الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إيف بونفوا: الشعر يمكن أن ينقذ العالم

إيف بونفوا: الشعر يمكن أن ينقذ العالم
23 أكتوبر 2008 00:50
هل نُسي جان بول سارتر؟ ذلك هو السؤال الذي يطرحه الكثيرون راهنا، الآن وقد مرّت على وفاة صاحب ''الوجود والعدم'' 28 عاما· والسؤال مشروع إلى حدّ ما· فجان بول سارتر الذي ملأ الدنيا وشغل الناس منذ نهاية الحرب الكونية الثانية وحتى وفاته عام ،1980 والذي كان حاضرا بقوّة في قلب كل المعارك والسّجالات الفكريّة والفلسفيّة والأدبيّة والسياسيّة التي عرفها عصره·· وسارتر الذي عارضَ حرب الجزائر وفيتنام، وابتهج بسقوط الإمبراطوريات الاستعمارية، ونزل مع الطلبة إلى الشوارع خلال ثورة مايو ،1968 ووقف على برميل ليخطب أمام عمّال مضربين عن العمل··· وسارتر الذي وقف إلى جانب ما كان يسمّى بالاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة، والذي أثارت مسرحيّاته ورواياته ومقالاته وأفكاره عواصف هوجاء لا في فرنسا وحدها، بل في العالم بأسره، والذي جعل الالتزام مبدأ سياسيا للمثقف الحقيقي· حسونة المصباحي سارتر هذا ''المفرد بصيغة الجمع'' فقد الآن المكانة المرموقة التي كان يحتلّها، وبات الناس يتعاملون معه وكأنّه شيء من ماض بعيد· أمّا كتبه فلم تعُدْ تلقى الرواج الذي كانت تلقاه في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات· ومحاولا إعادة الاعتبار إليه، قام الفيلسوف الفرنسي برنار هنري - ليفي بتأليف كتاب ضخم حمل عنوان ''قرن سارتر - تحقيق فلسفي'' وفيه يفسّر الأسباب التي أدّت إلى فقدان سارتر للتوهّج الذي كان يتمتّع به لما كان لا يزال على قيد الحياة· ويقول برنار هنري - ليفي ''إن هذا الصّمت المصمّ كان الثمن الباهظ الذي دفعه سارتر مقابل المجد الهائل الذي كان يتمتّع به· إنها نفس المغامرة التي عرفها مالرو وأراجون وآخرون· وهج أسمائهم ينتهي بأن يحجب أعمالهم، ومجدهم يتحوّل عقب وفاتهم إلى عائق يحول دون قراءتهم وليس دعوة إلى ذلك· وكان سارتر فيلسوفا متوهّجا لعب بقوّة وبطلاقة لا مثيل لها كلّ ألعاب الشهرة· وأوّل مثقف استحوذ على إعجاب الإعلام كان هو· والإهمال الذي يعاني منه الآن لا بدّ أن يقاس بالحب وبالكراهية اللّذين كانا يثيرهما من حوله عندما كان على قيد الحياة· والآن لم يتبقّ من سارتر غير ''الكليشهيات''· مثلا: سارتر فوق برميل أمام معامل ''بيانكو''· والناس لا يتحدثون عن عمله الروائي ''سبل الحرّية''، ولا عن رواياته الأساسيّة خلال النصف الثاني من القرن العشرين''· وعن الكتاب الذي ألّفه عن سارتر، يقول برنار هنري - ليفي ''لقد كتبت هذا الكتاب وسط الفرح والحماس والحمّى· الفرح لأنّ سارتر هو قبل كلّ شيء شخصيّة ستاندالية (نسبة إلى الكاتب الفرنسي ستاندال)، موهوب للغاية من أجل السعادة· وهو لا يتوقف عن ملاحقة ما كان سبينوزا يسمّيه ''الانفعالات الحزينة''· الحماس؟ لأنه لا بدّ من إزالة المظلمة التي لحقت بسارتر إثر وفاته· تلك المظلمة التي جعلت منه نموذجا لأخطاء الذكاء، وكبش فداء لجميع أشكال الجنون التي عرفها القرن العشرون· أن يحوّل هذا المغامر الكبير من أجل الحرية إلى متعاون مع نظام الجنرال بيتان، هذا لا يكون إلاّ أمرا شائنا ومعيبا! إن الكراهية التي لاحقت سارتر، والشتائم المقدّمة والتي لا تزال تنهال عليه، واللعب بالكلمات المشكك في أمرها بخصوص ''الوجودية''، والنكات البذيئة حول علاقته بسيمون دو بوفوار، كل هذا أمر لا يمكن قبوله أخلاقيا· ومن المؤكد أنني وأنا أكتب عنه، أصابتني الحمّى التي كانت إحدى خاصيات شخصيّته''· ولكن هل كان سارتر أوّل مثقف كبير يقرّر أن لا يكون مثقفا؟ عن هذا السؤال، يجيب برنار هنري - ليفي قائلا ''هناك شيء مثير لدى هذا الرّجل· كان يمضي النهار في تسويد عدد هائل من الأوراق لكي يقول في النهاية إنّ الأدب هو السّر، وإنّ أعماله لا تساوي شيئا، وأنه لا بدّ من ابتكار المثقف الجماعي من الصّنف الجديد· ثم في الليل، سريا، يكتب دونما انقطاع ''غبيّ العائلة''· فكما لو أنه يهب نفسه لعمل لا يمكن الاعتراف به· وكما لو أن مساندته للزعيم الصّيني ماوتسي تونج تجعل انتهاك الأدب أكثر لذّة ومتعة''· ويقول برنار هنري - ليفي إنّه يجعل سارتر بين سبينوزا وستاندال· ويفسّر ذلك قائلا ''لقد كان سارتر كاتبا لأنّه فيلسوفا· وهو فيلسوف لأنّه كاتب· كان يأخذ من الفلسفة أجمل الاكتشافات الشكلية لرواياته· ومن هويته كروائي، كان يستخرج الاستنتاجات الأكثر جرأة وقوّة (···)· وهناك جملة قالتها سيمون دي بوفوار العديد من المرّات ''المكان الحقيقي لسارتر هو بين سبينوزا وستاندال· وعندما عرفت سارتر قال لي إنه يريد أن يكون ستاندال وسبينوزا في نفس الوقت''· وهناك كتّاب في القرن العشرين أرادوا أن يكونوا ستاندال أو لا شيء· وهناك فلاسفة أرادوا أن يكونوا سبينوزا أو لا شيء· غير أنّ سارتر أراد أن يكون الاثنين''· الشعر ضد القوى المدمرة لا يزال الشاعر الفرنسيّ الكبير إيف بونفوا المولود عام 1923 يعتقد اعتقادا جازما بأنّ الشعر يمكن أن يساهم في إنقاذ العالم المهدّد بمخاطر كثيرة· وهو يقول إنه لم يكن يطمح في بدايات مسيرته الأدبيّة إلى كتابة العديد من الكتب، بل أنه كان يرى أنّ الالتزام بالشعر يمكن أن يكون كافيا بالنسبة له· لكن في ما بعد انساق إلى كتابة الدراسات النقديّة· كما أنّه نقَلَ إلى لغة موليير العديد من روائع شكسبير· وعن صلته المبكرة بالشعر، يقول إيف بونفوا ''ربّما بدأت هذه الصلة عندما بدأت أتصفّح الكتب المدرسيّة الأولى، حيث على الصفحة الواحدة هناك كلمتان أو ثلاث، مصحوبة بصورة لحيوان أو لشيء ما''· ويضيف إيف بونفوا قائلا ''إنّ الشعر هو عمل ومصير· وهو أيضا ذاكرة· ذاكرة الكثافة الضائعة''· ويقول إيف بونفوا أيضا إنّه يكتب ببطء وعلى مراحل مختلفة، ذلك أنّه يؤمن أنّ الكتابة التي تبدأ في