الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«فوبيا» طبيب الأسنان ظاهرة يتحمل مسؤوليتها الممارسون والآباء

«فوبيا» طبيب الأسنان ظاهرة يتحمل مسؤوليتها الممارسون والآباء
4 مايو 2012
لا تقتصر “فوبيا” عيادات الأسنان على الأطفال والفتيان، وإنما حتى الراشدين. وهي تعزى إلى عدد من العوامل يتحمل جزءاً منها بعض أطباء الأسنان أنفسهم، من خلال طريقة تعاملهم مع المريض عند أول زيارة، ويتحمل الجزء الآخر المجتمع والآباء الذين درج عدد منهم على تخويف الطفل عند إساءته السلوك بطبيب الأسنان؛ فبعض الآباء يستخدمون طبيب الأسنان كتهديد يُخوفون به أطفالهم عندما يُسيئون التصرف وآخرون تنشأ عقدتهم بعد مرورهم بتجربة سيئة عند أول زيارة. يقول جيي فريدمان هو مستشار طب أسنان للمجلة الأميركية “تقارير المستهلك” إنه ما زال يتذكر أحد المرضى الأوائل الذين زاروه في العيادة الجامعية أثناء دراسته طب الأسنان. كان فتى يبلغ 16 سنةً، وكان قد ذاق مرارة جراحات تصحيحية عديدة لعلاج مشكلة الحنك المشقوق. وقد تركت هذه الجراحات التصحيحية لديه خوفاً شديداً من الحقن والإبر والأدوات الجراحية، ما جعل فريدمان يجد صعوبةً بالغةً في إقناعه بفتح فمه المملوء بالتسوسات العميقة. ويقول طلب فريدمان من ذلك الفتى أن يسترخي، وحاول تبديد مخاوفه وإقناعه بأنه يحتاج إلى إصلاح أسنانه وعلاج تسوساتها، فهدأ الفتى قليلاً. وفي زيارته الثانية، وبينما كان يفحص فريدمان أسنانه بمرآة طبية يدوية، سمح الفتى لفريدمان وبشكل غير متوقع بحقنه بإبرة تخدير ببطء شديد حتى يُكمل له حشوةً صغيرةً. وفي المرة اللاحقة، لاحظ أن مخاوف الفتى تلاشت إلى حد كبير، حيث أصبح يتجه إلى كرسي بنفسه فيجلس عليه ويفتح فمه ملء شدقيه دون خوف، ويدع الطبيب يتم عمله بالكامل، ما أثار استغراب فريدمان، وقبله استغراب أهله، لكنه استنتج ببساطة أن الفضل في تبديد فوبيا الفتى هو طريقة تعامله معه قبل وأثناء علاجه. فوبيا مُركبة لا أحد يُجادل أن الفم هو من أكثر أجزاء جسمنا حميميةً وحساسيةً. فلا عجب إن كان ثُلُث الراشدين الأميركيين يعترفون بأن الخوف والقلق يعتريهم كلما فكروا في مراجعة طبيب أسنان. وبالنسبة لبعضهم، ينتابهم هذا الشعور بسبب مرورهم بتجربة مؤلمة أنشأت لديهم رابطاً عاطفياً سلبياً مع أول طبيب أسنان زاروه، أو رأوه يعالج أحد الأبوين، فبات مزاجهم يتعكر كلما فكروا في عيادة طب وجراحة الأسنان. وبعض الأطفال ينتابهم الخوف حتى في أول زيارة لهم لطبيب الأسنان، بسبب القصص التي سمعوها من أصدقائهم أو آبائهم. ويستخدم بعض الراشدين طبيب الأسنان كعنصر تهديد يُخوفون به أطفالهم عندما يُسيئون التصرف. وقد يصبح الأشخاص الذين لم يمروا بتجربة علاجية سيئة أكثر قلقاً وتوتراً من غيرهم، وتشتد عقدتهم