الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الزوج الوسواس

الزوج الوسواس
15 يوليو 2010 20:18
كنت في مرحلة الصبا عندما فاجأتني خالتي وهي تشير الى ابنها بأن هذا هو عريسي. كان يكبرني بعامين ولم اكن اعرف معنى الزواج ولا حقيقة علاقة الرجل بالمرأة، وبقدر ما كانت غرابة الكلمات على مسامعي، بقدر ما سعدت بها من دون ان اعرف لذلك سبباً، ربما تكون الفطرة الانسانية، غير ان هذه الكلمات المعدودة كانت المفتاح الذي فتح أمامي الباب المغلق، وبدأت بعدها اتجه بناظري وبعقلي وقلبي الى ابن خالتي، وكأنني ايضا اكتشفت من جديد انه في غاية الوسامة، وكنت أراه اكثر وسامة من نجوم السينما واكتشفت ايضا انني امام شخصية جذابة، عذب الحديث لا أمل البقاء معه وافتقده إذا لم يزرنا. أما في هذه الليلة فإنني لم انم من فرط السعادة، لانني اكتشفت ان ابن خالتي هذا يغار عليَّ وقد تملكه الغضب والضيق، عندما شاهد لي صورة وانا طفلة وفيها رجل صديق والدي يضع يده على كتفي، وطلب مني ان امزق هذه الصورة لانه لا يستطيع ان يرى احداً يلمسني مهما كان حتى لو كان عجوزا، وأنا طفلة، بل حتى لو كانت امرأة لانه غيور جدا ويريدني ان اكون له وحده، وكلماته لم تتضمن مفردات الحب المباشرة المعروفة، لكنها كانت اقوى وافضل منها جميعا، لانها جاءت معبرة عن مكنون قلبه، وهي المرة الاولى في حياتي التي اسمع فيها كلاما مثل هذا منه أو من غيره، فكان كالسهم الذي اخترق صدري وحرك اوتار قلبي الكامنة الساكنة، فقضيت ليلتي كلها وانا استعيد كلماته، ومحياه، وتعبيراته وهو يوجه إليًّ الامر المباشر، وان كنت قررت ألا استجيب له وألا انفذ مطلبه، ليس لانني غير راضية عنه ولا لأنني ارفضه، ولكن لتكون هذه الصورة ذكرى لهذا الموقف، وقد تستغربون انني تعلقت بها لانها كانت كلمة السر التي فجرت غيرة ابنة خالتي وجعلته يعلن موقفه صراحة ويبوح بمكنون قلبه لذا لن افرط فيها ولن امزقها، رغم انها تسببت بعد ذلك كثيراً في خلافات بيننا ولم اكن قادرة على قول الحقيقة وكنت اسوق له مبررات واهية غير مقنعة. أما عندما اشتريت بعض أشرطة الكاسيت والاسطوانات لعدد من المطربين الشباب لأعيش معها لحظات حبي له، وأردد معهم ألحانهم واعبر عن مشاعري واتعجل وقت اللقاء ولحظة التلاقي ويوم عرسنا، فقد أقام الدنيا ولم يقعدها، كأنني ارتكبت جريمة أو خيانة عظمى لأنني من وجهة نظره افكر في هؤلاء مثل كثير من المراهقات، ولا يستبعد انني احلم بواحد منهم ليكون فتى احلامي وأوصاف أخرى كثيرة على هذه الشاكلة، حتى انه كان غاضباً لدرجة عدم التفاهم أو منحي فرصة للرد أو التوضيح، ووصل الامر الى الخصام والقطيعة لعدة اسابيع، ولم تكن مصالحته بالامر الهين، ولا اقناعه يسيرا ولا اخفي ايضا انني وجدت في غيرته هذه ما يرضي غروري كفتاة، وكنت استمتع بتصرفاته ولو اظهرت له غير ذلك. وجاءت الثالثة، في حفل عرس إحدى فتيات العائلة: كان المدعوون جلهم من الاقارب والاصدقاء، وتزينت يومها وكنت محط الأنظار وتعمدت ان اتنقل هنا وهناك، والابتسامة تعلو