السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأب الثعبان

الأب الثعبان
4 مايو 2012
(القاهرة) - قرر «حمدي» أن يتخلص من بناته الثلاث، لأنه يكره إنجاب البنات ويرغب في ولد ذكر يرثه، وقد اختمرت الفكرة في رأسه وانتهى إلى قراره، فقط يريد أن يجد الطريقة المناسبة للتنفيذ حتى يهرب من العقوبة، وبما أنه «شرطي»، فهو يعرف كيف يتم الكشف عن الجرائم والأخطاء التي يرتكبها الجناة حتى يتجنبها، ولديه خبرة واسعة في الأساليب التي يتبعها المجرمون، وكيفية اكتشافها من خلال التحقيقات أو الوسائل العلمية الحديثة، لذلك عندما قرر وضع السم لهن في العصير علم أن الطب الشرعي سوف يكشف فعلته. تراجع عن الطريقة، لكنه لم يتراجع عن الفكرة الأساسية وينتظر إلى أن يدله شيطانه على وسيلة لا يتم اكتشافها، وبعد أكثر من ثلاثة أشهر، قرر أن يطلق زوجته ليتخلص منها نهائياً، لأنه يرى أنها تتحمل المسؤولية عن انجاب الإناث، ولابد من عقابها، وإن كان خلال السنوات السبع الماضية قد حول حياتها إلى جحيم، بعد أن انجبت ابنتهما الأولى «هند»، تفكيره يذهب به إلى أنها المذنبة، وإن لم يكن الأمر كذلك فلماذا تنجب النساء الأخريات من حوله الذكور؟ ومن وجهة نظره، فإنها ارتكبت خطيئة أخرى بعدها بعامين عندما أنجبت الطفلة الثانية، بدلاً من أن تصلح مما ارتكبته أول مرة، لم يعد البيت يطاق كانت لا تستريح إلا في الوقت الذي يكون فيه في العمل، ولا تعرف الاستقرار المؤقت إلا حين يتغيب عن المنزل لعدة أيام بسبب وظيفته، وتكاد أن تتمنى لو لم يعد. ولا يعجبه منها شيء، لا طعام ولا كلام، يقرعها ويؤنبها على ما فعلت وما لم تفعل، دائماً في عينيه مخطئة، منحها فرصة أخيرة لتنجب له الولد الذي يحلم به، حملت وهي لا تريد أن تنجب منه أطفالاً آخرين بعدما رأت ما يفعل مع الصغيرتين يتعامل معهما، كما لو كانتا من بنات أعدائه، لم يحتضن أو يقبل واحدة منهما يوماً ولم يسمعهما كلمة رقيقة، رجل بلا قلب منح مشاعره إجازة مفتوحة، واكتملت مأساة الزوجة عندما جاءت المولودة الثالثة أنثى، كانت تعلم ما سيصدر منه واستعدت له وتحملته من أجل بناتها، لكنه لم يطق أن يراها، ولم يهتم بعشرة السنين التي بينهما، ولم يمض عام حتى طلقها واشترط عليها أن يحتفظ بالبنات رغم كراهيته الشديدة والواضحة لهن. لم يستطع «حمدي» أن يصبر كثيراً بعد الطلاق، فالصغيرات أكبرهن عمرها سبع سنوات والوسطى خمس سنوات، أما الصغرى، فلم تكمل الثالثة من عمرها بعد، وفكر في الزواج، ليس من باب الاهتمام بهن أو رعايتهن، وإنما لأنه لم يصل بعد إلى الوسيلة التي يتخلص بها منهن، والسبب الأهم أن تنجب له زوجته الجديدة الولد، وبعد عام واحد تحقق له ما أراد فقد وضعت هذه الزوجة أول مولود لها ولداً، وسر به، لكنه الآن يتعجل تنفيذ خطته، لا يريد أن يبقي على ما يذكره بزوجته القديمة. كان «حمدي» يشاهد فيلما عن الأفاعي، وسمع عبارات غير علمية وغير دقيقة على لسان الممثلين بأن سم بعض الثعابين يصعب اكتشافه، هنا وجد ضالته الشيطانية، وقرر أن يسلك هذه الطريقة التي جاءته على طبق من ذهب، لكن من أين له أن يأتي بالسم أو بالثعابين، وقدح زناد فكره، وتوجه إلى حديقة الحيوان للحصول على ثعبان بعدما ادعى أنه باحث في إحدى الكليات التي تهتم بدراسة الزواحف وحياتها، لكن خطته باءت بالفشل لأن حديقة الحيوان أخبرته أنها لا تبيع الأفاعي ولا تتاجر فيها. لم تتغير الفكرة واستمر في البحث عن ثعبان، إلى أن علم بوجود سوق كبيرة في تجارة كل شيء ومنها الحيوانات الغريبة والأليفة، ذهب أولاً لجمع المعلومات وعلم أن البيع هنا متاح، لكن توجد مشكلتان الأولى أن أسعار الثعابين غالية جداً خاصة السام منها وهو النوع الذي يحتاج إليه ويريده، والأهم هو عدم معرفته بالتعامل معها، فقد تلدغه هو ويقع في الحفرة التي يحفرها لهن، ولم يعدم حيلة في السؤال والاستفسار عن التعامل مع الثعابين السامة، ووجد الأجوبة بأن ذلك ممكن مع التدريب وكيفية الإمساك بها، ومع الواقع العملي وجد أن الأمر ليس بهذه البساطة، فالمسألة تحتاج إلى فترة طويلة قد تصل إلى عدة أشهر، ومدربه هذا الذين يطلقون عليه اسم «الحاوي» يريد مبالغ كبيرة مقابل تدريبه. ولاختصار الوقت وليسلك أقرب طريق، فاتح