً”. ولم ينس التذكير بدور السينما في تناول الظواهر الاجتماعية من أجل إثارة الأسئلة حولها. قيس قاسم وردا على سؤال عن سبب تأخر السينما في تناول ظاهرة خطرة كالتحرش الجنسي كل هذا الوقت، يقول المخرج دياب: “سبب التأخير في تناول الظاهرة سينمائياً يعود إلى التابو المفروض عليها، والصمت الذي يحيطها، فأنا شخصياً لم أعرف ان أحداً من عائلتي قد تعرض للتحرش الجنسي، لأنه وببساطة لم يتحدث عنه أحد، لأن النساء يخشين من عواقب البوح بتعرضهن للتحرش، وكَوّن المجتمع نفسه يعاملهن كمذنبات إذا ما ذكرن شيئاً عنه”. ويضيف: “أنا شخصياً لم أعرف بالموضوع إلا متأخراً حين سمعت بأول قضية رفعت إلى المحاكم المصرية ضد متحرش عام 2008، وقتها ذهبت إلى المحكمة وبدأت بسؤال بعض النساء اللواتي قبلن الحديث معي واعترفن صراحة بتعرضهن للتحرش وباستمرار. حينها بدأت بالتفكير بعمل فيلم “القاهرة 678”. الفيلم يعرض حالة الانقسام بين النساء الثلاثة لشكل الانتقام وأساليبه”. وعن هذا التوزع وما إذا كان متعمداً إظهاره بهذه الحدة قال محمد: “بالتأكيد تعمدت الى أخذ ثلاث عينات من مستويات اجتماعية مختلفة حتى أُبيَّن أن التحرش يشمل كل النساء من كل الفئات، وحتى أسد الطريق على الكلام الذي يقول ان التحرش محصور بالفقراء أو باللواتي يرتدين زياً مدنياً أو اللواتي يركبن سيارات. فالتحرش في مصر يجري في كل مكان والسكوت عليه هو من يشجع على اتساع انتشاره. الى جانب توجيه الاتهام الجاهز الى كل من يتناوله بأنه يريد الإساءة الى سمعة الوطن، وطبعاً هذا ليس صحيحاً، والمتسترون عليه يقبلون هذا الكلام دون تفكير”. لهذا ظهرت بطلتك متحجبة؟ ويعلق دياب على موضوع ظهور بطلة فيلمه محجبة بالقول: “هذه قصة أخرى. فالمشاع أن من ترتدي ملابس محشتمة أو محجبة لا تتعرض للتحرش والواقع نفسه، لا يزكي هذا الادعاء، إطلاقاً. اركب أي باص في مصر وسترى، ما يتعرضن له النساء، فكل واحدة ما دامت “أنثى” ستتعرض للتحرش حتى لو كانت بـ”شنب”، فالمتحرش لا يهمه عمر أو شكل، لأن دوافعه تعود الى طريقة التفكير السائدة التي تعامل المرأة كمخلوق ناقص وضعيف يمكن التهجم عليه، دون رادع، وأظن أن مشهد الطفل الذي يتبارى مع أقرانه في إمكانية تحرشه بأي فتاة تمر أمامه تكثف هذه الفكرة. كما أني أردت إدخال المتفرج في رأس المرأة ليتعرف على حجم الألم الذي يسببه لهن هذا الاعتداء وبالتالي ليفهم أسباب إقدام النساء الثلاثة للانتقام من المتحرشين بهن في الفيلم. انها محاولة لكسر حاجز الصمت يشتغل عليها مخرجون كثر الآن ومن بينهم زميلي عمرو سلامة الذي حضر الى غوتنبرغ بفيلم “أسماء”. وبسؤال المخرج عمرو سلامة عن مصدر اهتمام الغرب بفيلمه “أسماء” وهل هو نابع من كون البطلة (لعبت دورها الممثلة هند صبري) امرأة عربية، يجيب: “يجب أن يقترن قبول أي فيلم وقبل كل شيء