الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
ألوان

«العيد أحلى».. خارج أسوار العالم الافتراضي

«العيد أحلى».. خارج أسوار العالم الافتراضي
12 سبتمبر 2016 22:13
أشرف جمعة (أبوظبي) كان العيد قديماً من غير أدوات التواصل الاجتماعي، عيداً حقيقياً في واقع جميل، تتلاقى فيه الوجوه على بساط المحبة، وتندفع فيه الرغبة الإنسانية الجارفة، فيتحرك القريب إلى زيارة قريبه، والجار والصديق إلى مطالعة وجوه الأحبة، فتتواصل الأرحام، وتتسع رقعة الكون على بساط هذا القادم بقناديل فرحه، وملابسه الجديدة، والتحام أفراد المجتمع في نسيج الألفة. العيد قديماً بلا هاتف ولا مواقع تواصل اجتماعي، كانت له بهجة لا يدركها إلا الذين عاشوا تلك اللحظات الطبيعية التي كانت فيها الابتسامة لا تنتظر رسمها على صورة، ومن ثم بثها في رسالة نصية «كل عام وأنتم بخير». وجهاً لوجه يقول الباحث التراثي أحمد الحوسني: «الحياة في إطارها الطبيعي التي عاش في كنفها الآباء والأجداد كانت تتسم بالبساطة، في وقت لم تكن هناك تلك الحركة المتصلة التي يدور في فلكها هذا الجيل الذي أصبح مشغولاً طوال الوقت يبحث عن تحقيق أحلامه، ويجارى العصر من خلال وسائله التكنولوجية الباهرة»، لافتاً إلى أن أبناء الجيل القديم كانوا يعيشون أيام أعيادهم الإسلامية في بوتقة واحدة، تجمعهم الألفة، فكان الأهل والجيران يلتقون في صباح العيد وجهاً لوجه، ويتعانقون ويقدمون لبعضهم بعضاً التهاني، ويتزاورون حتى وإنْ فصلت بينهم المسافات، وهو ما كان يجعل لمناسبة عيد الأضحى وقعاً خاصاً في النفوس، في غياب الرسائل النصية عبر الهواتف الذكية التي باتت الأداة التي تعبر عن التهنئة ولا مواقع التواصل الاجتماعي التي تجعل المرء يضغط على زر، فيرسل للجميع رسالة نصية مكتوبة أو مصورة، فيشعر أنه أرضى ضميره وأدى ما عليه من واجب، لافتاً إلى أنه لا ينكر على التكنولوجيا هذه الميزات، فهي تستخدم في سياقها الطبيعي، لكنه يبين كيف كانت اللقاءات المباشرة والزيارات الحقيقية تعمل على إفشاء روح المحبة، وبمثابة داعم قوي للقيم والتقاليد الأصيلة. ذكريات الأمس ويورد الحوسني أن عيد الأضحى مناسبة جليلة، فيها شعائر كثيرة كان يحرص على أدائها الجيل القديم الذي لا يزال يمارس طقوسه في الأعياد الإسلامية على الوتيرة ذاتها، فرغم توافر أدوات التواصل الاجتماعي، ووجود الهواتف الذكية في أيديهم أيضاً، فإنهم يتمسكون بطابعهم القديم في الألفة والائتلاف، ويمرون على البيوت جماعات، ويذهبون إلى الأقارب في أماكنهم المتفرقة من أجل تقديم الواجب، خصوصاً أن احتضان بعضهم بعضاً وجلوسهم معاً، يتيح لهم فرصة تبادل الأحاديث فيما بينهم، وهو ما يجعلهم يستعيدون ذكريات الأمس، ويعقدون مقارنات بين أعياد زمان والوقت الحالي، يوم كانت الحياة تخلو من الوسائل الحديثة التي تتخذ الآن نقاط اتصال بين الأهل والأقارب والجيران والأصدقاء عبر الرسائل النصية والمكالمات الهاتفية. ملامح الفرح ولا يخفي عبيد الذهلي (65 عاماً) أنه لم يكن يرن هاتف محمول في بيوت الناس عند قدوم العيد قديماً، لأنه لم يكن موجوداً أصلاً ليتبادلوا التهاني من خلاله وكفى، ولم يكن الهاتف المحمول هو الوسيلة الوحيدة المتاحة لإرسال الرسائل النصية التي أصبحت بديلاً عن الزيارات المنزلية في هذه الأيام، مبيناً أن تلك الأيام لا تعوض، حيث كانت الوجوه تعرف بعضها بعضاً، والناس تحرص على الزيارات المنزلية، وتتجمع في ساحة الفريج الذي كان مكاناً للتآلف في إطار محبة تغلف القلوب، وتنثر في الأفق ملامح الفرح وسط احتفالات يومية، وهو ما أكسب الأعياد في أيام زمان جمالاً لا يحد، ويرى أن الكثير من الأقارب والأصدقاء والمعارف بوجه عام قد يكتفون بإرسال رسالة نصية للتعبير عن التهنئة أو بمكالمة هاتفية محملة بالأعذار، يلتمس فيها المتصل لنفسه الحجج، ويبالغ في أنه مشغول، وأن الظروف قد تحول بينهم والزيارات المنزلية المفروضة عليه في هذه المناسبة الجليلة. مكالمة عابرة يبين حمد الغياثي (60 عاماً) أنه غير مقتنع بأن رسالة نصية من هاتف أحد الأقارب أو الأصدقاء تكفي للمعايدة أو حتى مكالمة هاتفية، لافتاً إلى أن عيد الأضحى قديماً كان يتميز باللقاءات التي تلتقي فيها الوجوه، وتسجل حضورها الباهر على صفحة الحياة، وهو ما كان يعطي فرصة أيضاً لبعض المتخاصمين والمتشاحنين أن تصفو نفوسهم، وهو ما لا يتحقق نسبياً برسالة نصية أو مكالمة هاتفية عابرتين، ويوضح أنه يعيش أيضاً في مثل هذه المناسبات بمنطقته القديمة، فيشعر بأنه مرتاح الضمير، وأنه يتجاوب مع فطرته في استقبال الأعياد. له طعم آخر تذكر عالية المقبالي أن العيد قديماً كان له طعم آخر، عندما كانت العائلة كلها تجتمع منذ بزوغ فجر اليوم الأول لأداء صلاة العيد ومن ثم يتبادل الناس التهاني، ولا يتخلف أحد عن مواكب الرجال التي تطوف على البيوت، وتؤدي الواجب المفروض، ولم يكن يتخلف أحد عن هذه الطقوس، وما ساعد على ذلك هو عدم وجود هواتف محمولة ولا مواقع للتواصل الاجتماعي، كما هو الحال في هذه الأيام، لافتاً إلى أن «كل عام وأنتم بخير» كانت تقال وجهاً لوجه، وهو ما كان يبث في النفوس الرضا، ويجعل الجميع يعيشون أيام العيد، وهم في حالة من السعادة المفرطة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©