الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أبخازيا ومعركة الهوية الوطنية

أبخازيا ومعركة الهوية الوطنية
23 أكتوبر 2008 01:30
تواجه ''أبخازيا'' أزمة هوية واضحة، إذ في الوقت الذي حازت فيه الجمهورية الصغيرة المطلة على البحر الأسود اعتراف جارتها القوية روسيا ونيكاراجوا في أميركا اللاتينية، وأعلنت استقلالها عن جورجيا لأكثر من 15 عاماً -في تحد جريء للظروف الإقليمية- إلا أنها مازالت تواجه بعض العناء في الاستغناء عن روسيا وخفض علاقاتها المتشابكة معها؛ ومع أن الملصقات واللوحات الإعلانية تحتفل باستقلال أبخازيا في عاصمتها ''سخومي'' تبقى عبارات مثل ''الاستقلال والحرية والسلام'' محشورة بين علمي أبخازيا وروسيا وبين صور الرئيسين في البلدين، ناهيك عن البضائع الروسية التي تمتلئ بها المحلات في أبخازيا والسياح الروس الذين يتدفقون كل صيف على سواحلها العذراء؛ ويبدو أن النزعة القومية الحاضرة بقوة في أبخازيا ورغبتهم في التميز عن روسيا لم تمنع البلد من الاعتماد على جارتهم القوية لضمان الاستقرار الاقتصادي والأمن، وهو ما يصعب على أبخازيا مهمة نسج علاقات دبلوماسية مع موسكو تقوم على الندية والمساواة· لكن وفي أعقاب الحرب التي دارت خلال شهر أغسطس الماضي بين جورجيا وروسيا واصطفاف أبخازيا الواضح مع الجانب الروسي يدرك الأبخازيون مدى حاجتهم إلى موسكو للدفاع عنهم وضمان أمنهم من دون أن يمنع ذلك البعض من إبداء رغبتهم في توسيع علاقاتهم الاقتصادية وعدم قصرها على حليفهم الشيوعي السابق؛ وفي هذا السياق يقول ''بيسلان بوتبا'' - زعيم حزب النمو الاقتصادي لجمهورية أبخازيا-: ''ما نحتاجه في أبخازيا قبل كل شيء هو قدوم الاستثمارات الأجنبية''، مؤكداً أنه ما لم تعترف باقي البلدان باستقلال أبخازيا، ستستمر روسيا في التأثير ولو بشكل غير مباشر على البلد من خلال توفير الاستثمارات التي تحتاج إليها المنطقة؛ هذا الحضور الروسي الطاغي في أبخازيا تعزز أكثر في شهر سبتمبر الماضي عندما وقعت روسيا معاهدة صداقة مع أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا سيتزايد بموجبها التواجد الروسي في المنطقة سواء على الصعيد العسكري، أو الاقتصادي، وهو ما يعني بالنسبة لأبخازيا أن انشغالاتها الأمنية ومخاوفها من اعتداء جورجي محتمل على أراضيها قد اختفت، ولم يعد التهديد قائماً كما كان طيلة الخمس عشرة سنة الماضية؛ يتفق مع هذا الرأي وزير الخارجية الأبخازي ''سيرجي شامبا'' قائلا: ''إننا لأول مرة في تاريخنا لدينا ضمانة أمنية توفرها لنا روسيا''، لكن بتحييد الخطر الجورجي ينصب الاهتمام على كيفية تحفيز النمو الاقتصادي واستقطاب الاستثمارات اللازمة لذلك· فعلى مدى سنوات عديدة، كانت روسيا الشريك التجاري الرئيسي لأبخازيا تزودها بالسياح الذين يتقاطرون على شواطئها الجميلة، وتفتح أسواقها أيضا أمام المنتجات الأبخازية مثل البرتقال والبندق، لكن ورغم أهمية هذه الأنشطة التجارية في إنعاش الاقتصاد الأبخازي ومده بمداخيل لا يستهان بها، إلا أنها تظل مع ذلك غير كافية لضمان استقرار الاقتصاد على المدى الطويل؛ يضاف إلى ذلك أن الشركات الروسية العاملة في أبخازيا تحظى بنفس الحقوق التي تتمتع بها الشركات المحلية، وهو ما يطرح بعض الإشـــــكالات عـــلى الاقتصـــاد الأبخـــــازي، لا سيما في ظل بعض الممارسات غير الشفافة للشركات الروسية؛ وفي هذا الإطار أبدى العديد من الأبخاز قلقهم من موجة شراء العقار التي يقوم بها الروس في أبخازيا، حيث انعكس ذلك سلباً على السوق العقاري المحلي ودفع أسعار المنازل إلى الارتفاع، وبخاصة تلك البيوت الساحلية التي تركها الجورجيون خلال سنوات التسعينيات عندما اندلعت أعمال التطهير العرقي؛ وبعد أكثر من عقد على ذلك يشتكي الأبخازيون في المدينة الساحلية ''أوشامشيرا'' من استغلال الروس للبيوت المهجورة وتحويلها إلى فرص استثمارية مربحة، وحسب بعض المقيمين في المدينة وصلت أسعار البيوت إلى أكثر من 100 ألف دولار بسبب الإقبال الروسي منقطع النظير على شراء المنازل؛ وفي أبخازيا حيث يتراوح الدخل الفردي في السنة بين 1500 و3000 دولار يؤدي هذا الإقبال الروسي على العقار إلى تضخم الأسعار التي باتت تفوق قدرة المواطن العادي وتحرمه من اقتناء منزله· يتحرج الأبخازيون في المدينة من شراء منازل جيرانهم من الجورجيين التي هجروها أثناء سنوات العنف لما يجلبه ذلك في نظرهم من مشاعر الخزي والعار، وهو ما يعبر عنه أحد المواطنين قائلا: ''إننا نشعر بالخجل عند شراء منازل هجرها أصحابها كانوا إلى وقت قريب جيراناً لنا''؛ لكن رغم هذه المشاكل التي يسببها الوجود الروسي الواسع في المنطقة يقر الأبخازيون بالدور المهم لجارتهم في الحفاظ على أمنهم وردع أي تدخل جورجي في المستقبل، هذه الحماية يضاف إليها الاعتراف الروسي باستقلال أبخازيا يشكلان ضمانة ضرورية لعدم الاعتداء على سيادتها؛ وقد أعرب نائب وزير الخارجية الأبخازي ''ماكسيم جونجيا'' عن أمله في اعتراف الدول الأوروبية باستقلال أبخازيا لمنع ابتلاعها من قبل روسيا؛ ومن جهته أعلن ''تيمور إيكابوشفيلي'' -وزير الاندماج الجورجي- أن بلاده هي الوحيدة القادرة على حماية أبخازيا من السيطرة الروسية لما توفره لها خطة السلام المقترحة من حقوق سياسية وثقافية؛ لكن المقترح الجورجي لإحلال السلام في المنطقة يبقى صرخة عديمة الجدوى في ظل إصرار الأبخازيين على الانفصال والنأي بأنفسهم عن جورجيا حتى لو أدى ذلك إلى المزيد من التقارب مع روسيا وحضورها المتزايد في الساحة الأبخازية· بول ريمبل-أبخازيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''كريستيان ساينس مونيتور''
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©