بنظرة نقدية فنية، ومن بعد يأتي المضمون الفكري والاخلاقي”. ويكمل المخرج عمر سلامة إجابته بالقول: “والحقيقة هي ان مرض “الأيدز” الذي أصيبت به “أسماء” قد تجاوزته المجتمعات الغربية منذ مدة، ولكننا ما زلنا نخشى الحديث عنه، ومن هنا جاء إهتمامي بحكاية الفيلم التي لاقت قبولاً مصرياً وعربياً قبل الاهتمام الغربي الذي تلاحظه اليوم في غوتنبرغ أو قبله في مهرجانات عالمية كثيرة شارك فيها”. ويضيف سلامة: “ليس الخوف من مجابهة الحكومة إلا جزءاً صغيراً، ظاهراً، من القضية الكبيرة؛ وأعني بها الخوف من مواجهة المشاكل حتى لو كانت صحية، وإذا كان العالم اليوم قد تجاوز الخوف من التعامل مع الأمراض الخطيرة مثل الأيدز وغيره فنحن مازلنا نحاف من البوح أو الإعلان عنه فما بالك إذا كانت حاملته سيدة؟”. وهل هذا هو السبب الذي جعله يختار امرأة بطلة للفيلم، يجيب سلامة: “في قصص معينة يفضل أن تكون المرأة بطلتها وهناك نوعان من الأفلام لها الأولية فيها: أفلام الرعب، فالجمهور يتعاطف معها أكثر، ويجد فيه الرغبة لمساعدتها افتراضياً بالطبع! وثانيها أفلام تواجه فيها المشاكل والمصاعب فجميعنا نتعاطف مع الضعيف وهذا يعطي الفيلم دفعاً درامياً أكثر، ومن هنا اخترت أن تكون “أسماء” هي الحاملة لمرض نقص المناعة المكتسبة، فلو كان المريض رجلاً لما توفر للدور نفس التعاطف المطلوب”. وعن مصدر قوة فيلم “أسماء”، قال سلامة: “من أبيها. أسماء كانت مستقرة نفسياً في طفولتها وتمتعت بشخصية قوية، ودعني أشير الى قضية قد ينساها البعض عند الحديث عن ذكورية المجتمع المصري وهو بالفعل كذلك، لكن هناك الى جانبها حقيقة أخرى أن 40 بالمئة من العوائل تعيلها نساء، والمصرية تعمل في كافة مجالات الحياة ويكفي التذكير بالمظاهرة الكبيرة التي خرجت بها النساء احتجاجاً على اعتداء بعض رجال الشرطة العسكرية على سيدة أثناء الثورة. لقد كانت واحدة من أكبر المظاهرات النسائية في تاريخ مصر على الإطلاق”. وعما يمكن تسميته ظاهرة تدهور قيم الإعلام والتي زج بها المخرج زجا في الفيلم، علما إنها تبدو قضية تبدو بعيدة عنه، يقول عمرو سلامة: “في فيلمي تعمدت منح هذا الجانب الخاص بالاعلامي حجماً كبيراً، لخطورة دوره في حياتنا وتَغيُر شكله من بوق للسلطة الى بوق للرأسمالي، فصار الربح هو هاجسه وليس البحث عن الحقيقة. مشكلة الأخلاقيات والمعاير المزدوجة هي ما أردت تسليط الضوء عليه من خلال دور مُقَدِم البرنامج التلفزيوني”. وبرر سلامة بقاء نهاية فيلمه مفتوحة على أسئلة غير محددة برغبته في التذكير ببقاء المشكلة وعدم تجاوز المجتمع لها. وقال: “النظرة الأخيرة، المعبرة والعميقة، لأسماء كانت موجهة مباشرة الى الجمهور وهي تتضمن سؤالاً مقلقاً: ترى ماذا سيكون موقفكم إزاء الضحية التالية؟”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©