الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سياسة واشنطن تجاه القاهرة... دواعي التعديل

4 مايو 2013 22:17
توماس كاروثرز - نائب رئيس الدراسات بمركز كارنيجي للسلام الدولي ناتان براون - باحث في نفس المركز بعد الانتخابات الرئاسية التي جرت في مصر خلال الصيف الماضي تبنت إدارة أوباما سياسية براجماتية تجاه الحكومة التي يقودها «الإخوان»، بحيث كانت الرسالة الجوهرية الموجهة لمرسي واضحة مفادها: احترموا معاهدة السلام الموقعة مع إسرائيل، والتزموا بالمعايير الديمقراطية الأساسية وستكون الولايات المتحدة شريكاً متعاوناً، وبتركيزها على هذه الرسالة أزاحت الإدارة الأميركية الشكوك القديمة حول عدم قبول واشنطن بحكومات من هذا النوع في المنطقة. هذه المقاربة كانت مناسبة على نحو جيد خلال الأشهر الأولى لتولي مرسي الرئاسة، فهو لم يبد أي إشارات لمساءلة معاهدة السلام مع إسرائيل، بل عمل مع الولايات المتحدة لإخماد فتيل مواجهة إسرائيلية فلسطينية بالتوسط لوقف إطلاق النار. أما داخلياً، فرغم قلة الخبرة التي أظهرتها الحكومة واستخدامها بعض الأساليب المتشددة أحياناً، إلا أن الانتقال كان على ما يبدو يسير نحو نوع من الديمقراطية، لكن هذه الوجهة تغيرت خلال الأشهر الخمسة الماضية، بحيث اتخذت السياسة المصرية منحى خطيراً لا يبشر بمستقبل واعد، فمصر اليوم تعيش على وقع الاحتجاجات في الشارع، وجمود سياسي وانعدام الثقة المستفحل بين الحكومة وبقية الأحزاب السياسية، فضلاً عن تنامي الاستياء الشعبي وتصاعد التوتر الطائفي، ووصل الحد إلى إشاعات تقول بقرب قيام الجيش بانقلاب عسكري. وبالطبع لا يمكن تحميل المسؤولية كاملة على عاتق الحكومة الحالية في مصر التي واجهت مناخاً سياسياً صعباً بعد تولي السلطة، هذا المناخ الذي تميز بمؤسسة عسكرية قلقة، وبمعارضة غير مرنة تحمل أحياناً مطالب غير واقعية، بالإضافة إلى جهاز دولة مستعص وجامد، لكن مع ذلك أسهمت الخطوات التي اتخذتها الحكومة في تفاقم الوضع وتأزيمه. ورغم شكاوى الحكومة من معارضة غير متعاونة ومقاومة أجهزة الدولة، وهي شكاوى لها ما يبررها، فإن الحكومة هي من تتولى السلطة وتملك الآليات التنفيذية التي لا يحوزها الآخرون، لكن «الإخوان» وبدلاً من إصلاح الآليات السلطوية التي كان يعتمد عليها النظام السابق داخل أجهزة الدولة المصرية قامت بتدويرها وإعادة توظيفها لتستمر بذلك الممارسات القديمة ذاتها التي كانت سائدة في عهد مبارك. والأمثلة على ذلك كثيرة من قبيل التعجيل بالمصادقة على الدستور وعرضه للاستفتاء، رغم الأصوات المعارضة والمتحفظة على بعض بنوده، وتعيين نائب عام جديد، رغم معارضة القضاة الذين ينص قانونهم على اختيار النائب العام من خلالهم، هذا بالإضافة إلى المحاولات التي يقوم بها «الإخوان» من خلال نوابهم في البرلمان لفرض قيود جديد على المجتمع المدني، في حين توجه أنصار «الإخوان» إلى المحاكم لرفع دعاوى على الأصوات المعارضة في الإعلام والتضييق على حرية التعبير. وفي غضون ذلك، تواجه مصر ظروفاً اقتصادية صعبة، بل تقترب من الحافة مع مرور كل يوم، فإما أن تصل القاهرة إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على التمويل الضروري مع خفض مؤلم في النفقات العامة، أو أن تفشل في الاتفاق مع الصندوق والسقوط في عجز مالي مهول. ورغم أن إدارة أوباما تحاول قدر المستطاع مساعدة مصر على تجاوز الأزمة الاقتصادية متعهدة بتقديم مساعدات أكثر في حال التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، فإن أوباما ما زال متمسكاً بنظرته الأولى المتساهلة مع «الإخوان»، رغم أساليبهم المريبة، والحال أن مثل هذه النظرة لم تعد تصلح اليوم بالنظر إلى المعطيات الجديدة. كما أن استمرار إدارة أوباما في التغاضي عن الخطوات غير الديمقراطية للحكومة المصرية من شأنه أن يجعل الولايات المتحدة تبدو وكأنها منخرطة في عملية خداع للذات، لذا يتعين تغيير الرسالة الأميركية الموجهة للحكومة المصرية بحيث لا تكون: «نحن معك على أن تراقب التفاصيل وتحل المشكلات»، بل يجب أن تكون الرسالة واضحة في منطوقها بأن الإدارة الأميركية منشغلة جداً بالتجاوزات غير الديمقراطية. وبأننا لا نستطيع نسج شراكة متقدمة مع الحكومة المصرية إذا لم تترجم التطلعات الديمقراطية للشعب المصري على أرض الواقع. ولا شك أن متابعة هذا التحذير يتطلب من الإدارة الأميركية ردود فعل واضحة من البيت الأبيض ووزارة الخارجية على أي انتهاكات للقواعد والمعايير الديمقراطية، وهو ما يعني في المحصلة النهاية الكف عن تبرير الأخطاء السياسية لـ»الإخوان». هذا بالإضافة إلى التأكيد على أن استمرار المساعدات الأميركية غير منفصل عن الواقع السياسي المحلي في مصر، لكن هذه الخطاب الواضح والصريح الموجهة للحكومة عليه ألا يتحول إلى تبني للمعارضة، ذلك أن المحرك الأول للسياسة الأميركية هي انحيازها للمبادئ الديمقراطية وليس محاباة البعض على حساب الآخر. وفي إطار إعادة التوازن للسياسة الأميركية تجاه مصر يتعين على إدارة أوباما أن توضح بأنها ليست بصدد الاصطفاف إلى جانب المعارضة، بل فقط تلتزم بالديمقراطية كمطلب أساسي للشعب المصري، وعلى الإدارة أن تشدد بما لا يدع مجال للشك بأنها ضد أي تدخل للجيش في الحياة السياسية المصرية. يجب التركيز على المبادئ الديمقراطية والتشديد على التقيد بها واحترام معاييرها بدلاً من التغاضي عن أخطاء «الإسلاميين»ومسايرة سياساتهم. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©