الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

براءة مبارك «شبه مستحيلة»

براءة مبارك «شبه مستحيلة»
4 مايو 2013 12:13
(القاهرة) - في الطريق من وسط القاهرة إلى حلوان، باغتني سائق التاكسي عندما اقتربنا من سجن مزرعة طرة بسؤال: “هو هيخرج من السجن؟”، فكانت إجابتي “ما اعتقدش (لا اعتقد)”..لم يكن يحتاج أي منا ليسأل الآخر عن من نتحدث..الجميع هنا يعرف أن “هو” تعود على الرئيس السابق حسني مبارك التي عادت قضيته بقوة إلى الواجهة بعد قرار إحدى المحاكم إخلاء سبيله على ذمة قضية قتل المتظاهرين الشهيرة مع استمرار حبسه على ذمة قضايا أخرى. إن التساؤل عن إمكانية الإفراج عن الرئيس المصري السابق بعد نحو 440 يوماً من تنحيه عن السلطة في 11 فبراير 2011، أصبح أحد الأسئلة الكبرى للرأي العام والنخبة المصرية في واقع مضطرب يحمل كل يوم جديداً وقضية مغايرة للنقاش والجدل والاختلاف. ولعل عودة مبارك لصدارة الأحداث تجيء في وقت ما زالت فيه الشعارات الثورية تغطي شوارع القاهرة، وفي قلبها شعار “القصاص للشهداء”. ولكن بالتوازي، عادت صور الرئيس المخلوع لتغطي عدداً من السيارات الخاصة في تعبير واضح عن شعور البعض بالضيق من حكم “الإخوان”، وتفضيل النظام السابق على حكم “الجماعة”. مبارك يدفع ثمن «سهو» سرور! “لا يوجد قاضٍ في مصر قادر على إصدار قرار نهائي بالإفراج عن مبارك (85 عاماً) في ظل الوضع الراهن.. فنحن أمام سيناريو الخروج المستحيل”، هكذا تحدث مصدر قضائي مصري رفض نشر اسمه. وأضاف “إن القضاء المصري ما زالت تحكمه توجهات الرأي العام الذي لا يمكن أن يخذله بالإفراج عن الرئيس الذي ثار عليه الملايين في القاهرة والمدن المصرية”. وقررت محكمة جنايات القاهرة في 15 أبريل إخلاء سبيل مبارك في قضية قتل المتظاهرين بعد أن قضى عامين كاملين في الحبس الاحتياطي على ذمة القضية، وقبول النقض على حكم المحكمة بالسجن المؤبد للرئيس المصري السابق ووزير داخليته حبيب العادلي. ولكن عقب صدور قرار إخلاء سبيل مبارك، تقرر حبسه احتياطياً على ذمة قضايا الكسب غير المشروع وترميم القصور الرئاسية وتلقي هدايا من مؤسسة الأهرام الصحفية. وبدلاً من أن يقود قرار المحكمة إلى خروج مبارك من محبسه في مستشفي المعادي العسكري، قادته ابتسامته وتحيته لمؤيديه خلال الجلسة إلى الانتقال إلى مستشفى سجن مزرعة طرة مجدداً. وعقب قرار حبس مبارك على ذمة القضايا الثلاث (الكسب غير المشروع والقصور والهدايا)، تحولت شاشات الفضائيات المصرية إلى ساحة للجدل القانوني بشأن قانونية بقاء الرئيس السابق في السجن. فقد اعتبر فريد الديب رئيس هيئة الدفاع عن مبارك، أن رفض إخلاء سبيل الرئيس السابق في تلك القضايا بمثابة “مؤامرة”، متهماً النيابة العامة بالتعسف ضد موكله للإبقاء عليه في السجن. وهدد باللجوء للتحكيم الدولي في هذا الشأن. وهو الموقف الذي يتفق فيه مع الفقيه القانوني والدستوري المصري شوقي السيد الذي رأى ضرورة الضغط من أجل الإفراج عن الرئيس السابق لوجود شبهة تصفية حسابات وتشفٍ في استمراره بالسجن. في المقابل، اعتبر المحامي خالد علي المرشح السابق في انتخابات الرئاسة المصرية، أن “القصاص من الرئيس السابق هو أحد أهداف الثورة”. وكان علي اعتبر في تصريحات سابقة أنه في حال خروج مبارك من السجن وترشحه للرئاسة، فإنه من الممكن أن يفوز باكتساح في ظل حكم مرسي. وأكد عدد من محاميي المدعين بالحق