الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رجوع الطائر لمحمود الريماوي

رجوع الطائر لمحمود الريماوي
23 أكتوبر 2008 00:52
عبر مجموعاته القصصية العشر، تابع القاص محمود الريماوي ترسيخ صوته الخاص في القصة القصيرة الفلسطينية في المنفى العربي، وهو ما يتضح في مجموعته الجديدة ''رجوع الطائر'' الصادرة عن دار فضاءات الأردنية، ففي مجموعته هذه يجمع الريماوي بين الذاتي والوطني والإنساني، وهو ما يسم تجربته بصورة عامة، حيث أن الكثير من قصصه لا يعطي الانطباع بحضور مباشر للفلسطيني، بل تتركز غالبية قصصه على هموم الإنسان الفرد وقضاياه اليومية· في المجموعة الجديدة يقدم الناقد العراقي عواد علي قراءة مفصلة للقصص، بحوادثها وشخوصها ورمزياتها، حيث يمتزج العبث بالكآبة، ويبرز قدرة الكاتب على تحويل التفاصيل اليومية ''من صور ولقطات أو لمحات عابرة ومحدودة إلى تجربة إنسانية مكثفة، ولكنها تجربة يكتنفها مزيج من الغموض والقلق والسأم والتذمر والأمل، وتحكمها مفارقات مشهدية ولفظية مثيرة للسخرية الناعمة، ومواقف غير معقولة ومتنافرة مع الواقع'' كما يتوقف الناقد في مقدمته عند ''بحث طفولي مفعم بالبراءة والحساسية عن الإلفة والوداعة والجمال في الكائنات الحية: الطيور والشجر والحيوان، بوصفها أكثر وفاء وبراءة وصدقا··الخ''· شخصيات ساذجة تبرز في مقابلها شخصيات ماكرة ومخادعة تصنع مشهدا يجمع العبث والسوداوية، حدث مأسوي هنا يلفه الكاتب بلغة أقرب إلى النكتة السوداء، وطفل راسب في امتحان نهاية العام يشعر بالحزن بين زملائه الناجحين وهم يحتفلون بنجاحهم ويقذفون كتبهم في الهواء تعبيرا عن الفرح بالإجازة، شاعر لا يحب زيارة الأطباء لكنه يشعر بوعكة تجعله مضطرا إلى ذلك، لكن الطبيب يطمئنه أنه لا يعاني شيئا ولا يكاد يخرج من العيادة حتى يسقط وينتهي ميتا بسبب ''خطأ'' الطبيب الذي تعامل بلا مبالاة مع فحص الشاعر، الروائي الأردني مؤنس الرزاز يكتب في صحيفة جديدة رغم مرور ''أربع سنوات على رحيله''· تلتف قصص المجموعة بمناخات وأجواء تجمع العبث والفنتازيا الكابوسية والواقعي في لوحات متقاربة ومتداخلة أحيانا، ففي ''يعقوب اسمه مكتوب'' يكتئب يعقوب السعيد الثمانيني حين يقرأ اسمه في صفحة نعي الموتى، مقتنعا أنه هو الميت، ويتوقف عن فعل أي شيء حتى بعد أن يقنعه ابنه يزن أن الميت كما هو وارد في النعي هو رجل أعمال عراقي اسمه يعقوب السعيد· والطفل الذي كبر وهو في علاقة ملتبسة مع شجرة الصبر، علاقة محكومة بخوف ما، يظل يكره ثمرة الصبر طوال حياته، والكاتب يروي هنا ذكرياته مع هذه الشجرة، ويعمل على أنسنتها في مواقف كثيرة، فيصفها بأنها ''مثل كبير العائلة: فظ وجاف، لكن توقيره واجب''· وطنيا، تظهر قصة ''البيت الأول'' مشاعر رجل فلسطيني يذهب مع والدته ووالده لزيارة بيتهم الذي تسكنه عائلة يهودية في قرية الشيخ مونس، زيارة لا تستمر سوى سبع دقائق بسبب المشاعر المختلطة التي أصابت الوالدين، في حين ينجح الابن الأربعيني في إقامة علاقة للحظة واحدة مع الطفل اليهودي وجعله يبتسم له· وفي ''مساء أبيض'' عجوز بائسة تجلس على كرسي قرب أنقاض بيتها الذي دمرته الطائرات الإسرائيلية في حرب تموز، وشباب يبحثون لها عما أمكن الحصول عليه من حاجياتها، وننتظر في الخاتمة ليقول لنا السارد إنها لا تريد سوى فستان زفافها الأبيض· ''هذا هو أنت''، أطول قصص المجموعة (أربعون صفحة) تعالج، بقدر واضح من السرد الرمزي، مسار القضية الفلسطينية، من خلال شخصية مدرس يسلبه عدد من الأشباح المسلحين كل ما يملك من مال، فيبدأ محاولة استرداده، وبعد أن ينال لقب ''الأستاذ'' يبدأ هدفه ينحرف باتجاه الحصول على سيارة ولو كانت موديل ''،''1967 ويبدأ عدد من ''الوسطاء'' يعدونه بالحصول على هذه ''السيارة'' ويماطلون، فيما هو سادر في وهمه وسذاجته، بينما زوجته تحاول إقناعه بأن ما يقوم به لا يرد له الحق، وأن عليه التخلي عن هذا الوهم والعودة إلى المطالبة بحقه الأساسي· القصة التي تحمل المجموعة اسمها ''رجوع الطائر''، وهي الثانية من حيث الطول (إحدى وثلاثون صفحة)، يقدم الكاتب قصة علاقة بينه وبين طائر الببغاء، منذ شرائه له، ونمو العلاقة معه كما لو كان إنسانا ''بادلني التحديق في سحنتي بعينيه النافذتين، إنه لا بد حزين كما تنبئ نظراته الصافية والساهمة''، أو كيف تعامل معه ''كضيف من الناس وليس كطير''، بل يذهب به الأمر حد الرغبة في أن يسمعه ''يعبر عن نفسه''·· مرورا بعلاقة زوجته وأبنائه بالطائر، وصولا إلى التخلص منه خشية مرض انفلونزا الطيور· لكن هذا التخلص يتم بطريقة حميمة، حيث يصطحب الطائر إلى الغابة ويطلقه هناك ليرجع إلى ''أمه الطبيعة''· هكذا يكتب الريماوي في قضايا متعددة، وبأساليب سرد عدة، منها السرد التفصيلي لمشاعر شخوصه ومواقفهم حينا، تفاصيل قد لا تخدم القصة لكنها قد تكون ممتعة، وهناك التكثيف الذي يجعل بعض القصص لا تتجاوز الصفحتين، وفي كلا الحالين فهو يرسم شخصياته بصورة واضحة تجعلها قريبة من القارئ المتمعن· وهو بذلك يكرس ما قدمه عبر تجربته الممتدة منذ السبعينات· ومن خلال 220 صفحة نقرأ تجارب إنسانية ووطنية ووجودية ثرية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©