الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الروح العربية الجديدة

7 مايو 2011 21:07
منذ أعوام عدّة ونحن نسمع عن مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي ترسمه الولايات المتحدة وحلفاؤها. ولكن ما يحدث الآن في العالم العربي يبدو روحاً عربية جديدة يرسمها العرب أنفسهم. وقد بدأ هذا التغير الإيجابي من تونس، ولكننا لا نعرف أين سينتهي. وعلى رغم أن هذه الروح العربية الجديدة غير واضحة الملامح حتى الآن، وأن بعض البلدان ما زالت تعاني من مستويات مرتفعة من العنف، إلا أن التغيير حاصل. فيمكننا رؤية تغيرات في الاقتصادات والسياسات، وأيضاً استجابات بعض الحكومات العربية لمطالب المواطنين، بما قد يتيح المجال لنشوء ديمقراطية فعالة في البلدان التي نجحت فيها الثورة. إنها روح عنوانها الرئيسي التضحية من أجل المصلحة العامة ومن أجل الآخرين، حيث بدأت الثورة التونسية مثلاً بحرق المواطن التونسي محمد البوعزيزي لنفسه من أجل شعبه، فأصبح عمله هذا، في نظر البعض، رمزاً للحاجة إلى الثورة، ولذا تحضر محنته الثورية في أذهان آلاف العرب الآخرين عندما يخرجون في شوارع وميادين الدول العربية ليُعلوا أصواتهم من أجل التغيير. إن أحد أبرز ملامح الروح العربية الجديدة هو عدم العنف واحترام المصلحة العامة، فالمشاركون في الثورة المصرية على سبيل المثال قاموا بتنظيف النفايات والفوضى التي بقيت في ميدان التحرير بعد الثورة، فأظهروا احترامهم للبيئة وللمصلحة العامة. ثم هناك الاحترام الذي يظهر من خلال الاهتمام بالآخرين، والذي ظهر عندما شبك المصريون المسيحيون أياديهم وشكلوا حائطاً آدميّاً ليحموا مسلمين كانوا يؤدون الصلاة أثناء الاحتجاج. وقبل حدوث الثورة، دافع مسلمون عن كنيسة مسيحية وروادها من هجمات محتملة، فأظهروا ذلك الاحترام والتضحية. ولعل أبرز ملامح الروح العربية الجديدة هو التغييرات التي تحصل على الصُعد السياسية كافة، وخاصة التغييرات التي تشمل القوانين والدساتير في البلدان العربية. ففي مصر على سبيل المثال، تمت صياغة دستور مرحلي يتكون من 62 مادة، بما في ذلك ثماني مواد من دستور عام 1971 تم تعديلها نتيجة التصويت العام الذي جرى في 19 مارس. ونصت إحدى هذه المواد على تخفيض الفترة الرئاسية من ست سنوات إلى أربع سنوات. وفي تونس، سينتخب الشعب مجلساً في 24 يوليو من أجل تعديل الدستور. وفي خطاب تاريخي، أعلن أيضاً ملك المغرب عن إصلاحات سياسية مهمة للغاية، يتوقع أن تعزز المشاركة السياسية، وأن تدعم تجربة الدمقرطة والإصلاح بشكل كبير. وتشير التغيرات الاقتصادية والاجتماعية إلى جسامة التحول الذي يجري في العالم العربي بصفة عامة. فمن أجل تفادي حدوث المظاهرات في بعض الدول، بدأت السلطات في العديد من الحالات ببذل جهود مكثفة لتحسين حياة مواطنيها. وفي العديد من البلدان تم رفع رواتب الموظفين الحكوميين كافة، كما تم تحديد الراتب الأساسي الأدنى، حيث لم يكن هناك مثل هذا الراتب في الماضي. كما بذلت دول عربية أخرى عديدة جهوداً مماثلة، وأخذت تعمل بوسائل جدية من أجل أن تتفادى حدوث أي اختلال في الوضع الاقتصادي والاجتماعي القائم من خلال إجراء مثل هذه التغييرات. إلا أن هذه التغييرات، على رغم كونها إيجابيـة، ينبغـي أن تكون جذرية بشكل أكبر وتسمح بالتحول نحو ظهور نظام سياسي ديمقراطي في العديد من البلدان العربية. وفي نهاية المطاف، فقد أظهرت ملامح الروح العربية الجديدة اعتراف المجتمع الدولي واقتناعه بجيل الشباب وقيادته للثورة. ويأتي هذا الاعتراف بعد أن كان الشباب مهمشين، ويُنظر إليهم على أن همهم الأول هو حياتهم الشخصية فقط. وفي الحقيقة، تشير مؤشرات قوية في مختلف الدول التي تشهد الثورات حاليّاً إلى أن هذه التحولات التاريخية إنما تمثل في الواقع ثورات شباب. والحاصل أن هناك رياحاً جديدة بدأت تهبّ على العالم العربي، وأن الديمقراطية بدأت تعرف طريقها إلى هذه المنطقة. محمود أمين حشمة - كاتب أردني ينشر بترتيب مع خدمة «كومون جراوند»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©