المدني في القضية، أن خروج مبارك من السجن بمثابة “فضيحة” تنهي الثورة المصرية. هكذا انشغل الرأي العام المصري بقانونية وعدم قانونية إخلاء سبيل مبارك، وهي قصة قانونية معقدة يجب فهم تفاصيلها لتوضح الصورة الملتبسة. ويشرح المستشار محمد مصطفى، وهو رئيس محكمة بالجيزة الوضع لـ”الاتحاد” بقوله “إن مبارك استفاد من تشريعات فتحي سرور (رئيس مجلس الشعب السابق)، ولكنه يدفع الآن ثمن عدم استكمال سرور (الذي كان مقرباً جداً للرئيس السابق) التشريعات وعدم شرحها”. وإذ يبدو أن الوضع أصبح لغزاً أكثر تعقيداً للشخص العادي، يفسر المستشار مصطفى الوضع بقوله “إنه قبل عام 2006 كان من حق القاضي في مصر أن يمد الحبس الاحتياطي للمتهمين من دون حد أقصى، وفي تلك السنة سعى مجلس الشعب إلى أن يطابق التشريعات مع قواعد الأمم المتحدة للمحاكمة العادلة التي نصت على أن تكون مدة الحبس معقولة”. ولهذا السبب أقر مجلس الشعب برئاسة سرور - وبدفع منه - قانوناً يقضي بأن يكون الحد الأقصى للحبس الاحتياطي هو عام ونصف العام وعامان للقضايا التي يمكن أي يصدر فيها حكماً بالإعدام أو المؤبد. وفي هذا السياق، يمكن فهم حكم محكمة جنايات القاهرة في 15 أبريل الماضي بإخلاء سبيل مبارك بعد قضائه عامين في الحبس الاحتياطي على ذمة قضية قتل المتظاهرين في 2011، خاصة مع قبول الطعن المقدم في الحكم بالسجن المؤبد بالقضية نفسها، وبالتالي من الواضح أن مبارك استفاد من تشريعات سرور في 2006، وكأن رئيس برلمانه كان يستعد ليوم المحاكمة. وتاريخ مصر الحديث، يذكر حوار علي صبري رئيس الاتحاد الاشتراكي السابق، مع وزير الداخلية السابق شعراوي جمعة في أحد السجون عقب إطاحة الرئيس السابق أنور السادات بمراكز القوى خلال عام 1971، فوقتها وجه علي صبري اللوم لشعراوي على سوء أحوال السجون، وقال له “مش كنت تعمل حساب اليوم ده”!. لكن لماذا يدفع مبارك ثمن عدم استكمال سرور التشريعات، يقول المستشار محمد مصطفى “إن القانون 145 لعام 2006 بشأن الحبس الاحتياطي، أنهى إمكانية الحبس إلى ما لا نهاية على ذمة قضية، ولكنه ظل صامتاً بشأن إذا كان المتهم محبوساً على ذمة قضايا أخرى وأمضى عامين في الحبس دون صدور أي حكم عليه”. وهنا سكت المستشار عن الكلام، ووضح أن هناك إضافة لم يذكرها. وكانت الإضافة على لسان أحد القضاة، رفض نشر اسمه، وقال “إن روح التشريع تنص على استفادة المتهم من القانون الخاص بالحد الأقصى، فلا يمكن أن يكون المشرع قد أصدر قانوناً لمنع حبس المتهم أكثر من عامين على ذمة قضية من أجل أن يحبس إلى مالا نهاية على ذمم قضايا أخرى، فهذا يعتبر انحرافاً عن روح التشريع”. لكن لماذا أيضاً لم يستفد مبارك من روح القانون والتشريع، يقول القاضي “إن سبب هذا أنه لا توجد أي سوابق قانونية في هذا الشأن، حيث لم يتجاوز عمر القانون 7 سنوات، ولم تعرض على القضاء المصري قضية من هذا النوع من قبل، إلى جانب صمت كبار رجال الفقه القانوني عن هذا الموضوع لعدم تداوله”. فمبارك دفع هنا ثمن صمت المشرع، وبالتحديد فتحي سرور، عن إجمال مدة الحبس الاحتياطي عامين في القضايا كافة ما لم تصدر أحكام نافذة. «البراءة المستحيلة» واستغرب عدد من القضاة إسناد القضية إلى المستشار محمود كامل الرشيدي رئيس محكمة جنايات القاهرة. فالرشيدي معروف بأنه ليس من قضاة الصف الأول في مصر، فهو رئيس محكمة بالمرج (الدائرة الثانية بشمال القاهرة)، وهي