من طبيب الأسنان حتى عندما يكبرون. ونتيجة هذا الخوف، يؤجل الكثير من الناس مواعيد مراجعتهم لطبيب الأسنان، ما يكون له أحياناً عواقب وخيمة، إذ تسوء مشاكل الفم والأسنان لدى المريض ويحدث في نهاية المطاف نقيض ما سعى إليه، وعكس ما تهرب منه. إذ يضطر الطبيب عندما تتفاقم مشكلته إلى إجراء تدخل جراحي يجعل المريض يشعر بعدم الراحة خلال العلاج رغم التخدير، وربما يعاني أكثر مما لو كان راجعه مبكراً. ويقول بعضهم إن أطباء الأسنان المتخصصين في علاج صحة الفم والأسنان لدى الأطفال يحتاجون لمهارات إضافية، إذ يجب أن يكونوا ملمين بكيفية التعامل مع الأطفال عند أول زيارة، ويستوعبوا تقلباتهم المزاجية نوبات صراخهم، وأن ينتهجوا بعض الطرق التواصلية والسلوكية مع الطفل حتى لا ينفر من العيادة، أو يرفض حتى فتح فمه. ويذهب البعض الآخر أبعد من ذلك بدعوة كل طبيب أسنان إلى تخصيص هدايا للطفل الزائر عند كل زيارة، وأن يباشر حواراً ودياً مع كل طفل عند زيارته الأولى لمعرفة هواياته وما يفضل التفرج عليه من مواد كرتونية، ويعرض عليه مشاهدتها إن كانت مناسبةً فعلاً لسنه، وأن يقضي معه وقتاً أطول بحضور ذويه ويتحلى بالصبر والحلم وطول النفَس. أما من ليست لديهم صفات كهذه، فحري بهم ألا يتخصصوا في طب أسنان الأطفال لأن مراجعيهم سيتضاءلون شيئاً فشيئاً إلى أن يرغمونهم على إغلاق عياداتهم سريعاً، أو الانتقال لعلاج الراشدين دون الصغار في أحسن الأحوال. العلاج السلوكي إن علاجات طب الأسنان الحديثة لا تُعد مؤلمةً في الواقع. وقد وجد باحثون في دراسة نشرتها مجلة “تقارير المستهلك” أن معظم المرضى الذين سبق لهم أن تلقوا علاجاً في الفم والأسنان في السنوات الخمس الماضية لم يعانوا من آلام شديدة خلال الجلسات العلاجية، بمن فيهم أولئك الذين خضعوا لعمليات خلع أسنان أو أضراس، وأيضاً من تلقوا علاجات على مستوى عصب السن أو جذر الضرس. وإذا كنت ممن يرهبون غرف عيادات طبيب الأسنان ويهابون حُقنه وأدواته الجراحية، فيمكنك مناقشة مخاوفك وهواجسك معه بصراحة ووجهاً لوجه. فطبيب الأسنان المحترف يستطيع علاجك برفق ومهنية في الوقت نفسه، وجعلك تتغلب على مخاوفك جميعها. ويقول فريدمان إنه التقى في عيادته العديد من المرضى الذين يجلس أحدهم على الكرسي، ثم يقول: “دكتور، أنا متوتر حقاً”. فكان فريدمان يجيبهم بابتسامة “لا بأس، يمكنك أن تكون متوتراً، لكنك حتماً لا تريد أن تجعلني متوتراً. فاسترخ رجاءً ولا تقلق. كل شيء سيمر بخير”. ويقول فيردمان إن مثل هذه الكلمات البسيطة هي أفضل بلسم كان يستخدمه لتهدئة المريض، فيبدو عليه نوع من الهدوء وتسير الجلسة العلاجية بشكل أفضل. ويضيف “حين يتمكن المريض من تجاوز عقبة الجلسة العلاجية الأولى، يشعر تلقائياً بالكثير من الرضى، لكونه