الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

في رحـاب سويحان رحــلة إلى عمق الدهشة

في رحـاب سويحان رحــلة إلى عمق الدهشة
22 أكتوبر 2008 01:24
بين فترة وأخرى تجد نفسك متعباً ومحتاجاً لفترة، ولو لفترة قصيرة من الراحة· وبدلا من الذهاب إلى بلد بعيد، يمكن أن تقضي يومك في مشوار قصير يجدد فيك الحيوية، خاصة إن كان هذا المشوار يبدأ من المدينة وينتهي في الصحراء لمشاهدة صور حية من مسابقات الخيل والإبل التي تنقل إلينا ملامح سارة من التراث تعيد للنفس بعضا من أجواء الحياة الطبيعية التي عاشها الأجداد· بدعوة من نادي تراث الإمارات قمنا برحلة قصيرة بدأت من مقر النادي بالقرب من جامعة زايد، ثم انطلقنا مجموعة أغلبهم من الجاليات الأجنبية التي تهوى السفر والاكتشاف والاستمتاع في العطلة الرسمية· لحظة البدء بدأ المسير في الساعة الحادية عشرة والنصف صباحا من شارع المرور، الموازي لشارع المطار، وعلى جانبيه معالم كثيرة من البنايات الحديثة والقديمة، وأشجار النخيل والزينة والورد المتعدد الألوان· وهناك عمال بلباسهم البرتقالي يتابعون أشغالهم، فمنهم من يقلم فروع الشجر، ومن يزرع، ومن يزيل الأعشاب اليابسة، ومن يتفقد أنابيب المياه التي تروي الأشجار بطريقة التقطير الحديثة، أما الأوتوستراد فهو مؤلف من أربعة مسارات في كل اتجاه· وفي طريقنا كانت تطالعنا لوحات عديدة لمشاريع الإعمار الجديدة في محيط أبوظبي· ها نحن نعبر جسر المقطع، وهو المعلم الأول والأهم في مدخل المدينة، وعلى يمينه مسجد الشيخ زايد، وهو آية معمارية فريدة من نوعها في العالم، وإلى يسارنا مسجد (الجسرين) وهو من أقدم معالم العاصمة· ثم أخذ الباص يمينه على جسر نصف دائري تحيط به الخضرة وكأنك في غابات مروية، ليتابع مسيره باتجاه (ساس النخيل)· بدأت اللافتات ترشد إلى مدينة خليفة، وشاطئ الراحة، والمدن الجديدة التي تشاد في هذه المناطق بتصاميم هندسية حديثة تناسب البيئة من حيث الارتفاع والاتساع· وبعد أن تجاوزنا المساحات الخضراء في طريق السفر، وهي تقدر بربع المسافة، دخلنا في منطقة غير مشجرة ولكنها كما يبدو لي فيها مخطط لمشاريع البناء حيث توجد حفريات ومعدات للعمل تدل على ذلك· معالم على الطريق إنها حركة بناء كبيرة ومدروسة تشهدها هذه المناطق· ولعل تفكير القائمين على التخطيط في المؤسسات وشركات البناء يتجه نحو التوسع في الصحراء بدل التوسع في مياه الخليج ومد البناء عليها، ليحيي قسما منها· يبدأ طريق سويحان- العين· نمر على مقربة من مدينة الشامخة، وهي تقع على جانبي الطريق وتتميز ببنائها المتوسط الارتفاع والمساحة الواسعة واللون الأبيض والنوافذ الخضراء، حيث يظهر عن بعد جمال المنظر وحسن التنظيم· وعلى طول الطريق يشكل انتشار الأشجار الكبيرة والصغيرة مدى اهتمام الدولة بنشر البساط الأخضر في الصحراء، وأشجارها مغروسة بشكل منظم· أما الأراضي غير المزروعة فهي موزعة ومحاطة بشباك لحماية الإبل ومنعها من العبور إلى الطريق العام، مما يدل على وجود ثروة حيوانية كبيرة في هذه المناطق· ومن المؤكد أن هذا العمل التنموي الواسع كلف الكثير من الجهد المادي والبشري· ندخل طريق سويحان حسب اللافتة التي تدل على الاتجاه· زينة الصحراء أرض الصحراء هنا لونها سكري وتزينها شجيرات الغاف بأحجامها المختلفة· أما شبكة الكهرباء فهي تمتد على طول الطريق بحيث تضيئه للعابرين في الليل، كما أني لاحظت وللأسف أن بعض هذه الإنارة تعمل في النهار وهي تشارك الشمس في ضوئها!! هذا يدل على هدر في الطاقة· وأتمنى أن يتنبه المشرفون لذلك توفيرا لاستهلاك الموارد· وهناك بعض البيوت السكنية، يبدو أنها مخصصة للقائمين