دائرة نادرة ما تتصل بالقضايا الحساسة. ورجح كثيرون انتقال ملف القضية إلى الرشيدي بسبب اعتذار عدد من القضاة عن نظر القضية التي تشغل الرأي العام. ويقول أحد القضاة “إن الرشيدي هو أحد القضاة الذين يعرف عنهم النزاهة، إلى جانب بعده عن الأضواء والإعلام”، فهو “قاض صامت”. وتسلم الرشيدي الأسبوع الماضي أوراق قضية قتل المتظاهرين المتهم فيها مبارك ونجليه علاء وجمال ووزير داخليته حبيب العادلي و6 من كبار مساعديه ورجل الأعمال الهارب حسين سالم من محكمة استئناف القاهرة، وذلك تمهيداً للاستعداد لإجراءات المحاكمة التي ستبدأ أولى جلساتها في 11 مايو المقبل. وكان أول قراراته إلغاء تصاريح الدخول كافة السابق صدورها، سواء للمحامين عن المتهمين أو المدعين بالحقوق المدنية أو للصحفيين والإعلاميين أو لأسر المتهمين والضحايا وغيرهم. ووصلت قضية قتل المتظاهرين إلى الرشيدي بعد أن قضت محكمة النقض المصرية خلال يناير الماضي بنقض (إلغاء) الأحكام كافة الصادرة من محكمة جنايات القاهرة، سواء بالإدانة أو البراءة في قضية مبارك وجميع المتهمين، وإعادة محاكمتهم جميعاً من جديد أمام إحدى دوائر محكمة جنايات القاهرة غير التي سبق وأن أصدرت حكمها في القضية، ثم تنحى القاضي مصطفى حسن عبد الله عن نظر القضية. وكانت محكمة جنايات القاهرة برئاسة المستشار أحمد رفعت سبق لها وأن قضت بمعاقبة مبارك والعادلي بالسجن المؤبد بعدما أدانتهما بالاشتراك في جرائم القتل المقترن بجنايات الشروع في قتل آخرين خلال أحداث ثورة 25 يناير، وبرأت ساحة نجلي الرئيس السابق ومساعدي وزير الداخلية. والمستشار الرشيدي عرف الصحفيون المتخصصون في الحوادث اسمه للمرة الأولى عندما تنحى عن نظر قضية قتل المتظاهرين في المرج. ويعتقد عدد من القضاة أن جلسات محاكمة مبارك الجديدة ستشهد مواجهة عنيفة بين المستشار الرشيدي - المعروف بحزمه الشديد ورفضه لمطولات المحامين- مع المدعين بالحق المدني ومحاميي المتهمين. ويعتقد البعض أن الرشيدي قد يلجأ خلال أول جلسة إلى إصدار قرار بجعلها مغلقة ورفض إذاعتها تلفزيونياً. وذكر مصدر في السلك القضائي المصري أن الرشيدي سينتهي - على الأرجح - إلى إدانة المتهمين الرئيسين مبارك والعادلي وعدد من مساعدي وزير الداخلية السابق، مع إقراره ببراءة نجلي الرئيس السابق ورجل الأعمال حسين سالم في إطار أن الأوراق الموجودة بالفعل لديه تدين المتهمين الرئيسيين ولا تمثل دليل إدانة واضحاً لنجلي مبارك وسالم. وفي المقابل، رجح البعض أن يتنحى الرشيدي كما حدث في قضية قتل متظاهري المرج لتصل القضية إلى قاض آخر.! وعند عرض هذا الرأي على المستشار محمد مصطفى، قال “إن تاريخ القضاء المصري في القضايا الشهيرة - خلال السنوات الأخيرة - مثل قضية سعدالدين إبراهيم وغيرها، ينتهي إلى إصدار حكم ثانٍ ثم النقض عليه وقبول النقض ليصل إلى محكمة النقض للحكم عليه موضوعاً”. وبحسب محمد عبدالعاطي، وهو محامٍ مصري “فإن نقض قضية قتل المتظاهرين للمرة الثانية سيكون سهلاً في ظل وجود اكثر من 5 آلاف ورقة في القضية، وبالتالي يمكن للمحامين الوصول لثغرات في الحكم بسبب ضخامة الملف، ما يجعل مصيرها في يد محكمة النقض للحكم النهائي”. ويضيف “إن الحكم النهائي لن يصدر على الرئيس المخلوع ونجليه ووزير داخليته وأعوانه قبل عام على الأقل (خلال 2014)، إن لم يكن عامين”. ويقول القاضي الذي رفض الكشف عن هويته “إن مبارك