الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المراهنة على الوقت... سياسة أوباما السورية!

المراهنة على الوقت... سياسة أوباما السورية!
3 مايو 2013 23:13
يبدو أن أوباما عازم على عدم التورط في الموضوع السوري، والانجرار إلى ما لا يريده لأميركا في منطقة انخرطت فيها لسنوات طويلة. فلأكثر من سنة حاول وزيرا الخارجية اللذان تعاقبا على المنصب، هيلاري كلينتون ثم جون كيري، الضغط على الرئيس لتقديم مساعدات أكثر للثوار الذين يقاتلون النظام لإسقاطه، لكن أوباما ومساعديه في البيت الأبيض قاوموا حتى الآن هذه الضغوط خشية الانزلاق دون رجعة في المستنقع السوري والتورط في تدخل عسكري مباشر بسوريا، ليجد الرئيس نفسه أمام نفس الحرب الشرق أوسطية التي بنا حملته الانتخابية للعام 2008 ضدها وناضل لسحب قواته من أتونها. بيد أن أوباما تحدث أيضاً عن خط أحمر لا يجب تجاوزه في جميع الأحوال، ويتمثل في لجوء النظام إلى السلاح الكيماوي الذي يمتلك منه مخزوناً كبيراً، فقد أوضح الرئيس صراحة أنه في حال استخدم الأسد السلاح الفتاك فإن ذلك سيغير من قواعد اللعبة ويفرض على أميركا التدخل. والآن يبدو أن أوباما وصل إلى الخط الذي من خلاله نختبر مدى استعداده للتدخل، فقد بات شبه مؤكد أن قوات الأسد استخدمت غاز الأعصاب ضد المعارضين، وهي المعلومات الواردة من مصادر متعددة تتراوح بين المعطيات الإسرائيلية والفرنسية والبريطانية، بل حتى من داخل أميركا، مثل رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ الأميركي السيناتور دايان فنستين من كاليفورنيا، وهم يعتقدون جميعاً أن الخط الأحمر الذي رسمه أوباما تم اجتيازه ما يستدعي تحركاً أميركياً بطريقة ما، على الرئيس نفسه تحديد مساره. لكن رد أوباما حمل الكثير من المراوغة، مؤكداً رغبته في عدم التورط العسكري بسوريا، فبعد رسم الخط الأحمر ما عاد الإشكال مدى استخدام السلاح الكيماوي، بل ما إذا كان النظام قد انخرط في «استخدام ممنهج للسلاح» وليس فقط استعمالاً جزئياً لمرات متفرقة، وحتى إذا تبين للعالم بأن الأسد استخدم السلاح الفتاك مرات عديدة ينطبق عليها شرط المنهجية، فإنه من غير المعروف الطريقة التي سيتعامل بها أوباما مع الوضع، حيث أوضح يوم الثلاثاء الماضي قائلاً: «عندما أقول تغيير قواعد اللعبة، أعني أنه علينا التفكير في جميع الخيارات المطروحة أمامنا». وليس غريباً أن يقرر الأسد في ظل هذه التحذيرات المبهمة وصراعه من أجل البقاء، اختباراً محدوداً للخط الأحمر الأميركي، حيث استخدمت قواته السلاح الكيماوي على نحو محدود في منطقة أو منطقتين، بما يكفي فقط لإرهاب خصومه ومنع المتفرجين من شعبه الذين لم يلتحقوا بعد بالثورة بالتفكير ملياً قبل الإقدام على ذلك، ليبدو أن أوباما في النهاية يراهن على كسب المزيد من الوقت الذي لم يعد أمامه الكثير منه بسبب الضغوط المتزايدة على إدارته، أي الضغوط الداعية إلى التدخل. وهنا يؤكد أحد المسؤولين الأميركيين قائلاً: «الأمر لا يتعلق فقط بسوريا، بل يمتد إلى إيران التي تراقب باهتمام ما يحدث للنظام الذي تجاوز الخط الأحمر، كما أن كوريا الشمالية تراقب، والجميع يتابع ما يجري». وحتى قبل ظهور موضوع السلاح الكيماوي في الأسبوع الماضي، بدأت الضغوط تتصاعد على الإدارة من الكونجرس، حيث حض الرئيس الديمقراطي للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، حضّ أوباما على تزويد المتمردين بالسلاح، فيما اقترح رئيس لجنة الخدمات المسلحة إقامة «منطقة آمنة» تحميها الولايات المتحدة في المناطق الشمالية لسوريا، وهي الخطوة التي ستستدعي تدخلاً عسكرياً أميركياً على شكل قصف جوي وإطلاق الصواريخ، لكن أوباما رفض الفكرتين معاً. وقد سعى أوباما إلى كسب المزيد من الوقت من خلال الاستشهاد بتجرية بوش غير الموفقة في البحث عن أسلحة الدمار الشامل في العراق، فهذه المرة يصر الرئيس على التأكد تماماً من استخدام السلاح الكيماوي السوري، من خلال لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة، كما أنه يحاول إقناع روسيا بالضغط على الأسد لوقف العنف. والحقيقة أن الأسد إذا كان ذكياً سيوقف استخدام السلاح الكيماوي في المعركة على الأقل لفترة من الزمن، إلا أنه في ظل الهجمات المتصاعدة التي يشنها الثوار على دمشق ومخاوف النظام من خسارة العاصمة قد تدفعه إلى استخدامه مرة أخرى. وفي مؤتمر صحفي عقده أوباما يوم الثلاثاء الماضي، أوضح أنه من غير الممكن النأي بالنفس عن الصراع في سوريا، قائلاً: «نحن بالفعل منخرطون في محاولة لإيجاد حل هناك، ونحن موجودون في سوريا»، محيلاً إلى المساعدات غير الفتاكة التي تقدمها إدارته للثوار، بالإضافة إلى التدريب والمعلومات الاستخباراتية التي تزود بها أميركا المعارضة. وتراهن الإدارة على الوقت لحل الإشكالية السورية، بحيث تعتقد أنه مع مرور الزمن سيضعف الأسد، وتتنامى قوة العناصر المعتدلة ضمن المعارضة وتتوارى الأطراف المتشددة، مثل «جبهة النصرة»، وهو ما سيسمح لأوباما بإبقاء التدخل العسكري الأميركي المباشر في حدوده الدنيا وتفادي وجود قوات أميركية على الأرض، إلا إذا كان الهدف تأمين ترسانة سوريا من الأسلحة الكيماوية. ولعل ما يدعم موقف أوباما الرأي العام الأميركي غير المتحمس للحرب، حيث أشار استطلاع للرأي أجرته «نيويورك تايمز» ومحطة «سي بي إس» يوم الثلاثاء الماضي، إلى أن 62 في المئة من الأميركيين يعتقدون أنه لا مسؤولية لهم فيما يجري بسوريا. ويبدو أن أوباما يتفق مع هذا الطرح، ويراهن على عدم التدخل عسكرياً، لكن من جهة أخرى يمثل اندلاع حرب أهلية في بلد يمتلك السلاح الكيماوي، ويجاور ثلاثة حلفاء رئيسيين لأميركا أمراً لا يمكن التغاضي عنه. دويل مكمانوس كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©