الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أسعار النفط··· والأجندات السياسية

أسعار النفط··· والأجندات السياسية
23 أكتوبر 2008 01:29
في الوقت الذي تصاعدت فيه أسعار النفط إلى مستويات غير مسبوقة خلال السنوات الأخيرة، لجأ بعض رؤساء الدول في فنزويلا وإيران وروسيا إلى استعراض عضلاتهم على المسرح العالمي، تارة باستخدام دبلوماسية دفتر الشيكات، وتارة أخرى باستخدام سياسة الضغط وإخافة الخصوم؛ لكن اليوم وبعد الانخفاض الذي شهدته أسعار النفط، بدأت تطرح تساؤلات حول قدرة تلك البلدان على مواصلة معدلاتها الحالية في الإنفاق والاستمرار في محاولاتها لتحدي الهيمنة الأميركية، وذلك بالاعتماد على النفط كوسيلة لتحقيق أهداف أيديولوجية؛ وفي هذا الإطار استعان الرئيس الفنزويلي ''هوجو شافيز'' بمداخيل بلاده من النفط لدعم مشروعه الاشتراكي وثورته الجديدة، وتقديم الدعم لباقي قادة أميركا اللاتينية المصممين على مواجهة النفوذ الأميركي في القارة، في حين مدت إيران نفوذها في منطقة الشرق الأوسط وعززت مكانتها في العالم الإسلامي، فضلا عن استخدامها البترودولار كأداة لإفشال الجهود الغربية الرامية إلى وقف برنامجها النووي؛ أما روسيا التي عانت من انهيار اقتصادي مهين في التسعينيات بعد سقوط الشيوعية فقد استعادت بعضاً من مكانتها السابقة في العالم، وشرعت في بناء جيشها، كما أعادت سيطرتها على أنابيب نقل النفط والغاز الطبيعي وتصدت بقوة للتدخل الغربي في محيط الإمبراطورية السوفييتية السابقة· بيد أنه اليوم أصبح من الصعب تمويل هذه الطموحات بعد انحسار سعر برميل النفط إلى 74,25 دولار مقارنة مع سعره السابق الذي وصل إلى 147 دولارا للبرميل؛ لا يعني ذلك أن تلك البلدان ستواجه كارثة اقتصادية وشيكة، أو أنها ستتخلى عن مواصلة أهدافها السياسية، فعلى كل حال مازال سعر النفط مرتفعاً بالنظر إلى سعره المتدني الذي كان عليه قبل سنوات قليلة، ناهيك طبعاً عن احتمال صعوده الصاروخي في أي لحظة؛ لكن مع ذلك لا بد من الإشارة إلى أن روسيا وفنزويلا وإيران بنت موازناتها على تقديرات معينة لسعر النفط أصبحت اليوم أكثر اقتراباً إلى سعر السوق ولم تعد تتيح لها هامش الحركة الكبير في الإنفاق كما كان عليه الحال قبل فترة· وأي انخفاض إضافي لسعر النفط سيدخل البلدان الثلاثة في نفق مظلم من العجز المالي، أو على الأقل قد يرغمها على إعادة ترتيب أولوياتها؛ كما أن دخول العالم في مرحلة ركود اقتصادي، حسبما يتوقع العديد من المراقبين، من شأنه تقليص الطلب العالمي على الطاقة وجر الأسعار إلى الأسفل· وليس واضحاً بعد ما إذا كانت الضغوط الجديدة ستدفع الولايات المتحدة إلى التخفيف من حدة التوتر في علاقاتها مع البلدان الثلاثة، أو أن هذه الأخيرة ستواصل هجومها -الخطابي على الأقل- في ظل غياب القدرة الفعلية على إثارة أميركا أو إزعاجها· فمن جهته بدا الرئيس الفنزويلي ''هوجو شافيز'' واثقاً من نفسه في الشهر الماضي عندما أعلن أن بلاده ستشارك البحرية الروسية تدريبات عسكرية في منطقة الكاريبي مستفزاً الأميركيين بقوله: ''اصرخوا كما تشاءون أيها الأميركيون، فالأسطول الروسي مرحب به في مياهنا''؛ ولا شك أن اللحظة التي تفوه بها ''شافيز'' بكلماته تلك ما كان لها التحقق -في جزء منها على الأقل- دون الفوائض المالية المتأتية من مداخيل النفط التي أتاحت لفنزويلا شراء الأسلحة الروسية، ومكنت ''شافيز'' من تحدي الولايات المتحدة والتهجم على نموذجها الرأسمالي، وفي نفس