السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جسور الصحة والسلام

22 أكتوبر 2008 02:38
قَدّمت منظمات الصحة العالمية -عبر أكثر من عقدين- خدماتها لأناس في نزاعات إقليمية عبر العالم؛ ورغم أن المبادرات الصحية لم ولن تحقق السلام، خاصة حيث تكثر التوترات السياسية والثقافية والدينية، إلا أنها تشكل أحياناً آخر نقطة اتصال بين الأطراف المتنازعة؛ فخلال ثمانينيات القرن الماضي فُرِضت نزاعات مسلحة بين جماعة ''الكونترا'' في نيكاراغوا، وجماعات ''الساندينيستا'' على المجتمع الدولي ومنظمة الصحة عبر أميركا والمكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية، القيام بمبادرة ''الصحة كجسر للسلام''، وهي خطة موجهة نحو توفير الرعاية الصحية لشعوب تعيش في مناطق مزقتها الحروب في أميركا اللاتينية؛ وقد نتج عن عملها ما يسمى ''أيام السكينة'' في السلفادور والبيرو، التي تم خلالها تطعيم آلاف الأطفال ضد الشلل والدفتيريا والسعال الديكي والكزاز والحصبة؛ والملفت للنظر أن نشاطات منظمة الصحة عبر أميركا حصلت على دعم المسؤولين في كل من الحكومتين وقوات المتمردين، حيث شكّل القلق على الوضع الصحي أرضية مشتركة· استُخدِم التوجه نفسه فيما بعد في مناطق أخرى من العالم؛ فقد قامت جمعية الأطباء الإسرائيليين الفلسطينيين من أجل حقوق الإنسان منذ بتأسيس صندوقين للتعامل مع الإهمال الطبي -الذي أصبح عادياً في أوساط الفلسطينيين والعاملين المهاجرين الأطفال- هما صندوق الرعاية الطبية للأطفال الفلسطينيين والصندوق الطبي لأطفال العاملين الأجانب؛ وتُجري المنظمة كذلك نشاطات تدريبية للمهنيين الفلسطينيين في مجال الصحة، كما أصبحت مدافعاً رئيسياً عن الصحة وحقوق الإنسان في المنطقة· وفي العام 1995 دعا ملك الأردن الراحل ''الحسين'' مسؤولين من برنامج ''كندا للتبادل العلمي الدولي'' لإجراء سلسلة من النشاطات لرعاية تعاون أفضل بين الأطباء العرب والإسرائيليين؛ فقد شكّلت نسبة فقدان حاسة السمع المشتركة بين الأردنيين والإسرائيليين أساس مشروع لتوفير فحوصات سمعية للأطفال الرضع؛ كما توسع البرنامج الآن لتشجيع الرعاية الصحية للشباب والتغذية الإنجابية وإدارة الأمراض السارية· ونتيجة لذلك، تتمتع كندا والأردن وإسرائيل بنسبة جيدة من النشاط العلمي، وقد عمل الإسرائيليون والفلسطينيون معاً على إصدار منشورات وتنظيم حلقات دراسية علمية؛ وفي ديسمبر عام 2004 تم إصدار النسخة الأولى من مجلة ''الجسور'' برعاية منظمة الصحة العالمية؛ تنشر المجلة مقالات كتبها خبراء إسرائيليون وفلسطينيون في مجال الصحة تشكّل نماذج للنجاح في بناء جسور التفاهم بين الإسرائيليين والفلسطينيين· تبدو التجارب السابقة مجرد أمثلة بسيطة عما كان حتى الآن من تعاون نشط وملهم بين العاملين في مجال الصحة من الإسرائيليين والفلسطينيين؛ ورغم قيمتها الواضحة إلا أن هذه النشاطات ليست مدعومة عالمياً؛ كما أن هناك من يعتبر هذا النوع من التعاون ضغطاً لم يحن موعده بعد للدخول في تعاون فلسطيني إسرائيلي في مجال الرعاية الصحية؛ وحسب ما يصرح به هؤلاء، فهم يرون أن هناك أجندة سياسية وراء ''الخطة'' لفرض التعاون على الإسرائيليين والفلسطينيين؛ كما أنهم -حسب رأيهم- لا يؤمنون أن التعاون المهني والأكاديمي يمكنه أن يساهم بحق في التسوية ''حيث لم يتم تحقيق العدالة للفلسطينيين''· ورغم وجود بعض الصدق في هذا الموقف، فإن السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين لن يتحقق بين ليلة وضحاها؛ لا يمكن للمصالحة بين الشعبين أن تتم إلا من خلال توجه تدريجي؛ وهو ما عبر عنه رئيس الوزراء الراحل ''إسحاق رابين'' عندما قال: ''سوف يتم بناء السلام تدريجياً، يوماً بعد يوم، من خلال أعمال وتصرفات متواضعة وعدد لا يحصى من التفاصيل التلقائية''· ولكن هل هناك أسلوب أفضل من ذلك لبناء السلام بين العرب والإسرائيليين؟ حتى الآن يبدو بناء جسور الصحة هو أفضل لقاح ضد الحرب في أية منطقة يسودها انعدام الثقة والعنف· سيزار شلالا مستشار دولي في الصحة العامة على الصعيد العالمي ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''كومن جراوند'' الإخبارية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©