الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بنجلاديش: دروس من كارثة «سفار»

3 مايو 2013 23:15
ها هو بلدي العزيز بنجلاديش في حالة حداد من جديد. ففي الأسبوع الماضي بمنطقة سفار، إحدى ضواحي العاصمة داكا، انهار مبنى يأوي مصانع ألبسة وشركات أخرى، مخلفاً مقتل أكثر من 300 شخص، علماً بأن الحصيلة النهائية قد تفوق 700 قتيل. والواقع أن بنجلاديش ليست غريبة على الكوارث، الطبيعية منها أو تلك التي هي من صنع البشر. ومع ذلك، فهذه الكارثة تعد واحداً من أكثر الفصول حزناً منذ حصولنا على الاستقلال في 1971، تحديداً لأن المأساة كان يمكن تجنبها بسهولة. ذلك أن نقاط ضعف بنيوية اكتُشفت ولم يتم تصليحها. كما أن الضحايا كانوا من بين أكثر فئات السكان ضعفاً وهشاشة في مجتمعنا -من الكادحين الذين يسعون لكسب قوت يومهم الهزيل بطريقة نزيهة. وكثير منهم قضوا وهم يصنعون ملابس لحساب علامات تجارية غربية. والواقع أنني أقدر الضيق، وعدم الارتياح اللذين قد يشعر بهما شخص غربي، عندما يعلم أن الملابس التي على ظهره خيطت من قبل أشخاص يعملون ساعات طويلة في ظروف مزرية. ومن الطبيعي أن الناس في البلدان الغنية يتساءلون الآن كيف يمكنهم ممارسة الضغط على بنجلاديش ومصنعيها حتى تحسِّن سجلها السيئ في السلامة. غير أن الكف عن شراء سلع مصنوعة في بنجلاديش، مثلما يقترح البعض، ليس هو الطريقة الرحيمة والتضامنية الأفضل للرد، وذلك لأن الفرص الاقتصادية التي وفرتها صناعة الملابس لعبت دوراً مهماً في جعل التحول الاجتماعي ممكناً في بلدي؛ حيث تعمل نحو ثلاثة ملايين امرأة الآن في قطاع صناعة الملابس. وقد كرستُ حياتي للتخفيف من الفقر، وأعرف أن مقاطعة العلامات التجارية التي تتعامل مع بنجلاديش لن تعمل إلا على زيادة تفقير أولئك الذين هم في أمسِّ الحاجة إلى توفير الطعام لأبنائهم، نظراً لأن تلك العلامات التجارية الغربية ستعمد بكل بساطة إلى أخذ عقود التصنيع إلى بلدان أخرى. إن كثيرين لا يفكرون سوى في المصائب، عندما يسمعون كلمة بنجلاديش -كحرائق المصانع، والأعاصير، والفيضانات، والفقر. غير أن بنجلاديش الحقيقية هي أيضاً منشأ التمويل الصغير وموطن مجتمع مدني قوي ونشط. كما أنها حققت مكاسب سريعة في مستويات المعيشة: ذلك أن معدل وفيات الأمهات هو اليوم ربع ما كان عليه في 1990؛ ووفيات الأطفال المبكرة هي اليوم خمس ما كانت عليه في 1980؛ كما أننا تمكنا من القضاء على الهوة بين الجنسين في التعليم الابتدائي والثانوي. ولكن هذه المكاسب الكبيرة لن تعني شيئاً إذا سمحنا لمآس مثل تلك التي وقعت في منطقة سفار بالاستمرار. ولذلك، يجب أن يطبق القانون على الجميع، الأغنياء والفقراء، والعمال وأصحاب المصانع على حد سواء. كما يجب ألا نسمح لأولئك الذين يستفيدون من استغلال الفئات الهشة والضعيفة بالاستمرار في معاملة الحياة البشرية بطريقة رخيصة جداً. فما هو الحل إذن؟ الواقع أن التغيير يجب أن يأتي من بنجلاديش نفسها؛ حيث يحتاج بلدي إلى إرادة سياسية جديدة لمحاسبة أولئك الذين يعرِّضون الأرواح البشرية للخطر عن وعي. كما تحتاج لدعم مالكي المصانع ومنظمات المجتمع المدني، ومنها المنظمة التي أشرف عليها؛ والقطاع الخاص، بما في ذلك المشترون الغربيون. ولكن الحلول تبدأ مع العمال أنفسهم؛ حيث يجب أن يسمح لهم مشغِّلوهم بتنظيم أنفسهم في إطار نقابات، وذلك حتى يستطيعوا الانخراط في التفاوض الجماعي وتحميل مشغليهم مسؤولية المعايير الأساسية للأجور والسلامة. فقوتهم التنظيمية هي الشيء الوحيد الذي يمكن أن يقف في وجه التحالف غير الخاضع للمحاسبة بين مالكي الشركات والسياسيين، والذين كثيراً ما يكونون هم الأشخاص أنفسهم. وعلاوة على ذلك، فإنه لا يمكن السماح لمالكي المصانع بالتهرب من مسؤولياتهم، لأنه لا عذر للإهمال الإجرامي. غير أنه لا يمكن أن نثق فيهم ونأتمنهم على القيام بذلك طوعاً. ففي بلد يضم 100 ألف مصنع في العاصمة وقربها، وثلاثة ملايين عامل في صناعة الملابس فيها، فإن قوة تفتيش يبلغ عددها 18 شخصاً لا يمكن أن تؤدي إلا إلى هفوات من جانب مشغِّلين لا ضمير لهم. ولذلك، يجب زيادة قوة التفتيش بشكل جذري، ويجب أن تحرص على تطبيق معايير السلامة بصرامة وحزم. وأخيراً، يجب على الحكومة أن تكف عن إهمال مواضيع سلامة العمال. غير أنه سيكون من الصعوبة بمكان القيام بذلك طالما أن هناك شبكة من المشغِّلين والسياسيين الذين يتواطؤون للتملص من المسؤولية عن الإهمال الإجرامي. وذلك، في نهاية المطاف، هو ما جعل آلاف العمال يعلقون في المبنى الواهي الذي انهار على رؤوسهم في سفار. إن «صنع في بنجلاديش» يجب أن تكون علامة فخر، وليس عاراً. والواقع أن المجتمع المدني البنجالي على أهبة الاستعداد للعمل مع السلطات من أجل تحقيق ذلك. ففي عقد السبعينيات، خلال السنوات الأولى من بناء الدولة في بلدي، كانت بنجلاديش مفعمة بحيوية الكفاح من أجل الاستقلال والتوق للتحرر من الاستغلال. ومن هذه الحيوية جاء التمويل الصغير، وأعمال الصحة المجتمعية، وابتكارات اجتماعية أخرى حوَّلت، إلى جانب الفرص الاقتصادية الجديدة في القطاعات التصديرية مثل النسيج، حياة عشرات الملايين من الفقراء، ولاسيما النساء. واليوم، وإذ أحزنُ على مواطنيّ الذين قضوا في هذا الحادث المأساوي، فإني أرفع صوتي لأقول إنه لابد من وضع حد لتكرار مثل هذه المآسي. وبينما نرثي موتانا، علينا جميعاً أن نعمل على إحياء روح التحرر. فضلي حسن عابد مؤسس ورئيس منظمة «براك» لمكافحة الفقر في بنجلاديش ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©