الوقت التودد إلى روسيا التي توترت علاقاتها مؤخراً مع أميركا· الأكثر من ذلك استخدم ''شافيز'' أموال النفط، سواء بتخصيص مبالغ مباشرة، أو توريد النفط بأسعار تفضيلية، لكسب الأصدقاء في محيطه المجاور بمن في ذلك الرئيس البوليفي ''إيفو موراليس''· وعلى الصعيد الداخلي ارتفعت نفقات الحكومة الفنزويلية بعد استحداث مجموعة من برامج الرعاية المندرجة في خطة ''شافيز'' لبناء مجتمع اشتراكي، لتسجل الموازنة الحكومية للعام 2009 زيادة وصلت إلى 23 بالمائة، بحيث بلغت الموازنة العامة 78,9 مليار دولار· والحقيقة أنه بسعر نفط وصل قبل مدة إلى 140 دولارا للبرميل بدا حجم الإنفاق الفنزويلي مقبولا، لكن مع اقترابه من 60 دولارا للبرميل في الوقت الحالي بدأ الاقتصاديون يدقون ناقوس الخطر بشأن قدرة الحكومة على تسديد فواتيرها بما في ذلك صفقات الأسلحة· وبالانتقال إلى إيران نجد أن الوضع لا يختلف كثيراً عن فنزويلا سواء لجهة استخدام النفط لأغراض سياسية، أو احتمالات الانتكاس بسبب انخفاض أسعاره في السوق العالمية· فعندما طرح الرئيس ''محمود أحمدي نجاد'' موازنة حكومته أمام البرلمان للعام 2007 كانت البلاد تواجه حزمة جديدة من العقوبات الاقتصادية التي فرضها مجلس الأمن الدولي بسبب برنامجها النووي، وقتها بدا الرئيس الإيراني مفعماً بالثقة التي عكستها كلماته قائلا: ''حتى لو أصدروا عشرة قرارات أخرى فإن ذلك لن يؤثر على الاقتصاد والسياسة الإيرانيين''؛ والواقع أن ما قاله كان صحيحاً، إذ بالكاد أثرت تلك العقوبات على سياسة إيران حتى بعد صدور قرار جديد بعد ذلك بشهرين وقرار آخر في العام التالي لتظل إيران متشبثة بسياستها، بل عملت على تطوير برنامجها النووي دون أدنى اعتبار للعقوبات الاقتصادية· وبالطبع كان السبب الرئيسي الذي جعل إيران تقاوم العقوبات هو السعر المرتفع للنفط، لا سيما وأن الجمهورية الإسلامية تتوفر على ثاني أكبر احتياطي منه في العالم، حيث نجحت في استخدامه خلال الأربع سنوات الأخيرة كسلاح سياسي واقتصادي لإضعاف الغرب وفي نفس الوقت تدعيم أجندتها في المنطقة· فقد ساعدت أسعار النفط إيران على بسط نفوذها في العراق، كما أتاحت لها التصدي لهيمنة السياسة العربية على الشرق الأوسط من خلال التأثير في لبنان عبر ''حزب الله'' والتدخل أيضا في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من خلال دعمها لحركة ''حماس''· وداخليا تمكن المحافظون، بسبب الأسعار المرتفعة للنفط، من ترسيخ أجندتهم المتشددة على الساحة السياسية وضمان سيطرتهم عليها، لكن مع تراجع أسعار النفط فإنه من المتوقع أن تتعرض السياسات الحكومية لضغوط شديدة لا شك أنها ستحد من سخائها في الإنفاق على البرامج الحكومية· أما روسيا فقط نالت حصتها أيضا من استعراض العضلات بدأت في شتاء عام ،2006 عندما قطعت فجأة إمداداتها من الغاز الطبيعي إلى أوكرانيا إثر صعود حكومة موالية للغرب إلى السلطة، وحتى عندما برر الكريملن خطوته بالخلاف حول الأسعار، كان الأمر واضحاً بالنسبة للعديد من المراقبين في الغرب: روسيا كانت تستخدم احتياطاتها الهائلة من الطاقة لإعادة فرض هيمنتها الضائعة بعد سقوط الاتحاد السوفييتي؛ غير أنه اليوم ومع تراجع أسعار الغاز الطبيعي بدأت روسيا تراجع استراتيجيتها السابقة، كما أن الأوروبيين لم يعودوا في وارد الخوف من روسيا بعد انحسار قدرتها في الضغط على زبنائها الأوروبيين· سيمون روميرو - فنزويلا
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©