الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جدل في فصل الدين عن الدولة وحرّية العقيدة والمساواة

جدل في فصل الدين عن الدولة وحرّية العقيدة والمساواة
23 أكتوبر 2008 00:38
مع أن فرح أنطون (1874 - 1922) شكّل صوتاً مهمّا في محاولات النهوض العربية في العصر الحديث إلاّ أن اسمه لا يحظى بالشهرة نفسها التي حامت حول بعض معاصريه كالشيخ محمد عبده وقاسم أمين· كتاب أنطون ''ابن شد وفلسفته'' التي أصدرت دار الفارابي في بيروت طبعته الثالثة، أخيراً، يكشف لقارئه: كيف أنّ العرب، والمسلمين منهم خصيصاً، لم يستفيدوا من فكر هذا العقلاني الكبير الذي يشير اسمه إلى الهويّة المسيحية العربية؟ في هذا الكتاب، على وجه الخصوص، يستطيع القارئ أن يتعرّف على أبرز ملامح فكر أنطون وتميّزه عن بقية معاصريه، وأبرزهم محمد عبده الموصوف بـ (الأستاذ)· الكتاب يتناول حياة وفلسفة ابن رشد وزمنه، من خلال مقالات نشرها أنطون في مجلة (الجامعة)، مع ردود عليها من قبل الشيخ محمد عبده نشرت في المجلة نفسها، قام أنطون بتلخيصها وعرضها بشكل موسّع وواضح قبل أن يعقّب عليها في جدل ملفت ومثير في حججه ومعلوماته· هكذا يمكن للقارئ أن يتفهم جدل المعرفة لدى ابن رشد، حول: العالم ووجوده، الإنسان وحرّيته، العقل الخالد العام والفاعل الذي ينفصل عن المادة ويضم كل تجارب النّاس ويبقى خالداً، والعقل الخاص المنفعل الفاني مع جسم الإنسان، وما يجمع الحكمة والشريعة ويصل ما بينهما· وكذلك آراء أنطون في: فصل الدين عن الدولة كضرورة نهضوية، وحرّية العقيدة ومساواة الجميع على اختلاف مذاهبهم، و تأكيد مكانة العقل· أو كما دعا عبده: للعودة إلى الإسلام الأول النقي، والتوجه بعد ذلك نحو الغرب؛ وتبشيره بمستقبل يسود فيه دين الإسلام وحده، وقوله بعدم فصل الدين عن الدولة· العدو المشترك من أبرز السجالات، ما بدا في محاولة محمد عبده العمل ''على هدم المسيحية كدين لا عقلي''، من موقع (عقلي إسلامي)؛ ليرد عليه فرح أنطون: ''أن مثل هذه المهمة زائفة عقلياً، لأن هدم أسس المسيحية كدين هو بمثابة هدم أسس الدين عموماً، أي كل دين، بما في ذلك الإسلام''· و''إذا كان الأمر كذلك، فليحجم محمد عبده وغيره من مثل هذا النقد المسدود الآفاق، ويجلس على مائدة الحوار'' مع الآخرين لحل مشكلاتهم المشتركة والالتفات إلى الكفاح ضد العدو المشترك، التخلف والانقسام في الداخل، والأغوال الهائلة المسلحة بالأسلحة الجهنمية في الخارج''· وليتضمن الحوار ''الإقرار بمجتمع مدني يقوم على الحرّية والتآخي والإنسانية''· يتناول أنطون نشأة ابن رشد وأسرته، وازدهار الفلسفة في الأندلس قبيل ولادته، وفي عصره، ثم اجتماع البعض على كره الفلسفة، وإنصات الخليفة المنصور إلى وشاياتهم، ليصدر منشوره بمنع الفلسفة، وأمره بإحراق الكتب سوى كتب الطب والحساب والمواقيت· ومع هذا كان المنصور يدرس كتب الفلسفة في السر ويخفي أمره· بدت محنة ابن رشد مع معاناته من الاضطهاد جراء تأويل أفكاره والوشاية به لدى الخليفة، ومن ثمّ نفيه إلى بلدة (اليسانة) القريبة من قرطبة، التي يسكنها اليهود، حيث بقي فيها حتى قبل وفاته بسنة· ولعل في ما يذكره عن بعض ما واجهه، نكتشف مدى حجم المحنة التي عاشها، إذ يقول: ''أعظم ما طرأ عليّ في النكبة أنّي دخلت أنا وولدي عبدالله مسجداً بقرطبة وقد حانت صلاة العصر فثار لنا بعض سفلة العامة فأخرجونا منه''· ورغم ارتباط ابن شد بالمسجد، كما في قوله هذا، وهو قاضي القضاة الساعي إلى التوفيق بين الحكمة والشريعة، فإنّ أقوال المشككين بعقيدته ووشايات المنتفعين من تغييبه لم تتوقف، ربّما حتى بعد مئات السنين من وفاته، ولهذا اعتبروه يهودياً حيناً، ومسيحياً حيناً آخر، وكافراً في أحايين كثيرة· كان اليهود أوّل من نقل كتب ابن رشد إلى العبرية واللغات الأوروبية، فتاريخ الفلسفة الرشدية، حسب أنطون، إنما ''هو تاريخ الفلسفة اليهودية والفلسفة الأوروبية''· قبل انتشار فلسفة ابن رشد في أوروبا، مع ميخائيل سكوت عام 1230 كانت الفلسفة فيها ''عبارة عن تعاليم لاهوتية مجموعة من عدّة كتب مختلفة مما كتبه أصحاب المذاهب اللاتينية''· فلما دخلت فلسفة العرب ''حصلت أوروبا بذلك على مجمل فلسفة أرسطو '' بشروحات ابن شد· القديس توما وقف ضد الفلسفة الوافدة، التي بدت قادرة على المواجهة والانتصار، لكن ذلك كان إلى حين، حيث انتشرت الفلسفة اليونانية وحلّت مكانها· مع هذا فإن الفلسفة الحديثة أزالتهما معا في ما بعد· فقد ''تحملت فلسفة ابن رشد هجمات أنصار أفلاطون واللاهوتيين ومجمعي لاتران وترانته واضطهاد ديوان التفتيش، وردّت الجميع على أعقابهم خاسرين، ولكنّها لم تستطع التغلب على الفلسفة الحديثة الجديدة المبنية على التجربة والامتحان والمشاهدة''، فلسفة ليوناردي فنسي وبرنو وساري واكونريو و''غاليله الذي غيّر وجه الأرض باكتشافه دوران الأرض'' وديكارت ولوك ولبنز ونيوتن وفرنسيس باكون· * الكتاب: ابن رشد وفلسفته * المؤلف: فرح أنطون * الناشر: دار الفارابي - بيروت، الطبعة الثالثة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©