وجهي والعيون تلاحقني، اما عيناه هو فقد كانت مسلطة عليَّ في كل حركاتي وسكناتي وانا الوحيدة التي تعرف ذلك وعلى علم تام بما يدور داخله لانه كان بادياً على وجهه، اذ انه يستنكر حتى مجرد حضوري ووجودي بين جمع من الناس ولو كانوا من أقاربنا، ولو كان الامر بيده لاصدر امراً بألا اخرج من البيت، لكنه لا يستطيع ان يفعل شيئاً فهو حتى الآن لم يتقدم لخطبتي رسمياً، وكل ما يربطنا كلمات جوفاء غير مسؤولة يمكن التنصل منها لسبب أو لآخر، واعترف بأنني بالغت كثيراً في كل التصرفات التي تبدو فيها غيرته الشديدة عليِّ ليس من قبيل استفزازه، وانما لانني اجد في هذا سعادتي وسروري واحب ان أراه دائما في لهفة سواء كان معي أو بعيداً عني. عدت مرة الى البيت لأجده في انتظاري كان يجلس مع أمي التي هي خالته، صامتاً، وقرأت في عينيه كل ما يريد ان يقول، وشعرت بانه يغلي كالقدر، وعصبيته ظاهرة لكنه غير قادر على ان يفصح عن شيء من هذا، وألقيت عليه التحية، وكالمعتاد تجاهلت حاله كأنني لا افهم شيئا، وان كنت لا اعرف حينها الى اين ذهب تفكيره، وظل معنا عدة ساعات لم يتغير عبوسه وبخله في الكلام، وبعدما غادر بلحظات فوجئت به يتصل بي ويسألني: اين كنت؟ ووجدت نفسي ارد عليه بشكل رسمي بلا تردد، من تكون انت لتسألني هذا السؤال هل انت اخي أم ابي أو خطيبي؟ واذا به يلوذ بالصمت ولا يجيب ثم ينهي الاتصال، ورغم انني لم اكن مستعدة للإجابة على تساؤله بهذا المنطق ولم أفكر في تدبير ذلك لكنني وجدت انني كنت موفقة وهذا الذي يجب قوله في مثل هذا الموقف، ولا انكر ايضا انني قصدت ان احرك ما بداخله، ونجحت خطتي وما رميت اليه، فبعد أيام كانت خالتي وزوجها في بيتنا مع ابي وامي يتفقان على زواجنا. لم تكن مفاجأة لي بل كان المتوقع، عندما التقى بي لأول مرة بعد اعلان الخطبة ان ينتحي بي جانبا ويخبرني عن رفضه لكل هذه المواقف السابقة ويحذرني ـ بلغة العشاق ـ من التمادي فيها أو الإتيان بمثلها مرة اخرى، لانه سيحاسبني وقد اصبح لديه المبرر الآن، ويومها تلقيت منه قائمة من المحظورات والممنوعات كلها في عدم التعامل مع جنس الرجال، وألا اذكر اسماءهم حتى لو كانوا موتى في القبور، وعدم ارتداء الملابس الضيقة أو القصيرة، وان اخبره عن كل تحركاتي مهما كانت حتى ولو داخل المنزل، وبالأحرى اقدم له تقريراً يومياً عن كل شيء، ولمحت في عينيه الماً، واشفقت عليه منه فرق قلبي له، وعاهدته ان انفذ كل ما يريد بالحرف الواحد. تم تجهيز شقة الزوجية واخترنا معا كل قطعة فيها، تسبقني إليها السعادة، فانا ارى انني متفردة بميزة ليست عند فتاة غيري، فزوجي مثل الصندوق ومفتاحه معي، وحدي وليس مثل الرجال ذوي العيون الزائغة فهو لا يرى واحدة غيري في هذه الدنيا، وكثيرا ما يعبر لي عن ذلك، واستشعر الصدق في كلامه، واكاد اطير فرحاً واحسد نفسي لأنني زوجة لرجل يفضلني على كل نساء الارض، انها صفة تفتقدها كثير من الزوجات في هذا العصر، فكم من زوجة تشكو اهمال زوجها، أو بخله في عواطفه، وقد يصل الامر الى معرفة امرأة اخرى