الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

لماذا رفض جان بول سارتر «نوبل للآداب»؟

لماذا رفض جان بول سارتر «نوبل للآداب»؟
12 سبتمبر 2016 13:40
نوف الموسى (دبي) يُقال إن الشاعر الهندي المعروف «طاغور»، كان له موقف تجاه الحفاوة التي أبدتها الجامعات التعليمية، بعد أن نال ديوانه الشعري «جيتنجالي» جائزة نوبل، مبيناً أنها تصب في صالح الجائزة، وليس أعماله بشكل أساسي، بينما جاء رفض الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر للجائزة واضحاً في إصراره على التحقق الوجودي، وأهمية أن يتم هذا التحقق بتعميق الرؤية الداخلية للذوات الإنسانية، وليس بالبحث عن تضخيم حيز الجائزة، والابتعاد عن المعنى الفعلي للمتعة التي يستشعرها الإنسان طوال رحلة إبداعه. وسؤال «لماذا رفض جان بول سارتر نوبل؟»، يستدعي تجربة متكاملة حول مفهوم «الإبداع» والدخول في حالة الخلق التامة، بعيداً عن الإسقاطات المجتمعية الخاصة برؤية الفرد لمفهوم «الاعتراف به» أو ما يسمى بـ«التقدير»، كاشتراط مقترن بإبداعه، وهو الأمر الذي يكاد يكون ملحوظاً في مختلف الأوساط الإبداعية، وبعمق، بل وربما تسبب في انكماش المبدعين، وانحسار إنتاجهم، وصولاً إلى فقدانه وانعدامه، وبذلك أصبح البحث عن التقدير بمثابة إشكالية غير واعية تكبل الراغبين في خوض سحر الإبداع ووضع الذات أمام اختبار التدفق الروحي والكوني. ربما لا يدرك المبدعون أن بحثهم عن الاعتراف بإبداعهم، يُعد فضحاً صارخاً لما يدعونه من مشاركة في الإنتاج الإبداعي لأنه يعني أن بهجة هذا الإبداع لا تكاد تصلهم، أو لا تكاد تشعرهم بتقدير الحياة لهم، بأن جعلت منهم معبراً للجمال، ومن هنا تحديداً.. يأتي السؤال الجوهري: إذا كنت فعلاً تحب عملك، الحب الذي تكتمل فيه، وتقدم فيه نفسك كتجسيد للجمال الكوني، ماذا سيضيف وسيغير تقدير المجتمع حينها؟! لماذا يغيظك؟ لماذا يستوقفك؟ ولماذا تصاب بالشلل عن فطرة المشاركة للمشاركة، دونما مقابل؟ أغلب البحوث التاريخية، تدل على أن الأعمال الإبداعية التي قدمت فضاءات من التحول العميق في المشروع الإنساني، احتاجت سنوات وقروناً لاكتشافها، وأغلبها تم الاعتراف بها بعد وفاة مبدعيها ومنتجيها، والسر الفعلي يكمن في أن وعي المجتمع العام متأخر عادةً عن الوعي اللحظي الذي يعيشه المبدعون. وبالعودة إلى تجربة الشاعر الصافي والنقي، بإحساسه المتجلي في قصائده، «طاغور»، فإن ديوانه «جيتنجالي» المترجم من لغته البنغالية إلى الإنجليزية بعنوان «قربان الأغاني»، كان متوافراً ولسنوات باللغة البنغالية وبعض اللغات الهندية، لكن الهند نفسها، لم تعِ حضوره إلا بعد الترجمة، رغم معرفتها باللغة الأم لقصائد طاغور، وأمام كل التلميحات النقدية بأن شعر طاغور أجمل بالبنغالية، ولم تستطع الإنجليزية نقل الهارموني الدقيق لموسيقى لغة البنغال، إلا أنه تم التعريف به كأهم شعراء الشرق. ماذا تفعل الجوائز بالمبدعين عادة؟ فعلياً لم تُفسَّر مسألة رفض مبدأ الجائزة، كتجربة مفصلية في الحياة الثقافية، وليس الهدف أن نجعل من الجائزة محفزاً سلبياً في هذا النقاش، جلّ ما في الأمر التوقف عند مفتاح جيد للسعي باتجاه أعمق لوعي الإنسان بنفسه، والهدف الأسمى من إبداعه، وتحويل المقياس الفعلي، من رضى (خارجي) قائم على تقييم وقوانين ومعايير، إلى مسألة الحضور (الداخلي) للمبدع، المرتبط باستمرار بالعطاء الأزلي، فإذا جاءت الجائزة أو حتى الاعتراف المجتمعي أو غيره، فهو جيد، وإذا لم يأت، فإن ذلك يجب أن لا يؤثر في متعة المشاركة بفعل الجمال الإبداعي، وموقف سارتر دليل حازم يضع المبدعين أمام مسؤولية حقيقية تجاه أنفسهم! والابتعاد كلياً عن «اتكالية» القبول والاعتراف والتقدير. مثل هذا الوعي الداخلي ينتج عنه تطور ونمو روحي، نراه في قصيدة للشاعر طاغور، يقول فيها: (أنت خلقتني إلى ما لا نهاية، وهكذا هي اللذة. هذا الوعاء الرهيف يفرغ مرة تلو الأخرى، ويمتلئ للأبد بالحياة اليانعة. هذا الناي من القصب اجتاز التلال والوديان، وتنفس فيها أغانيه الجديدة، دائماً. وبلمسة أبدية من يدك يفقد قلبي حدوده في البهجة ويلد ما لا يوصف من منطوقات. هذه الهدايا التي لا تحصى تأتيني فقط، في هذه الأيادي الصغيرة التي هي لي. تمر العصور، وما زلت تمنح، وما زال هنالك مكان ليمتلئ بعطاياك). في إطار الفكرة ذاتها، حصدت الكاتبة الأيرلندية أيمير مكرايد، مجموعة من الجوائز عن روايتها الأولى «A Girl is a Half-formed Thing»، واللافت في تجربة الروائية، أن روايتها تم رفضها من عدة ناشرين لمدة 9 سنوات، إلى أن قبلت دار نشر صغيرة طباعتها في سلسلة من 1000 نسخة، في العام 2013. ورغم الحفاوة المتجلية للرواية بعد ذلك، فإن الكاتبة الأيرلندية أيمير مكرايد قالت إن كل شيء خرج عن السيطرة، مضيفة أن الموضوع دمر حياتها الشخصية 18 شهراً، وتصريحها بالمجمل يستدعي التأمل، لفهم تجليات الجائزة، وأثرها في طبيعة الإنتاجات المقبلة للكاتب والروائي ومنتج الحالة الإبداعية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©