الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تقاليد إعلامية.. صغيرة وخطيرة

7 مايو 2011 19:18
لا تزال الثقة بمحتويات الصحافة الرقمية دون المستوى، وتقل في أفضل الدراسات المعلنة عن الخمسين في المئة وتتراوح غالبا ما بين الثلاثين والأربعين في المئة. ويعيش المشهد الإعلامي انتقالا متزايدا نحو الصحافة والإعلام الجديد، ومعه ينتقل تراث سوف يتراكم من ضعف ثقة جزء كبير من الجمهور بالإعلام الإخباري القديم، المكتوب والمرئي والمسموع. عناصر الثقة وعدمها عديدة، غالبا ما تم التركيز على ملكية وسائل الإعلام وتوجهاتها، وبدرجة أقل على نزاهة الصحفيين أو فسادهم. العلاج الجاهز في الغالب هو ضرورة استقلال الصحافة وضرورة استقلالية الصحفيين، وبدرجة أقل انتشارا (وصعوبة): ضرورة تعزيز ونشر الصحافة الاستقصائية وتعليمها والتدريب عليها. لكن ثمة جانب آخر، هو أقل شأنا، لكن تكريسه خطر جدا لأنه يمر يوميا مرور الكرام، وآلاف المرات، عبر قنوات الصحافة العربية المختلفة. ويكاد يصبح من “التقاليد” والمسلمات التي ستنتقل من جيل إلى جيل، خاصة بعد التوسع بشكل أسرع وأسرع في صحافة الانترنت. إنه أمر يتعلق بمفردات و”مصطلحات” صحافة الخبر التي تتجاوز القواعد والإعراب (الأكثر انتشارا بالمناسبة). إنها تحديدا المفردات وأدوات الوصل بين الفقرات والاقتباسات التي توجّه المعنى - وغالبا عن جهل - وتترك أحيانا تشويشا في ذهن القراء الجدد أو قناعة بعدم المهنية عند العارفين والملمين باللغة أو خلفيات الأخبار. تبرز تلك المشكلة بشكل فاضح ومُفرط في بعض التصريحات السياسية التي تتناول قضايا كبيرة أو غيرها، فتقرأ في صحف قومية وإقليمية وواسعة الانتشار ما يلي: “أكد رئيس الوزراء الاسرائيلي أن القدس عاصمة أبدية لليهود”؛ أو “شدد ..على حق اسرائيل في بناء المستوطنات”. وتقرأ أيضا: “أكدت دراسة جديدة أن القهوة مضرة بالقلب “(ثم تقرأ بعد فترة أخرى: “أكدت دراسة أخرى أن القهوة مفيدة لأمراض القلب” .. وهكذا دواليك . وكذا الأمر باستخدامات فعل مثل “أشار” و”أوضح” و”لفت” وغيرها مما يتكرر في جميع الأخبار تقريبا مما يوحي وكأن المراسل أو المحرر أو المذيع قد تبنى صحة ما يُنسب إلى هذا المصدر أو ذاك. لكن مهلا، الأمر لا يتعلق باللغة أو المعنى فقط، بل يتعلق بمساهمة الإعلام في إشاعة مفاهيم منطقية (أو لا منطقية) على صلة وثيقة بثقافتنا وعاداتنا وربما ببعض مشاكلنا التعليمية. فالخشية ليست من أن يعتقد القارئ بأن القدس هي فعلا عاصمة أبدية لليهود وأن القهوة مضرة بالقلب بقدر ما هي في منطق استخدام الفعل في غير مكانه بشكل قد يصبح عادة يتداولها الجمهور في حديثهم وتواصلهم بما يخلق تشويشا أو سوء فهم على الأقل وينتقل مع الوقت من جيل إلى آخر. هذا أحد مخاطر إهمال العناية بالمفردات حتى في المهنة التي يُفترض أن تكون أكثر المهن تدقيقا (واستقصاء) في استخدامها في الحياة اليومية. طبعا التنوع مطلوب والابتكار منشود. لكن الاستخدام السيء للمفردات نقيض لهذا وقاتل لذاك. وما يزيدني مرارة هو الصمت المريب من قبل اللغويين على هذه الظاهرة. ومهما بلغ الشك بأن هؤلاء لا يقرأون أو يسمعون مثل هذه “النصوص” فلا بد أن قلة منهم تعرف بها وهي – بالتالي- لا تبالي. فمن هو الحريص الباقي على لغتنا الجميلة إذن وسط تحديات العصر الرقمي المتزايدة ؟ barragdr@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©