الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الترجمة: الفضول أم الحسد

الترجمة: الفضول أم الحسد
23 أكتوبر 2008 00:46
تعد الترجمة عاملا مهما لربط الثقافة الوطنية بالعالمية من أجل تطوير الذات والبحث عن استلهامات انسانية مغايرة للمألوف لمزيد من الدهشة والابداع· ولذلك فإننا عن طريق الترجمة يمكن أن نعرف خصوصية المجتمعات الأخرى ومن ثم نصل الى مقارنة أنفسنا بالآخر· وهذه المقارنة توصل الى فهم مختلف للذات وهو ما يمكن تسميته باكتشاف الذات عن طريق الآخر· ولعل ما يقود الناس الى ترجمة ثقافة الآخر في المجتمعات القديمة دافع غريب ومسوغ يكمن في الفضول والغيرة أو الحسد، وهما دافعان مستمران حتى اللحظة المعاصرة· فالأولى ممتعة ومفتاح للتطور والاكتشاف أما الثانية، أقصد الغيرة أو الحسد، فتدفعها دوافع نقيضة لما هو ثقافي، وتتجلى في الأخذ والمراقبة من أجل حماية الذات لتظل باستمرار متجاوزة للآخر· ولذلك فان مشاريع الترجمة إذا ما سخرت لخدمة أيديولوجية ضيقة فانها سرعان ما تفشل، وفشلها هذا يجعلها تنسحب من حياتنا دون ان تحدث تأثيرا حقيقيا، لأن كل ما كان يشغلها يتجسد في متابعة الآخر لتصيد عيوبه وفهمه من أجل مقاومته وتدميره· يمكن هنا التذكير بالقصة القصيرة جدا لفرانز كافكا ''شعار المدينة'' وقد ترجمها صالح كاظم ترجمة ممتعة، وهي قصة تتحدث عن الإعداد لبناء برج بابل الموصل إلى السماء، فبدلا من أن يعمل الناس على بناء البرج انشغلوا ببناء حي للإسكان· وبعد أن تم بناء حي الإسكان تفجرت الصراعات بين العمال بغية الحصول على أفضل سكن وأقربه إلى مكان العمل بدافع الغيرة والحسد، ثم انتهت الخلافات والصراعات، وانصرف السكان إلى تجميل مدينتهم، مما أدى الى انتشار الحسد الذي أدى بدوره لنزاعات جديدة مع المدن المجاورة· ولذلك توقف بناء البرج وانتهى· إن الترجمة تحتاج منا أن نتروى كثيرا، وأن نخطط لها بدافع الفضول لا بدافع الحسد والغيرة، لأنها إن كانت كذلك فسيكون مصيرها مصير برج بابل في قصة كافكا، وعلينا أن ننصت إلى أنفسنا وسياقاتنا المحلية ونبحث في حاجاتنا، وأن لا نربط احتياجاتنا على مظاهر مفرغة من البعد الحيوي ومسندة على التنافس والغيرة والحسد فحسب، وتقتضي منا فكرة الفضول أن نكون كالرحالة الذي لا يحدد نفسه بحدود، وإنما يظل باستمرار مستكشفا الغابات، وعابرا الحقول، وقافزا من جدول إلى آخر، ومتتبعا الأنهار، وهذا مما لاشك فيه يجعل فكرة الترجمة غير مقيدة لخدمة الأغراض المؤقتة والتجارية والإعلامية المبهرجة· ونستطيع أن نغرس فكرة الفضول هذه في القراء عن طريق التركيز على الأطفال، أولئك الذين ظلوا غائبين عن مشاريع الترجمة غير الربحية إلا فيما ندر· وننسى جميعا أن تنمية ذائقة الطفل العربي لتحفيزه على التفاعل والتسامح والتقارب الثقافي عن طريق ترجمة الأعمال المؤثرة في مجال الكتابة للطفولة تأتي أكلها بشكل مباشر·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©