الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أردوغان بين الكاريزمية والشمولية

أردوغان بين الكاريزمية والشمولية
17 مايو 2014 22:45
كينيث روث المدير التنفيذي لـ«هيومان رايتس ووتش» لا يكاد أحد يُنكر موهبة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان كسياسي، أو التأييد الشعبي الكبير الذي يحظى به، ولكن في ظل شخصية هذا الزعيم الكارزمية، تتجه تركيا إلى تجربة خطيرة من شأنها تقويض حكم القانون والحقوق الأساسية. ومثلما شاهدت في زيارتي الأخيرة إلى تركيا لمقابلة مسؤولين رفيعي المستوى، أثارت فضيحة الفساد الكبرى أسوأ ردود أفعال استبدادية من قبل أردوغان، مهددة بتقويض دعائم الديمقراطية التركية. ولإعطاء كل ذي حق حقه، يمكن أن يتفاخر أردوغان بالازدهار الاقتصادي والتقدم السياسي الكبير الذي تحقق على مدار الأعوام الـ11 التي حكم فيها حزب العدالة والتنمية. وعلاوة على ذلك، هدأ قمع التمرد الكردي المصحوب بانتهاكات، مع وجود محادثات جارية لإنهاء الصراع، إلى جانب احترام متزايد للحقوق الثقافية للأقلية الكردية الأكبر في البلاد. وتم تعزيز الحرية الدينية للأغلبية السنية، حيث تم إلغاء الحظر على ارتداء النساء للحجاب في الوظائف العامة والجامعات من دون فرض رؤية دينية أكثر تشدداً. وانتهت عمليات التعذيب المنهجية في أقسام الشرطة، وإن كان استخدام الشرطة للقوة المفرطة لا يزال يمثل مشكلة، كما أن تركيا تظهر كرماً مدهشاً تجاه اللاجئين الذين يقدر عددهم بـ700 ألف شخص فروا من الانتهاكات المخيفة التي ترتكب في سوريا. وعلى مدار أعوام، شجع أمل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي تركيا على إجراء إصلاحات، ولكن المعارضة من بعض الدول الرئيسة في الاتحاد الأوروبي، التي أعربت عنها بوضوح المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، قوضت الآمال التركية. وأبطأ القضاء على طموحات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي الإصلاحات في تركيا وأسهم في بعض التراجعات، ولكن أردوغان لم يبدأ سوى العام الماضي فقط في اتخاذ خطوات كبرى للتراجع عن الحقوق الأساسية. وكان من أبرز دلالات تقوض الحريات في تركيا العام الماضي، ما وقع أثناء تظاهرات ما يعرف بـ«جيزي بارك»، إذ تعامل أردوغان مع هذه التظاهرات على أنها إهانة شخصية له، بعد أن احتج مواطنون غاضبون على خطته لبناء مركز تسوق في موقع واحد من بين آخر المنتزهات في وسط مدينة إسطنبول. واعتبر رئيس الوزراء التركي أن هذه التظاهرات مثلت تمرداً من النخبة المدنية، زاعماً أنها جزء من مؤامرة دولية للإطاحة بالأغلبية المحافظة المتدينة التي وصل بها إلى أروقة الحكم. وفرض أردوغان إجراءات أمنية مشددة ليس فقط على المتظاهرين في الشوارع ولكن أيضاً على المحققين داخل المؤسسات الحكومية في تركيا. وفي ديسمبر الماضي، قدم مدعون عامون أدلة على وجود فساد في حكومة أردوغان، وقدم أربعة وزراء استقالاتهم، وكان الأكثر إضراراً، هو تسجيل صوتي تم تسريبه يخبر فيه أردوغان نجله بأن ينقل مبالغ كبيرة من المال من منزله وأن يخفيها مع أقاربه وأصدقائه. ولكن أردوغان أكد وسط حالة من الغموض أن التسجيل إلى جانب الأشرطة الأخرى المسربة التي تشير إلى تورطه في جرائم فساد «مزورة» و«أدخلت عليها تعديلات»، وأنها جزء من مؤامرة خبيثة للإطاحة به، ولكنه أخفق في تقديم دليل يثبت به هذه الادعاءات. وعلى صعيد التحقيق في فساد الحكومة، سرعان ما تدخل أردوغان لتعطيل التحقيق، وأمر بنقل آلاف من ضباط الشرطة ومئات من القضاة والمدعين العامين، ويخضع الآن المدعون الأربعة الذين بدؤوا التحقيق في مزاعم الفساد هم أنفسهم للتحقيق. وفي المقابل، بدأ المدعون العامون الجدد رفض قضايا الفساد، وفي الوقت نفسه، سنت حكومة أردوغان قانوناً يمنح سيطرة تنفيذية أكبر على الجهة التي تدير الهيئة القضائية، والتي يمكن أن تؤثر على عمل القضاة والادعاء العام. ويبدو أن أردوغان يعتبر أن التأييد الانتخابي الكبير الذي حصل عليه يبرر هذه التحركات، ولعله يعتقد أن الشعب يرغب في التغاضي عن الفساد، ولكنه بذلك يفترض أن التصويت الشعبي يمكن أن يبرر تقويض الحقوق الأساسية بقمع التظاهرات، وفرض رقابة على وسائل الإعلام والتدخل في استقلال القضاء. وفي هذه الأثناء، يقيم أردوغان خياراته السياسية، فعلى رغم أن فشل جهوده الرامية إلى تمرير إصلاحات دستورية تمنح الصلاحيات الكاملة للنظام الرئاسي، لكن لا يزال من المرجح أن يترشح للرئاسة. وفي حين أن المنصب يعتبر شرفياً إلى حد كبير، لكنه سيزداد أهمية عندما يتم انتخاب الرئيس في استفتاء شعبي للمرة الأولى في أغسطس المقبل. والشائع في الشارع التركي أن أردوغان يود أن يبقى رئيساً حتى عام 2023 عندما تحتفل تركيا بمرور مائة عام على قيامها كدولة حديثة بعد انهيار الخلافة العثمانية. ومن المتوقع أن تكون لأردوغان يد في اختيار خلف له كرئيس للوزراء، في حين رفض الرئيس عبدالله غول اقتراحات بأن من الممكن أن يشغل هو نفسه منصب رئيس الوزراء. وقد التقيت الرئيس غول ومرشحاً محتملاً آخر لمنصب رئيس الوزراء هو نائب رئيس حزب العدالة والتنمية نومان كورتولموس، في أبريل، وأنصت الرجلان باهتمام لتخوفاتي بشأن نزعة أردوغان الاستبدادية، ولم يبدُ أي منهما مندهشاً لسماعها، ولكن سلطته كرئيس لحزب العدالة والتنمية تعني أنه عليهما توخي الحذر، وهناك شخصيات أخرى بارزة في الحكومة آثرت الصمت هي أيضاً للسبب ذاته. وفي حين تفكر تركيا في مستقبلها السياسي، لا شيء يبدو في موضع رهان أكثر من مصير زعيمها السياسي المثير للجدل أردوغان. وكغيره من الزعماء الذين حكموا لفترة طويلة، أصبح لأردوغان عدد متزايد من الخصوم. ويبدو أنه قد ربط على نحو خطير مستقبله السياسي بالمصلحة العليا لتركيا، وعلى مدار العقد الماضي حدث توافق ووئام، ولكن بينما أضعفته المظاهرات في الشوارع وفساد المسؤولين، أصبح استبداد أردوغان يمثل أكبر تهديد لإمكانات الديمقراطية التي تحترم الحقوق في تركيا. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©