الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

غونار إيكيلوف.. الابن البار للشعر الصوفي

غونار إيكيلوف.. الابن البار للشعر الصوفي
9 يونيو 2018 22:40
محمد عريقات (عمّان) كانت الموسيقى بالنسبة للشاعر السويدي غونار إيكيلوف (1907 ـ 1968) في طفولته بديلاً عن غياب الأم التي لم يتواصل معها أبداً بغير تلك الرسائل التي كان يكتبها لها، ويضمن في سطورها مرارته لرغبته المطلقة في أن تكون له علاقة طبيعية حميمة معها، لكن الأم كانت مشغولة دائماً بأسفارها كواحدة من سيدات المجتمع الراقي اللواتي يعملن لصالح إحدى الجمعيات الخيرية في السويد، وقد اضطر الطفل للبحث عن «الأم المطلقة»، وحين استعصى عليه إيجادها في البشر راحت الموسيقى تملأ نقصه العاطفي، حيث تعلم العزف على البيانو وهو دون الثانية عشرة من عمره. وبما أن الطفولة هي المفتاح لكل ما يغلق علينا فهمه، فإن تتبع طفولة إيكيلوف والأحداث التي عايشها بين أبويه ضرورة لفهم تعقيداته وسوداويته ورؤيته الخاصة للبشر والعالم من حوله، حيث نشأ بين أبوين متناقضين في كلّ شيء. كان والده الثري ينحدر من عائلة بسيطة تزوج من والدته التي تنتمي لعائلة أرستقراطية نبيلة وثرية، وكان يكبرها بعشرين سنة، انتهت علاقتهما بزواج أمه من رجل آخر. جعلت هذه التناقضات من الطفل إيكيلوف منعزلاً متوتراً بعلاقاته مع مجايليه يعاني من أزمات نفسية ظلت تلاحقه إلى شيخوخته، حيث كتب عن ذلك مطولاً في مذكراته. ظل الطفل غارقاً في الموسيقى، وقد استعاض بها عن العالم، حتى عثر بالمصادفة في إحدى المكتبات على كتاب «ترجمان الأشواق» لمحيي الدين بن عربي، ورواية تتحدث عن الإسلام والصوفية للشاعر فيرنر هيدينستام، فقاده ابن عربي لدراسة اللغة العربية عام 1926 في معهد اللغات الشرقية، فاهتم بالأشعار العربية الصوفية، وعلى وجه التحديد منها أشعار جلال الدين الرومي، وفريد الدين العطار، جمع أشعارهما في مخطوطة أطلق عليها «الشعراء الصوفيون الأوائل» وراح يتأمل في الكشف الرؤيويّ بين المرئي واللامرئي، والقريب والبعيد في سبيل ربط الإنسان بالمطلق. وتحت هذا التأثير كتب إيكيلوف ديوانه الأول «متأخر على الأرض» عام 1931، تبعه ديوانه «التكريس» 1934، الذي لفت أنظار النقاد إليه لخروج قصائده على التقليد والمألوف وانشغاله بمستقبل الإنسانية. ثم تتابعت إصداراته: «الحزن والنجم» 1938، و«اشتر أغنية الأعمى» المجموعة التي رأى بها نقاد أن الشاعر يسعى لمد جسور الوصل بينه وبين محيي الدين بن عربي، وأن العملية الشعرية عنده لها قيمة إنسانية وجوهرية وهذا ما يؤكده المترجم موسى الصرداوي الذي نقل قصائد كتابه «حكاية فاطمة» إلى العربية بقوله: «إن الشاعر لا يصنع نصه الفني بل يصنع نفسه، وإنه مستعد للتضحية بالجمال اللغوي وبالشعرية في سبيل توضيح ذاته وتوضيح الجوهر الذي يسعى للوصول إليه ليوصلنا كقراء إلى أسراره العميقة». كذلك يرى الناقد الأكاديمي رايد إكنر في دراسته عن إيكيلوف بعنوان «حياة الظل» أن ابن عربي وجلال الدين الرومي انعطفا بالشاعر من بيئته وثقافته إلى طريق الثقافات الشرقية والصوفية ولغزها ببديهته وذكائه الفكري والفطري، مما كان له الأثر العظيم الذي ظل قائماً في نفسه وفي شعره، وذلك لم يكن مألوفاً أبداً في السويد وعند شعرائها في أوائل القرن العشرين، إلا أن إيكيلوف كان فاتحاً لأن يخترق هذا المسار جدار المدونة الشعرية آنذاك، وظل حتى سنواته الأخيرة ناسكاً ومتوحداً جديّ الاهتمام في هذا النوع من الأدب وابناً باراً للصوفية وشعرائها الكبار.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©