الحاوي في طلبه بأنه يريد الثعابين ليقتل بها بناته الصغيرات وأغراه بمبلغ كبير ليذهب معه وينفذ تلك المهمة الإجرامية وينتهي الموضوع، لكن الحاوي رفض بشدة، ولم يقبل أن ينفذ إلا أنه استمر في تدريبه إلى أن أتقن التعامل مع الثعابين وكيفية الإمساك بها ووضعها في أكياس من القماش السميك وتحاشى لدغاتها القاتلة، تأكد الآن من سلامة موقفه واطمأن إلى عدم اكتشاف فعلته، وعاد سعيداً لأنه سيستريح من عناء هذا الجبل الذي يحمله على كاهله، خبأ أدوات القتل في خزانة ملابس الصغيرات، وعندما خلدن إلى النوم توجه إلى غرفتهن وقام باستخراج الثعابين واحداً تلو الآخر، ويوجهه إلى الابنة الكبرى التي صرخت صرخة لم تكملها وأسلمت الروح في ثوان معدودة من شدة السم، وهكذا فعل مع الثانية ثم الثالثة، تركهن جثثاً هامدة، وعاد لينام مستريحاً منهن ومطمئناً من أنه بعيد عن العقوبة والقانون. في الصباح توجه بدراجته النارية إلى منطقة نائية وحاول التخلص من الثعابين بحرقها، لكنها هربت منه في الماء والزراعات قبل أن يتمكن من إحراقها، ثم توجه إلى عمله، لكن لم يمض أكثر من نصف الساعة حتى اتصلت به زوجته تخبره بأنها عثرت على الصغيرات جثثاً هامدة، وقد فارقن الحياة وعليه أن يحضر فوراً لمعرفة الحدث وقد تملكها الخوف خشية اتهامها بأي تهمة لأنها زوجة أبيهن، وبعد أن حضر لم يتحرك عنده ساكن وهو يرى جثامين الصغيرات البريئات، وقام بإبلاغ الشرطة، وكشفت المعاينة وجود زرقة وآثار خنق وجروح في أجسادهن، مما يدل على أن الوفاة جنائية. ومن البداية استمعت النيابة إلى أقوال الأب الذي حبك القصة جيداً واتخذ كل الاحتياطات التي من الممكن أن توقع به، وقال إنه يعتقد أن سبب الوفاة لدغة ثعبان ونفى أن تكون أي يد قد امتدت إليهن، وأخذ المحقق كلامه على محمل الجد فهو احتمال وارد ولابد من السير وراءه والتحقق من صحته، أو عدمها للوصول إلى الحقيقة، فالجريمة ليست بسيطة، وهناك ثلاث أرواح طاهرات راحت غدراً ولا بد من حل اللغز، تم استدعاء الطبيب الشرعي لتشريح الجثث، وكانت المفاجأة صحة وصدق المعلومة التي ألقى بها الأب في وجه وكيل النيابة، وكان يقصد منها التعتيم والتضليل والهروب، فقد وجدت آثار سموم أفاعي بالفعل وتأكد أيضاً أنها السبب في الوفاة. لكن السؤال الذي فرض نفسه، من أخبر الأب أصلاً بأن القتيلات تعرضن للموت بلدغات الثعابين، وقد كشفت معاينة غرفتهن أنه مما يصل إلى حد المستحيل أن تصل الثعابين بشكل طبيعي إلى غرفتهن، أولاً لأنها مغلقة بشكل جيد وليس بها منافذ وثانياً أن المنطقة ليس بها أحراش والبيئة غير صالحة لحياة الثعابين، والأمر الثالث أن الأم الثكلى مطلقته قد اتهمته بقتلهن لأنها تعلم أنه يكرههن ويريد التخلص منهن بأي وسيلة. حاول الأب المراوغة والتهرب من السؤال، وادعى أن اتهام زوجته له انتقام منه لأنه طلقها، ولم يكتف بذلك، بل راح يتهمها في عرضها وشرفها ويزعم أنه تخلص منها لسوء سلوكها، بينما هي لم يعد لديها ما تخاف عليه بعد أن فقد فلذات كبدها الثلاث في لحظة يدمى لها قلبها، وواجهته بما كان منه وكراهيته للبنات ورغبته في انجاب ولد وكشفت عن أنه حاول قبل طلاقها بثلاثة أشهر أن يضع لهن السم في العصير، ولم تتكلم حينها حفاظاً على مستقبل الصغيرات، وأكدت المعلومات صحة ما قالته المرأة كله. لم يكن أمام «حمدي» منفذ للتهرب أو المراوغة مرة أخرى، اقشعر جسده لأنه من حيث لا يحتسب وقع فيما كان يحذر بكلمات قليلة ولم يكن ذكياً، كما كان يعتقد، عجز عن الإجابة عن السؤال المهم من أين علم أن الوفاة بسبب لدغة ثعبان، لقد ألقى بالدليل القاطع على نفسه، واعترف بكافة التفاصيل منذ أن تزوج أمهن قبل حوالي تسع سنوات، وأمرت النيابة بحبسه على ذمة القضية بعد أن وجهت إليه تهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، وطالبت في قرار الاتهام الذي ستقدمه به إلى المحاكمة خلال أيام بإعدامه. عاد الأب الذي لا يستحق أن تطلق عليه صفة الأبوة إلى مسرح جريمته، وقام بتمثيلها وشرح كيفية ارتكابها بكل برود أعصاب، حتى كاد الغرباء يفتكوا به، الآن فقط تأكد أن ما تعلمه في الشرطة صحيح، من أنه لا يوجد شيء اسمه الجريمة الكاملة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©