عليها، أما هو فيتعجل الساعات والثواني لنكون وحدنا وننتقل إلى عشنا الهادئ. واخيراً استقر بنا المقام واكتملت السعادة والحلم وقضينا اجمل شهر عسل لا مثيل له في التاريخ، لكن قبل ان ينتهي شهد أول خلاف في حياتنا الزوجية، عندما جاء رئيسي في العمل وزوجته بهدية يقدمان لنا التهاني، ولم يرحب بهما زوجي كما كنت اريد، بل كان لقاؤه بهما جافا، رغم ان زيارتهما كانت لدقائق معدودة، وتناولا خلالها العصير، وفور مغادرتهما انفجر كالبركان في وجهي، وراح يؤنبني ويصرخ بأعلى صوته: كيف اسمح لرجل بأن يدخل بيته، وكأن هذا الرجل جاء خلسة في غيابه، وفشلت كل محاولاتي في اقناعه بان الرجل مثل ابي بل يكبره في العمر، وانه غاية في الاحترام والالتزام ولم يأت بمفرده بل اصطحب زوجته وجاء بعد ان ضربت له موعداً في وجودك ولم يصدر منه اي تصرف يجعلك تستنكر قدومه لتهنئتنا، واصبح بعدها يصاحبني ليوصلني إلى العمل ثم يعود في نهاية اليوم ليصطحبني الى المنزل، ورغم ان الرحلتين شاقتان عليه ولم تكن لدينا سيارة فإنه كان مصراً على ذلك، وان كان هذا لا يضايقني لكنني مشفقة عليه، وعندما لم يستطع الاستمرار فجر في وجهي قنبلة وامرني بلا نقاش بان اترك العمل، بلا مبرر أو سبب إلا غيرته، وامتثالاً لأمره ومن اجل رضاه، وافقت رغم انني غير مقتنعة بوجهة نظره، ولكن تهمني راحته واستقراره. وبقيت في البيت بلا عمل، والاعمال المنزلية لا تستغرق سوى دقائق معدودة لا تزيد على الساعة واظل بعدها ساعات لحين عودته لا أجد ما أفعله أو أسد به الفراغ في الوقت، وقد أصبت بالملل، خاصة اننا في فصل الشتاء وحتى النوافذ مغلقة ليلا ونهارا من شدة البرد، وكنت اتعشم ان يأتي الربيع ليغير بعض من هذه العادات الرتيبة المملة، لكنه عندما جاء لم يكن كما كنت اتعشم ففي اول يوم فتحت فيه النوافذ، كان تكراراً لليوم الذي زارنا فيه رئيسي في العمل بل أدهى وأمر، سمعت منه من الألفاظ ما لم اسمعه من قبل فهو لا يريدني ان ارى احداً أو يراني احد، حتى لو كان ابي أو أحد أخوتي، وزاد الطين بلة، عندما جاء بالطوب والاسمنت وسد كل المنافذ تماما، ولم يبق لمسكننا منفذ غير الباب الذي يملك هو وحده مفتاحه، وقطع عني كل الاتصالات وألغى خط هاتفي المحمول، ووجدتني في لحظات داخل سجن حقيقي، لا يقل عن اي سجن يقضي فيه السجناء العقوبات، محبوسة بين الجدران التي لا يدخلها حتى الهواء. لقد اكتشفت الان ان زوجي ليس محباً أو عاشقاً غيوراً، ولكنه مريض بالوسواس ويشك في كل تصرف مهما كان ويأتي بتفسيرات من بنات افكاره لا علاقة لها بالواقع فانقطع التفاهم وضاع التواصل وحل الشقاق لانه لو استطاع أن يضعني في حافظة نقوده ويغلق جيبه لفعل، حتى يضمن في غيبته انني لم أر احداً ولم يرني احد، وفشلت في تصحيح مفاهيمه، وكانت النهاية عندما عدت الى بيت ابي، وفوجئت به يوافق على الطلاق بمجرد ان لوحت به لاختبر مشاعره، لقد تأكدت فعلا انه مريض بالشك، وقد لا يجدي معه العلاج. فتركته وانا غير آسفة عليه.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©