لن يخرج من السجن”. ويضيف “إن حبس مبارك سيستمر في قضايا عدة ستقدم للنيابة ولن ينتهي الأمر عند قضايا قتل المتظاهرين والكسب غير المشروع والقصور والهدايا من الصحافة”. ويوضح أن “الإفراج عن مبارك قد يسبب ارتباكاً في المشهد السياسي وقلاقل لا تحتملها مصر في الوقت الراهن”. وكان جهاز الكسب غير المشروع قد أمر في 23 أبريل بتجديد حبس الرئيس السابق 15 يوماً على ذمة التحقيقات التي تجرى معه لاتهامه باستغلال نفوذ منصبه الرئاسي في تحقيق ثروة طائلة لا تتفق مع مصادر دخله المشروعة. حديث الصفقة؟ وسط هذا الجدل والغموض، أثارت تصريحات خيرت الشاطر نائب مرشد “الإخوان المسلمين” بشأن قبوله الإفراج عن مبارك مقابل رد أموال الشعب وإجراء استفتاء على الإفراج عنه، ردود فعل متباينة داخل الشارع المصري، ففي حين سارع “الإخوان” للتنصل من التصريحات، بادر البعض بقبولها وإن كانت وسط رفض شديد من القوى السياسية. وتساءل رفعت السعيد رئيس حزب التجمع اليساري السابق عن صفة الشاطر للحديث عن صفقة بالإفراج عن مبارك، باعتبار أن القضية ينظرها القضاء المصري. وبالتوازي، اعتبر عماد جاد القيادي في الحزب المصري الاجتماعي “إن تصريحات الشاطر تعبيراً عن سعي الإخوان للتدخل في مسار القضاء ورفض عمل مؤسسات الدولة”. وأضاف أن “الإخوان” يحاولون المساومة بورقة مبارك للخروج من الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي أفضت إليها سياساتهم الفاشلة. ويعتبر الكثير من القوى السياسية، أن الحديث عن صفقة لإخراج مبارك من السجن هي “عبث”. فلا يمكن لأحد أن يتدخل مباشرة في أحكام القضاء الذي يخوض حالياً معركة شرسة مع مؤسسة الرئاسة و”الإخوان”، بسبب محاولات تمرير تعديلات قانون السلطة القضائية. وبالتوازي، فإن إصدار محمد مرسي عفواً رئاسياً عن مبارك بمثابة “انتحار سياسي” لجماعة “الإخوان” في مصر. وأشار عدد من المراقبين إلى أن حديث الصفقة الهدف منه محاولة ابتزاز عدد من القيادات العربية التي كانت تحكمها علاقات طيبة مع مبارك لتعيد “المياه إلى مجاريها”، وتقوم بدعم الاقتصاد المصري، وإنهاء العديد من الملفات المعلقة بالتلويح بإمكانية الإفراج عن الرئيس السابق. رفض تظلم مبارك بقضية «الكسب غير المشروع» القاهرة (الاتحاد) - رفضت محكمة جنايات القاهرة في جلستها 28 ابريل الماضي برئاسة المستشار محمد عبدالله خلف الله تظلم الرئيس المصري السابق حسني مبارك على قرار استمرار حبسه احتياطيا على ذمة قضية اتهامه بتحقيق كسب غير مشروع، وأمرت باستمرار حبسه احتياطيا لمدة 15 يوما على ذمة التحقيقات. لكن فريد الديب المحامي عن مبارك اعتبر أن أوامر الحبس الاحتياطي لابد أن يتم تجديدها قبل مضي 6 أشهر عليها، وأنه في قضية مبارك تم حبسه منذ 12 مايو 2011 احتياطيا، ولم يتم التصرف في القضية، وبالتالي لم تتم مراعاة المواعيد القانونية في تجديد الحبس إعمالا لصحيح حكم القانون. اما مكتب النائب العام فرأى عدم جواز نظر تظلم مبارك على قرار استمرار حبسه احتياطيا على ذمة التحقيقات التي يجريها جهاز الكسب غير المشروع، معتبراً أن القانون لا يجيز التقدم باستئنافين أمام محكمة الجنايات على قرار استمرار الحبس الاحتياطي، ولافتا الى أن محكمة الجنايات قررت يوم 22 أبريل رفض تظلم مبارك واستمرار حبسه احتياطيا، وهو قرار نهائي لا يجوز الطعن فيه.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©