الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السعداوي: الفنان يعيش في أوطان مثقوبة

السعداوي: الفنان يعيش في أوطان مثقوبة
15 يناير 2014 21:42
الفنان عبد الله السعدواي، ناقد وممثل ومخرج وكاتب مسرحي بحريني تجاوز مشواره الفني أربعين عاماً، قدم خلالها العديد من الأعمال المسرحية تأليفاً وتمثيلاً وإخراجاً، أمتع بها الجمهور الخليجي والعربي، ونالت إعجاب وتقدير النقاد. في جعبته أحلام وآمال ورؤى تتعلق بالمسرح ودوره، ورصيد يتجاوز العشرين مسرحية، وأربعة مسلسلات تليفزيونية، وفيلمين سينمائيين. فضلاً على جوائز وشهادات تقدير عدة، من أهمها جائزة الإخراج في مهرجان القاهرة التجريبي عن مسرحيته «الكمامة». قدم السعداوي للمسرح عمره كاملاً.. وهبه أجمل ما فيه؛ الروح الوثابة المخلصة، والإدراك العالي لحساسيته وأهمية دوره، والشغف الذي لا يتوقف بتلك المعشوقة الرائعة التي تسمى الخشبة، التي شهدت فرحه وألقه ونزفه وربما موته على أرضيتها.. أما آخر هداياه لها فهي مسرحية «عندما صمت عبد الله الحكواتي» التي شارك بها في مهرجان المسرح العربي في الشارقة.. هناك التقيناه، عقب العرض، وكان هذا الحوار. من أكثر ما لفت الجمهور في العرض المسرحي «عندما صمت عبد الله الحكواتي» الطاقة والحيوية الباذخة التي قدمها خلال العرض، والتي رافقت شخصية عبد الله الصياد في المسرحية، علماً بأن العنوان «عندما صمت عبد الله الحكواتي» يوحي بالسكون أو الكمون، بينما قدم هو الشخصية بعزف تشخيصي منفرد. كما يليق بعنفوان الشباب، ما فاجأ، بل أدهش أقرب المقربين له، لاسيما أن دوره دام لأكثر من نصف ساعة، من دون فاصل أو توقف لالتقاط الأنفاس، وقد علق السعداوي على سؤال عن سرّ تلك الحيوية والشباب المسرحي - إن جاز التعبير - قائلاً: «لا أدري بدقة، ولكن عندما أعيش الشخصية وأمسرحها على الخشبة، أكون «هو» عبد الله الصياد أو غيره، ولست «أنا» عبد الله السعداوي. السعداوي لا يعود إلى ذاته إلا بعد مغادرة الخشبة، ومع ذلك لا استطيع التخلص من الشخصية بسهولة طيلة أيام العرض. ولربما رافقتني بعض خصوصياتها لشهور بعد العرض. لأنني في الأساس أدرس الشخصية دراسة مركزة، وأبدأ بمعايشتها قبل العرض لفترة ليست بقصيرة. وعلاوة على ذلك عليك ألا تنسى أن فن المسرح بالأصل، هو فن صناعة الأمل والحلم والمسرة، بمواجهة البشاعة والقسوة والمتاعب، أي صناعة الحياة بكل ما تنطوي عليه من لهفة ورغبات واندفاعات جامحة». ?لماذا «الحكواتي» الآن؟ ??قضية الحكواتي قديمة في الموروث العربي، ومن خلالها حاول الفنانون العرب، محاكاة الماضي المضيء بالشخصية العربية، لاستحضار بعض خصوصياتها، التي أخذت تضيع، تحت وطأة التغريب والاستلاب، وقسوة الحداثة المشوهة، التي بتنا متلقين لها غير فاعلين بها، طوعاً أو كرهاً، نحن فقط مستهلكون. بهذا المعنى تكون قضية الحكواتي بمثابة محاولة فنية مسرحية هادفة لاستعادة الهُوية. أسباب للصمت ?إذن لماذا تيبس لسانه وصمت؟ ?? ما يلف العالم العربي من خيبات وانكسارات في الوقت الراهن، يجعل الحقيقة تضيع، فيصمت الحكواتي، ليترك الكلام لغيره من أبناء هذه المرحلة المتهالكة أو المتداعية، بل المتشظية على كل مستويات الرداءة الأخلاقية والفكرية والعلمية والاجتماعية، حتى الدين بات مدعاة للاحتراب والكراهية والأحقاد، بدل دوره الحقيقي في التعارف والتسامح والتحاب. ? عبد الله الصياد بدا مزهواً فخوراً قوياً، فهو القوال المتعالي، المالك للتاريخ، الممسك بعنان اللسان وناصية الكلام، الذي يروي للجميع حكاياتهم، ولكنه فجأة بدأ يحكي الحكاية عينها لمدة خمسة عشر عاما من دون نهاية، وعندما أدرك ذلك، لاذ بالصمت، ولم تفلح بفك عقدة لسانه، «أربع طبخات» و«أربع شمات عطر» ولا «أربع غرشات خمر»، أو سواها من خزعبلات المشعوذين. هل صمت الحكواتي بداية موته ودفنه، أم هو دفن مجازي لماضي وحاضر ومستقبل العربي؟ ?? المسرحية في الواقع تبدأ من صمت الحكاية، حيث تضيع الحقيقة، لأننا نمر الآن في أخطر العصور، وإذا كانت المسرحيات القديمة تبحث عن الحقيقة من خلال الفن، فإننا في زمن الاستنساخ، بل زمن المسخ والتشويه، الذي أصاب الهُوية العربية بمقتل، لأن الأصل آخذ بالاضمحلال تدريجياً ويكاد يختفي أمام أعيننا، وأصبحنا في الوقت الراهن أمام مئة مزقة ومزقة للهُوية. الحقيقة تاهت، لأن تحالف الإعلام والتقنية والعلم تغول، وصار يعمل ضد إنسانية الانسان، الذي كان منذ الأزل يجد حقيقته بالمسرح والفن عموما. الإنسان الآن يقف أمام كم هائل مما تضخه وسائط الاتصال الحديثة، ولكنه يمر عليها من دون القدرة على التوقف لالتقاط أنفاسه، ما يحول من دون القبض على المعرفة، فالبحث عن الحقيقة اليوم بات كما البحث عن إبرة في كومة قش. نشاهد التليفزيون ونقرأ على الشبكة العنكبوتية، وتتعدد القنوات أو المصادر، وتتعدد معها الحكايات المتلاحقة باندفاعة قوية غير مسبوقة، ما يجعلها حكايات ملتبسة، بل مخاتلة، ويصير البحث عن الحكاية الحقيقية ضرباً من الهلوسة، خصوصا مع تداخل الأزمنة ببعضها البعض واتساع رقعة الرقابة الناعمة بكل أشكالها. ? ماذا تقصد بالرقابة الناعمة على وجه الدقة؟ ?? المشكلة التي وقعنا فيها الآن معقدة. في الماضي كان الاستعمار يستعمر البلد، وكان الدفاع عن الأرض أو الوطن ممكناً، ومبرراً ومفهوماً. أما في الزمن الراهن فقد تغيرت الأمور وتبدلت، بحيث لم تعد القوى الكبرى تستعمر البلد، وإنما تستعمر زمنك وتستعمر الذاكرة بالأساس، وتستعمر البيت من خلال الضخ الثقافي، ومن يفتقد البيت يفتقد الهُوية. وصمت الحكواتي بهذا المعنى، هو فقدان للزمن، وكأن الزمن شاخ، لأن كل ما قام به الناس أصيب بنكسة كبيرة. نحن الآن أمة مصابة بنكسات عدة، ولكننا نسعى لتجاوزها والنهوض مجددا، إلا أن المسرح في هذه المرحلة يواجه أخطر تحالف شيطاني بين الظلام والتنوير، - إن صح هذا التعبير - ( يقصد تحالف الإعلام والتقنية والعلم مع القوى الظلامية الإرهابية)، وبالتالي تتضاعف مسؤولية الفن والفنانين لكي تستيقظ العنقاء، وتخرج من الرماد، وتطير في الفضاء، ويؤشر عليها الأطفال. لذلك خرجت الحكايات من الحكواتي، لكي تسكن في الناس الذين كانوا صامتين ويخجلون من مواجهة أنفسهم، ويخجلون أن يقولوا حكاياتهم ولو مرة، وحينما أفاضوا بها، استطاعوا لأول مرة أن يقفوا أمام أنفسهم من دون الحاجة لمن يحكي لهم. فالشعب القوي لا يحتاج إلى أبطال وإنما هو بحاجة لأن يكون له صوت ليحكي فقط. دور المسرح ? وسط كل هذا الاستلاب والتمزق الذي تتحدث عنه، أما زال هناك دور فاعل للمسرح في حياة الناس؟ ?? نحن أبعدنا من حياتنا المسرح والفن عموما، وحاولنا بكل الطرق قتل الحواس وقتل الطفل الذي كان يوما ما يسكننا كأفراد. والمسرح بهذا المعنى قد لا يستطيع أن يشكل وجدان الناس أو أن يغير الأوطان، لكنه ما زال يحتفظ بقدرته على خلق الدهشة لدى الإنسان، وقادر أن يعيد له حواسه، وأن يمكنه من الوقوف مجدداً أمام الطفل الذي كان ذات يوم. ربما تكون المهمة صعبة، لكن من عادة المسرح أنه لا يستسلم وإنما يحاول ويحاول باستمرار. ولكن المؤسف أن يتحول المسرح إلى مكب للنفايات في العالم العربي، في هذه المرحلة بالذات، كما حصل مع المسرح العراقي الحديث في بغداد. ويوجعني أيضاً مغادرة عدد كبير من المسرحيين حزناً وكمداً، والغصة بحلوقهم، على هذا الوطن الكبير وعلى الحلم الذي نفقد منه كل شيء. ومع ذلك المسرح والمسرحي، يحاول أن يشخبط على الجدار، أن يذكر بوجوده، بوجود الناس، وما زال محكوماً بالأمل، على رأي سعدالله ونوس «رحمة الله». ? ألا تعتقد أن الفنان يتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية؟ ?? ربما بعضهم، لأنهم توجهوا إلى التليفزيون بحثاً عن الشهرة والمال. ? أتظن أن الهَمَّ الأخلاقي والوطني - بالمعنى الإنساني - تراجع في وجدان الفنان؟ ??الظروف الاجتماعية تحاصر الفنان أحياناً، وفي حالات أخرى يصل إلى قناعة أنه لا جدوى من المسرح، بالمفاضلة مع المصلحة الذاتية. وهناك حلقات أخرى من الأسباب متصلة ببعضها، لأن المجتمع عندما يتخلف، تتراجع معه نسبة الوعي بالقضايا الإنسانية، وتسود فلسفة «أنا ومن بعدي الطوفان». فالفنان الأصيل الذي يريد تقديم مسرح جاد، وتقديم المتعة البصرية والذهنية، ويتصدى للقضايا الإنسانية، لم يعد موجودا بالشكل الذي نطمح إليه. حتى حب الأوطان لم يعد تلك القضية التي تستحق التضحية من أجلها. ?ماذا تريد أن تقول، هل هناك مشكلة بالشخصية العربية الراهنة؟ ?? العربي في المرحلة الراهنة، يواجه مشاكل عدة على كل المستويات، بسبب النكسات المتلاحقة التي مرت عليه، وما زالت تمر حتى اللحظة الراهنة بأخطر من سابقاتها، حتى صار يجد نفسه غريباً بوطنه. الفنان في فترة من الفترات كان يتحمل هذه المسؤولية، وينهض بها بجدية وحس مسؤول، لكن الضربات توالت عليه من الداخل والخارج، حتى وجد نفسه في أوطان مثقوبة. ?في ظل هذا الواقع، إلى أين يمضي المسرح العربي؟ ?? المسرح العربي مستمر مادام العربي موجوداً. ?تعني أن الفن المسرحي مازال ماضياً بدوره التنويري في العالم العربي؟ ?? الحديث عن دور تنويري للمسرح، مسألة لا تحتاج إلى نقاش، ولكن المشكلة بحجم هذا الدور، فإن كان الإقبال على المسرح كبيراً يكبر دوره، وإن تراجع الإقبال يتراجع دوره، هذا هو الأمر ببساطة. ومع ذلك فإن الجهابذة الذين قادوا الدور التنويري في الماضي هم أنفسهم وقعوا في إشكالية، مثلا الطهطاوي كان يرفض اللباس الغربي ويعيبه، ولكنه في النهاية ارتداه. لقد ذهبوا إلى الغرب ووجدوا أن هناك ثمة فارقا كبيرا ما بين الغرب وأوطانهم، فحاولوا قدر الإمكان أن يأتوا بهذا الغرب ويضعوه أمامهم، باعتباره المثال الكلي للحضارة، في الوقت الذي كان المسرحيون والفنانون الغربيون عموماً، يهاجمون هذه الحضارة الغربية المتوحشة، التي أسست للإرهاب بكل ما تعنيه هذه الكلمة. ?أوضح؟ ?? بمعنى أن الناس استبشروا خيراً بالثورة الفرنسية، واعتبروها طريقاً للتنوير، لكنها أكلت أبناءها، وجاءت بنابليون كمشروع استعماري لاستعباد الآخرين. وكان الفنانون الغربيون يدركون هذا الأمر، ويهاجمونه، مثل التشكيلي الفرنسي غويا، الذي كان يعتبر التنوير كذبة، ورغم ذلك انقاد من يسمون أنفسهم برواد التنوير العربي إلى نموذج التنوير النابليوني من دون تفكير أو مراجعة. ? كلمتك الأخيرة للمسرحيين الشباب؟ ?? أتمنى على الشباب أن يتجهوا إلى المسرح، وإن لم يكن من خلال التمثيل والإخراج أو الكتابة، فعلى الأقل من خلال التلقي والمشاهدة. لأننا قد نشاهد آلاف المسرحيات، وقد لا يكون معظمها بالمستوى الجيد، لكن مواصلة الذهاب إلى المسرح هو حالة مهمة، لأننا قد نصادف ونلتقي بالعرض الذي يجعلنا نقف أمام أنفسنا ونسائلها، لأن السؤال هو أساس هذا الوجود، وإذا استطعنا أن نسأل جيدا، خير من أن نستمع إلى إجابات تلقينية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©