نجح في السيطرة على الوضع. وحتى إن لم يستطع تبديد قلقه وخوفه تماماً، فإنه على الأقل يجعل مستوى ذلك قابلاً للتحكم والسيطرة”. وإذا لم ينجح طبيب أسنانك الخاص في تهدئتك وطمأنتك، فيمكنك مراجعة طبيب متخصص في علاج القلق والتوتر، فقد تكون مشورته أو علاجه أجدى نفعاً. وتُقدم بعض كليات طب الأسنان مساقاً اسمه “الخوف من العيادات” تُدرس فيه دور العلاج السلوكي الإدراكي في تقليل حالة رُهاب طبيب الأسنان لدى المريض. التدخل الصيدلاني إذا لم تنفع العبارات المطمئنة والكلمات المهدئة التي يستخدمها طبيب الأسنان في تهدئة المريض، فقد لا يكون أمامك إلى اللجوء إلى التدخل الصيدلاني. ولعل أحلى الأمَرين هو مهدئ ليس له من اسمه نصيب، وهو حقنة تخدير موضعي غير مؤلمة، أو تجعلك تشعر بوخز أو تنمل في أسوأ الاحتمالات. ويأخذ حَقْنُ إبرة التخدير نحو 15 ثانيةً، ويكتمل سريان مفعولها بعد مرور خمس دقائق. وقد يختفي قلقك وتوترك بشأن العلاج تماماً أو يكاد بعد أن تجد الطبيب يدق في أسنانك وينخرها نخراً دون أن تحس بأي ألم. وحتى إن ظل المريض يشعر بتنمل أو وخز بعد بضع ساعات من العلاج، فإنه يكون قد دفع ثمناً أقل وأهون مما كان سيكابده من ألم وانعدام راحة إن هو لم يعجل بتلقي العلاج. وفي حال كانت مجرد فكرة انغراس الحقنة والإبرة في لثتك يُرعبك ويُرهبك ويسبب لك نوبة قلق وتوتر، فيمكن للطبيب أن يصف لك أحد الأدوية المهدئة أو الوريدية، أو أوكسيد النتروس لتخفيف القلق والتوتر والاسترخاء حتى يتمكن طبيب الأسنان من مباشرة علاجه. لكن ينبغي العلم أن العقاقير المسكنة والمهدئة لا تخلو من مخاطر وأعراض جانبية. فالاستخدام المتكرر للأدوية المخدرة والمهدئات والمسكنات يمكن أن تسبب لصاحبها الإدمان. كما يجب على المريض أن يحرص دوماً على إخبار طبيب الأسنان إذا كان قد تناول مسكناً قبل مجيئه للعيادة. وإن لم يفعل ذلك، فليعلم أن الطبيب قد يعطيه نفس المهدئ، أو مسكناً ذا مفعول مماثل، ما يمكن أن يؤدي إلى حدوث تفاعلات دوائية خطيرة، أو إصابته بتسمم دوائي نتيجة تناول جرعة زائدة من الدواء نفسه. وفي الحالات المستعصية، يُصبح الاستشفاء وتلقي العلاج بالتخدير الوريدي، أو التخدير العام أمراً ضرورياً. لكن مثل هذه التدابير لا ينبغي أن تكون الخيار الأول، بل يجب أن تكون بمثابة الكي الذي لا يكون آخر دواء إلا بعد استنفاد جميع الخيارات الأخرى. أما الأطباء الذين يلجؤون إلى المهدئات كخيار علاجي أول، فهذا يعني أنهم لا يختلفون عن مرضاهم، بل إنهم محتاجون بأنفسهم لمهدئات نظراً لأنهم يبحثون عن أسهل الطرق للتعاطي مع القلق والتوتر، ولا يبذلون أي صبر أو جلد في التعامل مع المريض بتدرج وحلم. عن “واشنطن بوست” هشام أحناش
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©