اللاّوعي تحتاج إلى وقت وصبر وعمل دؤوب لكي تتطوّر وتأخذ شكلها النهائيّ· ولا يتردّد إيف بونفوا في القول إنّ الشّعر قادر على إنقاذ العالم· وهو يوضّح ذلك قائلا ''يقال أحيانا بأنّ التقدّم يمكن أن يسمح بالعثور على الوسائل الخاصّة لإصلاح ما أفسده· غير أنّ هذا ليس مؤكّدا تماما إذ أنّ الاستعمالات التجاريّة للتكنولوجيا يمكن أن تحوّل الفكر العلمي عن أغراضه وعن أهدافه الحقيقيّة''· لكن وسط هذه المآسي نفسها التي تحدثها مثل هذه الكوارث، يمكن لعلاقة الكائن المتكلّم بذاته أن تنفتح على أشياء جليّة تتصل بمحدوديّة الحياة، وبالحاجة إلى الوحدة، وبأشياء أخرى قد تلهب جمرة الشعر· ولعلّه يمسك عندئذ بالخيط في ليل المتاهة· لماذا؟ ذلك أنّ الشعر مثلما أشرت إلى هذا الأمر في أكثر من مناسبة، هو لقاؤنا ليس بما هو شبيه بفكرة أو بتمثّل ذهني بعيد عنّا بمفاهيمنا ذاتها، وإنما هو حضور كامل وفوري· يحدث للشّعراء بالتأكيد أن يمتلكوا هذا الحدس الكبير بسبب الانسياق إلى الأحلام، لكن سرعان ما يتمكن الكبار بينهم من العثور عليه من جديد· وهو الذي يجعلهم قادرين على أن يكونوا طلائعيّين في التاريخ البشري''· والشعر بالنسبة لإيف بونفوا ''ضدّ القوى المدمّرة والتخريبيّة''· وهو ''مجال للنقد''، و''ملتقى للفن والفلسفة والتساؤل''· لذا فإنّ إيف بونفوا يرفض أن يكون الشاعر منغلقا على ذاته· بل عليه أن يكون مفتوحا على الآخر، وعلى العالم، وعلى الطبيعة، وعلى المشاهد الخارجيّة التي تحفل بها الحياة اليوميّة· وخلال هذا الربيع، ربيع عام ،2008 أصدر إيف بونفوا ثلاثة كتب· الأوّل يحمل عنوان: ''منهج عازف البيانو ونصوص أخرى قديمة'' وهو يحتوي على قصيدة كان قد كتبها في الأربعينيات من القرن الماضي لما كان في بداية مسيرته الشعرية· وفي ذلك الوقت كان لا يزال متأثرا إلى حدّ كبير بالحركة السّريالية· كما يحتوي على نصوص كان الشاعر الكبير قد خصّصها للقضايا الشعريّة والفنيّة التي كانت تشغله في سنوات شبابه· أما الكتاب الثاني الذي أصدره إيف بونفوا، فعنوانه ''السلسلة الطويلة للمرساة''· وهو يتضمّن نصوصا حول الشعر، وحول بعض التجارب الشعريّة التي اهتمّ بها في مراحل مختلفة من مسيرته· وفي الكتاب الثالث الذي حمل عنوان ''الفضاء الكبير''، وضع إيف بونفوا سيناريو لتفسير متحف ''اللوفر الكبير'' الذي وصفه بـ''المركز الميتافيزيقي''· وفي عددها الصادر يوم الجمعة 19 أبريل ،2008 كتبت جريدة ''لوموند'' تقول: ''قليلون هم الكتّاب الذين تدعو أعمالهم إلى البحث والتساؤل والاستقصاء مثل إيف بونفوا· وبعيدا عن الاحتفاءات بها، والتكريمات التي حظيت بها، تنفتح أغلب أعماله على الحوار· وهي بمثابة فضاء للقاء والتفكير الذي يساهم فيه الشاعر بقوة، إذ إنّ الشعر بالنسبة إليه مجال تلتقي فيه كلّ الفنون، وفيه تحضر الفلسفة وعلم النفس وحتى الأديان''
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©