الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سلطة الإيحاء

سلطة الإيحاء
15 يناير 2014 21:46
ماهو التنويم المغناطيسي؟ هل يعتبر مجرد تقنية من تقنيات المعالجة في التحليل النفسي فقط أم هو شيء آخر؟ أم أنه ليس سوى اشتقاق بسيط من التنويم المجتمعي الكبير؟ وما علاقة كل ذلك بالبصمة الثقافية للمجتمع؟. هل يوثر التنويم بصورة عامة في حياتنا أم أنه أساس ما نعيشه اليوم من أفعال وأقوال وردات فعل ومصير حياة؟ هذه بعض الأسئلة التي تستحق الإجابة. تشير متابعة الوقائع اليومية إلى أننا كأفراد ومجموعات ننتمي الى مجتمع يحدد جوانب من سلوكياتنا فيكوّن شخصياتنا التي تحمل غير قليل من الصور المصغرة في المجتمع. والتنويم المغناطيسي علم حديث، لكنْ تمتد بعض الممارسات فيه إلى فترة قديمة من ظهور الحضارات البشرية، وأشهرها ممارسة «الإيحاء» الذي يقوم به خبير التنويم تجاه الشخص المراد جعله ينتقل من حالة اليقظة إلى حالة النوم. وهذا السلوك الإجرائي كان يقوم به في الحضارات القديمة، أشخاص اختلطت أعمالهم بممارسة أفعال تمّ عدّها من السحر والشعوذة، واستخدمت للتأثير في الأشخاص المختلفين، فنجحت أحياناً قليلة وأخفقت في أحايين أخرى أكثر عدداً. ففي حاله التنويم المغناطيسي يوحي المنوِم بما يريده من الشخص المنوَم، ليجعله يعيش الحالة التي أوحى بها له، فيتحول إلى شخص يقبل التصرّف بحسب ما أوحي إليه. وربما صار يتصرف كأنه رجل ذو وقار وحكمة، أو يفعل ما يشير إلى أنه معتوه لا يفقه شيئاً، أو قد يقلّد كلباً ينبح فيثير ضحك الجمهور تاركاً العديد من التساؤلات بعد أدائه العجيب. وأذكر مرة أني رأيت منوِماً يوحي لشخص أنه يعيش حاله من العطش الشديد جداً وهناك كأس ماء بين يديه، لكنه يبحث عن فمه فلا يجده. وأعتقد أن الكائنات البشرية تمتلك كماً كبيراً من الطاقة، وباستطاعة تلك الطاقة التأثير في الآخرين بطريقة مباشرة أو غير مباشره، لذلك نلاحظ أن هناك أناساً مؤثرين في المجتمع يساهمون في التوجيه الإيجابي، لأنهم يمتلكون ذلك التأثير الكبير في عدد لا يستهان به من العوام. أثر المحيط ومما لا شك به أن تكوين المجتمع يؤثر في الأفراد، وهناك العديد من العوامل التي تدخل في تكوين المجتمع، ثم تتحول أفكاراً تؤثر في الفرد وملامح شخصيته، منها عوامل حضارية وبيئية واقتصادية وتربوية ونفسية وأخلاقية وغيرها. وكما أنه في هذا العالم لا يمتلك اثنان بصمتين متطابقتين، فإن الشخصيات رغم تشابه سماتها العامة فهي تختلف كلياً في دواخلها ومكنوناتها. والخاضعون للبرمجة المجتمعية هم أشخاص لم يتعرفوا على دواخلهم بعد، فهم متأثرون جداً بالعالم الخارجي كمن ركب قطاراً سريعاً يمضي دون توقف، فيمر العمر والزمن والعيون خارج إطار الحقيقة، وننسى أن نتوقف لحظة لنرى أين نحن وما هو سبب وجودنا في هذا العالم؟ ولا نفكر في أنّ لكل منا رسالة وهدفاً من الفلاح البسيط الذي يبذر الأرض إلى القائد الناجح الذي يقود شعوباً عظيمة. فهل نعتبر حشداً وكثرة من الشخصيات وخليطاً من النفسيات، أم أن باستطاعة كل واحد منا أن يتحول إلى فرد له هوية ثقافية مستقله وبصمة مميزة واضحة ورسالة مؤثرة؟ يجب علينا جميعاً أن نرجع إلى التفكير المنطقي حين الحاجة لمعرفة الأجوبة الصحيحة، لكنّ هذا التفكير خاضع بصورة كبيرة للبرمجة المجتمعية. فالمجتمع هو من كوّن وهندس وبنى بروج الأفكار تلك، وبما يتناسب مع المعتقدات والعادات والنشأة الأولى. ولكن هل تساءلنا إذا كان التفكير المنطقي يوصلنا لغايتنا أو على الأقل، لإدراك رسالتنا في هذا العالم؟. هل يستطيع التفكير المنطقي أن يوصلنا أبعد من المكان والزمان واجتياز حواجز الأفكار التي زرعت فينا منذ الصغر حتى الآن؟ من خلف شباك النفس هذا العالم الكبير الصغير الذي نقضي العمر نتأمله خلف شباك النفس ما هو إلا ومضات من عالم كبير ينام داخلنا لكن متى أغمضنا بصرنا فتحنا بصيرتنا، ومتى أفرغنا كأسنا الممتلئة سنكون مستعدين لاستقبال المزيد بشفافية أكبر. دعونا نحضّر عقولنا لنحمل برامج جديدة نختارها بوعي أكبر ونسمح لمساحة أخرى أن تكون حرة كأرض خصبة مستعدة للبذر والعطاء حسب مواسمها. فقانون «كوية» يخبرنا أنه إذا سيطرت فكرة على شخص بحيث أصبحت متغلغلة في أغوار عقله الباطن، فإن الجهود الواعية التي يبدلها ذلك الشخص في مخالفة تلك الفكرة تؤدي إلى عكس النتيجة التي كان يبتغيها منها. وإذا اردنا أن نأخد الموضوع بطرح أبسط يمكننا القول إنّ عقلنا الباطن أو العالم المنطوي داخلنا والذي كثيراً ما نلاقي فيه مناجم من النفائس متى فتحنا الأبواب المغلقة، وحين تتحد الفكرة والخيال دون قيود أو خوف، سيكون التأثير قوياً جداً خارج أسوار العادات الموروثة للمجتمع، وباستطاعتنا حينها أن نتدفق في هذا العالم ببصر وبصيرة في طريق واضح. يقول «لاندس» إن تسعة أعشار ما نقوم به وما نشعر منذ استيقاظنا صباحاً حتى نومنا هو ما يجري تبعاً لإيحاء المجتمع، ونعتقد بعد ذلك أننا مخيرون في أفعالنا؟!. هل نحن فعلا مخيرون؟ دعونا نأخذ حوارنا هذا إلى ساحة أكثر شفافية، كم واحد منا لدية رغبة داخلية بشيء معين لكنه في النهاية يقوم بما برمجه عليه مجتمعه ويسلك طريق برمجة المجتمع له دون التفكير مرتين. ومن المؤكد أن لهذه القاعدة استثناءات، وإذا أصبت هنا فالعباقرة والمجانين هم الذين ينشقون عن هذه البرمجة ولذلك لهم نمطهم الخاص المختلف ونلاحظ عليهم عدم التمسك بالعادات الاجتماعية ويكونون أقل الناس حضوراً في المحافل الاجتماعية وغيرها لأنهم ينتمون في النهاية لأنفسهم ولعالمهم الخاص، وهم ينظرون الى العالم الذي يوجد داخلهم مستمدين منه الكثير غالقين الستار على العالم الخارجي المحيط الذي يعمل كخلية نحل في دوائر مغلقة، وهذا ما يشير إلى سبب قول بعض الباحثين إنّ «العبقرية في النهاية ضرب من الجنون». لكن هل يا ترى يتقبل الفرد المبرمج الاختلاف أم أنه ينظر إليه كحالة شاذة مختلفة وربما خاطئة؟ دعونا نطرح هذا السؤال ونفكر كيف يمكننا أن نختار في ظلّ سيطرة نوع من البرمجة المجتمعية السلبية وكيف نحولها إلى برمجة إيجابية؟. والإجابة على ذلك هي أنه يجب علينا أن نسعى الى المعرفة والإدراك والوعي، فأنت أيها الفرد لست وحدك تبحث في هذا العالم. بل كثيرون غيرك بحثوا وواصلوا محاولاتهم حتى وصلوا لتحقيق أغراضهم وأبدعوا. ولذا حاول أن تستفيد من تجاربهم وأن تدرك ما حصل معهم وما لم يستطيعوا إدراكه، واستفد من ذلك دون أن تترك محاولاتك لاكتشاف ذاتك، فالبحث وحده هو ما سوف يوصلك للحقيقة حول العالم، من خلال مجموعة من الأسئلة المهمة والأساسية. وهنا لا بدّ من التذكير بضرورة عدم الاكتفاء بالأجوبة السابقة، بل يجب أن تعرف نفسك وتتغلغل فيها قدر المستطاع، وحينها ستدرك العالم من حولك وستكون مؤثراً.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©