على تربية الجمال، لأن طريقا فرعيا يصل بين الأوتوستراد وبين تلك البيوت· هاهي غابات (نهشة) تمتد على اليمين واليسار أيضا، ويبدو أنها غرست بتنظيم هندسي من حواجز شبكية أقيمت بين الأشجار، ولافتات ملونة لإرشاد الزائرين والعاملين فيها· ثم طالعتنا (غابات بوصلف)، وهناك شاخصة تشير إلى (العوير)، وقد بقي لنا 11 كم· هنا نستمتع بمناظر غابات (نصاصة) وهي تمتد على مساحات شاسعة من سهل يحف بالطريق على الجانبين· وبعد انتهاء هذا السهل الأخضر مباشرة، تستقبلنا أشجار النخيل الكبيرة التي تتخللها شجيرات من أنواع أخرى وكأنها ترحب بالضيوف لتقول لهم إنكم اقتربتم من سويحان، وهي تبعد عن أبوظبي 120 كم· ومن هنا تشعر بالانشراح ويخيل لك أنك تدخل إحدى المدن الكبرى، مما يوحى أن الإرادة والتصميم والاهتمام الجدي في العمل يزيل كل المعوقات ويحيل الصحراء إلى جنان خضراء· هذه (بوابة) رقم ،1 وبعدها (بوابة) رقم ،2 ثم يأتي دوار يدل أن (العين) على اليمين، ويدخل الباص من اليسار· هناك ميدان سباق الهجن، ثم حظائر للحيوانات مسورة بالشباك، وها هي قافلة من الإبل يسوقها الحادي، وعلم الإمارات يخفق في كل مكان· ودخلنا بوابة النادي بسلام في الواحدة والربع بعد الظهر· تبدأ معالم التراث من بوابة مكان الاحتفال الذي تتصدره خيمة من قسمين، واحد للغداء والثاني لاستقبال الضيوف الذين حضروا من الدبلوماسيين والإعلاميين وباقي المدعوين· وهي مجهزة بأحدث وسائل التكييف والمفروشات المعدة لذلك· كما يوجد عدد من بيوت الشعر مخصصة للأشغال اليدوية والصناعات التقليدية التي تقوم بحياكتها نساء من الإمارات توارثن صنعها من الأمهات والجدات· وبعد الغداء، بدأ بعض الضيوف من أستراليا وبريطانيا والصين يعبرون لنا عن إعجابهم بالمأكولات العربية، وأكدت لي كاترين من المملكة المتحدة أنها جاءت ومعها طفلتاها لمشاهدة سباق الهجن، وأعربت عن إعجابها بهذه الرياضة الجميلة والممتعة· التمسك بالتقاليد أصغر المشاركين محمد عبدالله المحيربي (الصف الخامس الابتدائي) يقول: ''نحن نتمسك بتقاليدنا وعاداتنا وأنا أتدرب في المزرعة مع أبي، ولكن أحب التدريب مع جدي كثيرا''· ويقول السيد كحلد ضاحي العميمي، وهو الرجل المسن الذي أصر على أن يأتي من العين ليحضر ويستعيد أشياء من الذاكرة وهو يقول إنه لا يعرف عمره بدقة، ولكنه في الحرب العالمية الثانية كان ابن تسع سنين· وقال لي: عليك أنت أن تقدري عمري! سألته عن ذكرياته، وإن كان هناك سباق في أيامهم فقال: ''الجمال موجودة من قديم، وكانت تعمل لخدمة الناس ولطعامهم، أما في السباقات فكانت موجودة في كل سنة أو في الأفراح، كان أهل الفرح يقيمون سباقا بين الشباب، فيجرون مسافات طويلة وغير محددة ومن يعود قبل رفاقه يأخذ هدية''· وأسأله عن نوع الهدية فيجيب: ''سترة، أو وزرة، أو عشرة ربيات''· وماذا تقول في هذه المناسبة؟ يجيب: ''أنا لا أبغي إلا أن نشوف الرجال والشيوخ بصحة وعافية- الله يديمهم''· حنين إلى التراث كان أكثر الأطفال متشوقين للحديث عن التراث· سيف علي النعيمي وأخوه، محمد راشد النادي، سيف بن محمد العامري من العين، كذلك محمد النيادي، يقولون نحن نحب أن نركب الجمل لأنه من تراثنا، ونحن أيضا ندرس ونلعب رياضة ونحب السباحة· إنهم فعلا أطفال مثال النباهة والحيوية وتظهر ملامح الذكاء والجرأة في تصرفاتهم· وبعد أن قال لي سيف علي النعيمي عن مدة السباق إنها 1000 متر وذهبت لأتابع لقاءاتي، إذا به يلحق بي راكضا ليصحح مدة السباق وهي 500 متر· فشكرته وأنا متأكدة من أن هذا الطفل ابن البادية شعلة من الفطنة والذكاء·
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©