الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جمال البطل يرسم ذاكرة بيروت الشعبية على جدران أرصفتها

جمال البطل يرسم ذاكرة بيروت الشعبية على جدران أرصفتها
23 أكتوبر 2008 00:53
في أحد شوارع العاصمة اللبنانية بيروت، وسط الازدحام الشديد والضجيج في كل مكان، يقف أحد الهواة من محبي الرسم والتصوير، وأول ما يلفت النظر إليه، هو شغفه وتعلقه في ما يعمل وينجز··· تلتف حوله مجموعة من المارة، يتوقفون، يراقبون تسلقه السلم الموضوع على الحائط، وبيده فرشاة الرسم والألوان الزاهية المختلفة· يبدأ بالانغماس في العمل، فينسى نفسه وينسى ''حشرية'' الناس الذين يتزايد عددهم من حوله، لمتابعة ما يريد إنجازه، حيث سرعان ما تتوضح الصورة أو اللوحة الجديدة التي أبصرت النور، وهي معلم من المعالم الحضارية للعاصمة، أو تصميم أو مشهد لأحد شوارع وأزقة وبيوت وجامعات بيروت، وكلها ترمز إلى تاريخ أثري عرفت من خلاله هذه المدينة، واللافت أن اللوحة الإبداعية التي زيّنت أحد الجدران، جاءت على انقاض شعارات تدل على الحقبة السوداوية التي مر بها هذا الداهن، وعانى ما عاناه من مآسي وأحداث لم ترحم أحداً· الفنان جمال البطل راودته فكرة الرسم على جدران العاصمة، تجده في شارع ما من العاصمة بيروت، يقف على الرصيف، لا يلتفت إلى ما يدور حوله، ولا يتكلم كثيراً· قال إنه يقف في هذا المكان منذ ثلاثة أشهر تقريباً مع بعض الانقطاع القسري بسبب المستجدات الساخنة التي تطرأ على البلد بين فترة واخرى، مثل الاضرابات والاحتجاجات الاجتماعية والمعيشية، وهذا ما جعله ينقطع عن هواية الرسم على ''الحيطان''، فترات حسب ''الموسم'' الأمني· ذاكرة بيروت سؤالنا الأول كان لماذا بيروت؟ يجيب: طبعاً أن قلبي يختزن الكثير من الحب والوفاء لهذه العاصمة، واحفط لبيروت التاريخ العريق الذي تغنّى به كل الشعراء والادباء وأهل الثقافة من لبنان والعالم، لذلك أحاول أن أرد بعض الجميل لهذه المدينة، واظهره للناس كي يعرفوا قيمة عاصمتهم وتراث معالمها الاثرية التي لم تمحوها لا الحروب ولا المآسي التي عانى منها الجميع· ويضيف: تقدر أن تعتبر أن ''مهنتي'' مهنة إنقاذ في حالة الطوارئ، وتقدر أن تشبهها بالإسعاف السريع، لعل وعسى فأنا أقوم برسم الصورة في لوحة جدار تعبر عن وجدان وحنين أيام زمان· وفي عودة إلى بيروت فقد اخترتها لأنها واجهة الذاكرة الشعبية، ولا تحتاج الى وسيط وهي ليست بحاجة إلى وسيط، لأنها في الأساس محفورة في الوجدان لدى جميع اللبنانيين· رسم على الرصيف ويقول إن لوحته تستغرق أربعة أيام أكثر أو أقل، انما أحياناً يتم التأخير في هذا العمل بسبب الظروف الأمنية والأحداث المؤسفة التي نشهدها من اضرابات وتوترات وغير ذلك· أما الافكار التي يحاول أن يطبقها على ''حيطان العاصمة'' فهي ''كل ما يرمز إلى بيروت القديمة والذاكرة الشعبية التي كانت مثالاً للكثير من العناوين التي لا تغيب عن بالنا حتى الآن··· مثل لوحات ساحات الشهداء ورياض الصلح والنجمة والبرلمان، ومناطق عين المريسة والزيتونة وباب ادريس، وبلدية بيروت والزاوية وجامع الحرش وشارع فوش والمعرض·· ويشير إلى أنه لم يتلق مساعدات باستثناء بعض التسهيلات من إحدى شركات الدهان والمواد التي استعملها في نتاج اللوحات الزيتية على الجدران· أما المردود الذي يتوقعه بعد الانتهاء من رسم اللوحات التي لن تقتصر على منطقة معينة في بيروت، بل العكس سوف أنجز لوحات اخرى من الذاكرة الشعبية في مرحلة لاحقة في الطريق الجديدة وغيرها، فهو إن هذا التعب لن يذهب سدى لان هناك من سيطلب منه أعمال رسم خاصة لحديقته أو قصره أو مؤسسته بعد أن يرى هذا الإنجاز والإبداع· أماني··· وتمنيات ويتمنى البطل أن تعمم كل لوحاته على جدران بيروت، وأن تزين العاصمة بالصور بدلاً من الشعارات والكتابات التي تفرق ولا تجمع··· وهو يخاف على أعماله من التشويه أو الأذى، ''وهذا الخوف يضايقني كثيراً، خصوصاً وأن أعمالي تتم في أماكن عامة وليس من رقابة دائمة وحراسة مستمرة عليها· واخشى من أن يشوّه لوحاتي بعض من لا يعرف قيمة هذا العمل وأثره في نظافة وتحسين وجه بيروت، وإعادة الحنين الى الذاكرة التي جعلتنا نستمر ونتطلع إلى المستقبل· والفت هنا الى أن لوحاتي تحل مكان الشعارات الطائفية والمذهبية التي تحاول تفريق أبناء الشعب الواحد''· وعن الجديد الذي تقدمه لوحة الرصيف يقول: أي لوحة رصيف ترى فيها رسماً للكلمات لا الألوان، المعاني لا الخطوط، الذكريات لا الأشكال، الحنين لا الرسم· حين تنظر العين إلى أي لوحة يفتح القلب دفاتره· هنا في هذه التحفة نرى تاريخاً طامحاً وتحت هذا السقف تتدفق الأحلام ومن هذه الحجارة نقطف الحزن، وعلى هذا الميناء تتسلل المرارة وهكذا ففيما تظن العين أنها تقرأ، اذا بالقلب يرسم الحروف ويقلب الصفحات··· وعن ميزة لوحاته يقول: مرة يكون وسط اللوحة مركزياً يدفع العين الى الداخل، ومرة يطلع من الوسط ويرفع العين الى الخارج، ومرة ينغلق ومرة يقسّم اللوحة إلى عدة وجوه ومعاني· وهذا الالتباس في المشهد بين الواقع والحلم نقدر أن نسميه تأليف للواقع وتأليف للحلم· فمعظم لوحات الذاكرة الشعبية تتبع أسلوباً واحداً حيث يتحول وسط اللوحة الى مساحة مخصصة للواقع وأطرافها مساحة للحلم· بين الواقع والخيال، وبين الواقع والرمز، أو بين الواقع والحلم، تولد لوحة فيها الحلم والخيال والرؤى التي تسارع لتحمل الواقع إلى ما هو أبعد من حدود المنظر، انها الصورة الشعرية للواقع والحالة الدرامية للمنظر، انها الصورة التي ترسمها الذاكرة، فأي لوحة لم تتوقف عند العناصر الواقعية للمنظر، بل تتوقف عند العناوين الكبيرة للعمل··
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©